تطرح حالات موت غريبة للجزائريين أسئلة محيّرة على مبادئ السلامة التي تطبقها الأسر، ففي أقل من أسبوع قضى خمسة أطفال بالشرق غرقا في أواني داخل البيوت أو برك خارجها، وأبيدت عائلة من ستة أفراد بسبب الغاز الذي تحوّل إلى عدو للجزائريين يقتل العشرات كل شتاء. ولو أحصينا الميتات التي تحدث على هذا النحو لوقفنا على عدد يشير إلى حرب مغفلة داخل مجتمع لا يحسن المحافظة على نفسه، ولا يحترس ويتعامل بدون جدية مع الأخطار المحيطة به.
هذه الوضعية تستدعي الانتباه وتقدم مداخل هامة لدراسة المجتمع الجزائري، الذي حقّق مكاسب في مجال الرفاهية وانتقل إلى حداثة لم يمتلك أدواتها لأنه تحوّل إلى حياة مدينية دون قطيعة مع المراحل السابقة لهذه المرحلة.
يحتاج رب البيت وربته اللذان "يقتلان" أبناءهما بالغاز، بالضرورة إلى "التأهيل" الذي تحتاج إليه الأم التي تنصب دون أن تدري فخاخا لأبنائها في البيت، ولا تكتشف خطورة  ما صنعت يداها إلا بعد فوات الأوان، والتأهيل هنا تتولاه الهيئات المضطلعة بالشؤون الاجتماعية والأسرة، خصوصا وأن كلمة "الأسرة"  منصّص عليها في تسمية وزارة من وزارات الحكومة، وبالتالي فإن مهامها  ومهام المؤسسات التي تقع تحت وصايتها مدعوة إلى الانتباه إلى "الأخطار الصغيرة" التي لا يتم الانتباه إليها لكن نتائجها كارثية حين تجمع، خصوصا على فئة الأطفال، وكذلك المجتمع المدني الذي لا يلعب دوره الحقيقي ولا تظهر الجمعيات إلا مع عموم الناس في الجنائز، والمشاركة في الجنازة وإظهار الحزن على الضحايا أو التظاهر به لن يكون مفيدا لأنه لن يعيدهم إلى الحياة.  
ومعلوم أن منظومتنا تعمل بردود الأفعال وتفتقر إلى حسّ استباقي تلقنه للأفراد لتجنب الكوارث يضاف إليها  افتقاد روح المسؤولية داخل البيوت وخارجها، فبعض الأولياء تحوّلوا إلى "سلاحف" يكتفون في تنشئة أبنائهم بالعملية الأولى متمثلة في الإنجاب و بعد ذلك ينصرفون إلى شؤونهم وربما قطعوا طرقات لمطالبة الدولة بتوفير "السكن اللائق"... إلى آخر الأغنية، دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء توفير ما يجب توفيره لأطفالهم وفي مقدمة ذلك الرعاية والحماية، ولا يختلف عن هؤلاء المقاول الذي يحفر آبارا يموت فيها الأطفال والقائمون على الهيئات التي تراقبه.
فعمليات التحسيس عبر وسائل الإعلام بالأخطار المنزلية عبر قصص مصورة ومعدة بإتقان من شأنها أن تفيد أكثـر مما تفيد عمليات الترويج لنشاطات لا تهم إلا منظميها، والمنفعة العامة وتنمية المجتمع وتدريب أفراده على قواعد العيش في فضائهم مهمة تتقاسمها وسائل الاعلام التي تقدم منتوجاتها وتستهدف الجماهير بإشهاراتها. لأن حالات الموت الساذج تحيل إلى ضعف في التنمية البشرية التي ينهض بها المجتمع إلى جانب الدولة وكل الفاعلين الاجتماعيين، وعادة ما تكون حوادث بسيطة في المجتمعات المتقدمة الشرارة الأولى التي تنطلق منها استراتيجيات ومشاريع للحماية الاجتماعية وتيسير الحياة بل وجعلها ممتعة.
فتكرّر موت الأطفال في حفر وفي أواني منزلية ليس مجرد حوادث تنقلها وسائل الإعلام، بل يتعلّق الأمر بمؤشرات على خلل في آلة يتطلب العلاج، لذلك لا بد على من يهمهم الأمر الإصغاء إلى مختصين، ولا نخجل أبدا حين نصغي في تسوية معضلاتنا الاجتماعية إلى ما يشخصه وما يقترحه الطب النفسي والعقلي، لأن الكثير من التصرفات في يومياتنا تشير إلى إغفالنا لهذا الشق من العلاج، فحالات العبور الانتحاري للطرقات وأساليب السياقة و السلوكات العدوانية والإفراط في التلفظ بالكلام البذيء في شوارعنا و أعمال العنف، هي أعراض داء كامن يحتاج إلى علاج.
النصر