يحيي الأوفياء و المناضلون الذين مازالوا يؤمنون بالاشتراكية، الذكرى الأولى لرحيل الزعيم التاريخي و الرجل السياسي حسين آيت أحمد، بألم مضاعف و حسرة لا توصف، و هم يرون أقدم تشكيلة سياسية معارضة في الجزائر المستقلة، تعيش حربا داخلية بين قيادييها، قد تعصف بوجودها وتذهب بها إلى خزائن التاريخ كم ذهب مؤسسها الأول.
هذه ليست نظرة تشاؤمية لمصير تشكيلة سياسية محترمة، طالما أثرت الساحة الوطنية بنضالها الطويل في السرية و العلانية، و لكن الأصداء الواردة من هذه التشكيلة الحزبية، تفيد بأن تركة " الدا الحسين" هي محل نزاع بين تيارين متعارضين في الاتجاه نحو السلطة، أو إدارة الظهر لها، و النتيجة أن التيار الغالب بدأ يصفي خصومه من زمان الواحد تلو الآخر، آخرهم القيادي الذي طرد بالأمس بعد أن ندّد بممارسات غير ديمقراطية و تسلطية داخل قيادة أقدم حزب ديمقراطي.
فتنة "الأفافاس" كانت منتظرة بأعين الملاحظين، بعد عام من الغياب الأبدي للزعيم الذي لم يصنع زعيما لخلافته من بعده لاستكمال المغامرة الديمقراطية، على الرغم من أن الحزب يعجّ بمجموعة من الإطارات التي تظهر و تختفي كل مرة بحكم فكرة تدوير منصب السكرتير الأول، كما هي تقاليد أحزاب الأممية الاشتراكية.
و يتحسّر الكثير من المناضلين، كيف أن عديد الأزمات التي عاشها الحزب منذ حوالي خمسين سنة إلى غاية اليوم، لم تسمح له بإنضاج بدائل عملية للزعيم التاريخي، أم أن هذا الأخير كان كغيره من الزعماء يعمل على أن لا زعيم من بعده و يعتقد أن لا قدرة لأحد على خلافته،
و هو مرض نادر يعاني منه نوع فريد من الزعماء.
على كلٍ آثار اختفاء الزعيم قسريا أو طوعيا من على رأس القيادة، مسّت عندنا جميع العائلات السياسية التي انفجرت إلى حزيبات صغيرة، و بدت المأساة أكثـر لدى الأحزاب التي تصنّف نفسها بالخانة الديمقراطية، أين يشكو مناضلوها من التسلط و الرأي الواحد، أكثـر ممّا يشتكي المناضلون المنخرطون في الأحزاب الوطنية و الإسلامية التي لا تقيم وزنا كبيرا للفرد و تطلب منه الذوبان في الجماعة حتى و لو كان يحسب نفسه زعيما.
و يتخوّف اليوم المتابعون للحياة السياسية الوطنية، خاصة لدى أحزاب المعارضة، من أن تلقى نفس مصير الأفافاس، بحيث تعجز هيئات التحكيم و المصالحة الداخلية عن الفصل في النزاعات حول التوجهات الاستراتيجية
و الخيارات الكبرى، مثل المشاركة في الانتخابات أو المقاطعة، و المشاركة في الحكومة من عدمها.
و من هذا المنطلق، فقد ولد الأرندي من رحم الأفلان، كما تفرّع عن الأفافاس مجموعة من الأشخاص شكلوا أحزابا لا أثر لها، و هو ما قام به المنشقون عن الأرسيدي و حمس، و أيضا الذين تمرّدوا عن حركة جاب الله الأولى و الثانية.
و يبدو أن الأحزاب ذات النزعة الوطنية، هي وحدها من لديها القدرة الكامنة على تجاوز عقدة الزعيم، لأنها لا تؤمن بالزعيم الأبدي، فالحركة الوطنية عبر تاريخها النضالي الطويل كانت دوما توجد البدائل الممكنة لبلوغ الأهداف الوطنية، و أن ظاهرة الكثـرة في الزعماء لم تثنها عن الإعلان عن الثورة التحريرية بمن حضر.
و يقال أن الزعماء يخطئون مرتين، أولا و هم أحياء عندما يعملون المستحيل على تصحير محيطهم المقرب من أي كفاءة واعدة تريد أن تتجاوز الزعيم أو القائد الذي لم يخلق مثله،
و ثانيا عندما يموتون و لم يصنعوا زعيما أو قائدا يحافظ على الأقل على الإرث السياسي الذي تركوه و يحفظون ذكراه.
هذا ينطبق على العائلات السياسية التقليدية التي تمرّست على النضال في الأوقات الصعبة التي يكون فيها القائد هو الملهم، أما الأحزاب الحديثة فهي لا تؤمن أصلا بفكرة الزعيم، و أن الحياة السياسية بعد رحيله ممكنة و قد تكون ممتعة أيضا.
النصر