دعا أولياء تلاميذ وزارة التربية إلى التدخل من أجل تسقيف أسعار الدروس الخصوصية، في مطلب طريف يشير إلى أزمة حقيقية أصبحت تواجهها الأسر بسبب التعليم الموازي الذي تحوّل إلى أمر واقع، بل إلى وحش يلتهم ميزانيات عائلات متوسطة أو ضعيفة الدخل، خصوصا وأن الفيروس انتشر بين التلاميذ و الأولياء إلى درجة أن قطاعا من التلاميذ الذين لا يستطيع أولياؤهم توفير مصاريف دراستهم في «المستودع» أصبحوا عرضة لأزمات نفسية جراء شعورهم بالدونية، فضلا عن تأثر مستواهم التعليمي كونهم لا يتمتعون بنفس فرص أندادهم في التحصيل بعد أن ساد اعتقاد بأن الدروس الخصوصية هي مفتاح التفوّق في الامتحانات وأن الحصول على معدل مرتفع في البكالوريا مرتبط بها.
استنجاد الأولياء عبر جمعيتهم بالوزارة يطرح قضية استسلام المجتمع لمبتزيه من التجار الفوضويين وزبانية الحظائر إلى نجوم الدروس الخصوصية الذين بلغت تسعيراتهم خمسة آلاف دينار عن كل مادة، فلو تحمل الأولياء مسؤولياتهم لمارسوا الضغط في الاتجاه الايجابي بمتابعة الأساتذة الذين يتغيّبون أو يستدرجون أبناءهم إلى الدروس الخصوصية، ووثّقوا حالات التمييز التي يتعرض لها التلاميذ الذين لا يتلقون الدروس الموازية، لكن عدم تأطير المجتمع بمجتمع مدني قوي جعل الفئات الهشة ضحية دائمة لجميع الخارجين عن القانون الذين باتوا يفرضون منطقهم وأصبح وجودهم يشكل خطرا على المجتمع وعلى الدولة بعد أن بات لكل نشاط رسمي نشاط يوازيه. وهذا لا يرفع المسؤولية عن وزارة التربية بمؤسساتها، بل هي مطالبة باعتبارها وصيّة بردع موظفيها الذين يعرّضون سنة بعد أخرى التعليم العمومي للخطر مهددين إحدى أبرز المكاسب التي حققتها الجزائر المستقلة لأبنائها: التعليم المجاني.
فقد سمحت الدولة بإنشاء مؤسسات خاصة تلبي حاجة الذين لا يثقون في المؤسسة العمومية، و حاجة الراغبين في الاستثمار والأساتذة الذين أوتوا الكثير من العلم ويرون أن مدارس الدولة لا تأجرهم كما يريدون، أما أن ينال أستاذ امتياز التوظيف ثم يحوّله إلى مدخل لتجارة غير قانونية يمارسها على حساب وظيفته فتلك مسألة في غاية الخطورة خصوصا بعد استفحالها وتحوّلها إلى قاعدة عامة.  إذ لا يمكن الحديث عن إصلاح نظام التعليم في ظل انصراف فاعلين في القطاع إلى شأن آخر، فمن الصعب دفع أستاذ يحصّل عشرات أضعاف دخله في “المستودع” إلى العمل بجدية في المدرسة، وحتى من يرغب في ذلك لن يستطيع التوفيق بين وظيفتين، ويتطلب الأمر تدخل هيئات عمومية أخرى لأن مزاولة نشاط بطريقة غير قانونية، يتطلب ردعه بكل بساطة.
والحاصل أن الدروس الخصوصية باتت تثير قلق المجتمع وقلق المختصين الذين يتحدثون عن إرهاق التلاميذ وقلق الوزارة، وحتى قلق النقابات التي لا ترى بعضها فيه فائدة ترجى والغريب في الأمر أن جميع الذين يدينون الظاهرة استسلموا لها في الواقع.أدخلت جمعية أولياء التلاميذ الدروس الخصوصية في قائمة “المواد” التي يطالب الجزائريون بتسقيفها، غير أن هناك مادة باتت تتعرض للتدهور سنة بعد سنة وتحتاج فعلا إلى سقف لا تنزل دونه، هذه المادة هي “الأخلاق” التي إن حافظت على سقفها جنبت المجتمع تأزمات هو في غنى عنها.                              

النصر