لم تفلح كل الإجراءات التنظيمية، والردعية التي اتخذتها السلطات العمومية منذ سنوات في التقليص من حوادث الطرق، التي صارت إرهابا حقيقيا يخيف الجميع دون استثناء.
لم يتمكن وقوف الدركي وسط الطريق، ولا الشرطي في كل منعرج  من ردع السائقين المتهورين، والتقليل بذلك من حوادث المرور ومن عدد القتلى والجرحى، ولم يرجع سحب رخصة السياقة، وفرض غرامات مالية- بعضها معتبر- العقل للكثير من أصحاب المركبات الذين يحصدون أرواحهم وأرواح الكثير من الأبرياء يوميا عبر طرق التراب الوطني. إن الإحصائيات التي تؤكد أن 95 من المئة من حوادث المرور سببها العامل البشري يستحق التوقف فعلا، نعم التوقف عند هذا البشر الذي يُقدم بعيدا عن أي منطق أو عقل على قتل نفسه قبل قتل الآخرين في الطريق العام، وفي الحقيقة فإن هذه الإحصائية لابد أن تستفزنا جميعا، مواطنين وبسطاء ومسؤولين، ولكن أيضا خبراء وعلماء اجتماع وعلماء النفس وأطباء و غيرهم.
 لابد من فهم نفسية المواطن الجزائري وهو يجلس وراء مقود السيارة فهما حقيقيا، لأننا نقف فعلا على شفير الهاوية، ونتفرج يوميا على مجازر حقيقية في الطرق أبطالها للأسف شباب جزائري في عمر الزهور في غالب  الأحيان.
علينا أن ننظر من زاوية أخرى إلى الحالة التي يصير عليها كل واحد منا عندما يمتطي سيارته ويجلس وراء مقودها، ليس لأننا مرضى نفسيا، بل لأن هذه الحالة فعلت فينا فعلتها، وربما سنكتشف أشياء لم نكن نعرفها.
 في كل المجتمعات  والدول تدرس الظواهر الاجتماعية دراسات شاملة اجتماعيا ونفسيا وعلميا لمعرفة  كل تفاصيلها، وهو ما يجب أن يحدث عندنا اليوم، لمعرفة الأسباب التي تدفع الكثير من أبناء جلدتنا لعدم احترام قوانين المرور، رغم كل القوانين والعقوبات التي وضعتها الدولة ضد كل مخالف للقانون.
  نعم هناك أسباب موضوعية مادية معروفة تقف وراء الازدياد المتصاعد لحوادث المرور  عندنا، لكن كل ذلك يمكن التغلب عليه بالعقل والتفكير والتدبير، لأن الإنسان هو الرأسمال الحقيقي، وهو الذي يقود العربات والمركبات والشاحنات في آخر المطاف وليس العكس.
 و بما أن تشديد العقوبة لم يفلح في التقليص من المجازر على طرقنا فقد بات من الضروري التفكير بجد في طريقة أخرى لإيقاف هذا الإرهاب، وذلك ممكن دون أي نقاش، نعم إن تشديد العقوبات لابد منه لكنه يبقى إجراء غير كاف، لأن الكثير من الذين يتعرضون للعقوبات وتسحب منهم رخص السياقة يتمكنون في آخر المطاف من الالتفاف على القانون بطريقة أو بأخرى، وتراهم في اليوم الموالي يسيرون على نفس المنوال والرخصة في جيوبهم. وهذا بدوره يطرح ضرورة دراسة ومعالجة حالات الذين يمكنون هؤلاء من  الدوس على القانون والتسبب في ارتكاب الأخطاء القاتلة، نعم في آخر المطاف فإن كل الاخطاء والعيوب سببها البشر.
لقد اقترحت لجنة النقل والمواصلات  والاتصالات السلكية واللاسلكية في تقريرها الخاص بمشروع القانون الخاص بالسلامة المروية إدراج الطب النفسي ضمن شروط الحصول على رخص السياقة بمختلف أنواعها، قد يبدو هذا المقترح قاسيا لأنه يشكك في السلامة العقلية للجزائريين، لكن قد ننظر إلى هذا الاقتراح من جانب آخر.. بهدوء كامل قد يجنبنا مستقبلا كوارث إضافية.  ولا عيب ففي كل الدول يخضع المرشحون في اختبارات مهنية عديدة للاختبار النفسي والعقلي دون الإساءة للعقل، بل بالعكس من له عقل يمكن خلال الاختبار أن يبرهن عليه، ومن ليس له عقل لا نتركه يركب السيارة.                  
النصر