عاشت كافة مناطق الوطن أمس أكبر حملة للتشجير أطلقتها وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري من خلال المديرية العامة للغابات بالتعاون مع جمعية «الجزائر الخضراء»، وبمشاركة واسعة من مختلف شرائح المجتمع وعديد الهيئات والمؤسسات في هبة جماهيرية شعبية لغرس مليون شجرة وتعزيز الغطاء النباتي بالمناطق المتضررة من الحرائق، ومجابهة التصحر.
خرج الجزائريون عبر مختلف الولايات منذ الساعات الأولى لصبيحة أمس لإنجاح حملة غرس ما لا يقل عن مليون شجرة، حاملين معهم شتلات ومعدات الغرس واللوازم الضرورية لإعادة اللون الأخضر لمساحات واسعة تضررت في السنوات الأخيرة من التغيرات المناخية وشح الأمطار، ومن كارثة الحرائق التي أتت بدورها على عشرات الهكتارات من الأغطية النباتية والمساحات الغابية والأحراش.
وكانت الانطلاقة الرسمية لحملة غرس مليون شجرة المتزامنة مع إحياء اليوم الوطني للشجرة، من ولاية تيزي وزو التي حل بها وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري ياسين المهدي وليد، وبالضبط ببلدية «آيت عقواشة» دائرة الأربعاء ناث إراثن، بهدف إعادة إحياء الفضاءات التي مستها كارثة الحرائق في صائفة 2021 التي كبدت المنطقة خسائر معتبرة بسبب امتداد ألسنة النيران إلى مساحات غابية واسعة معروفة بتنوعها النباتي والإيكولوجي، لينتقل بعدها إلى ولايات البويرة وبرج بوعريريج والعاصمة لمرافقة القائمين على تنظيم هذا الحدث البيئي الهام.
ولم يتأخر المواطنون وأفراد المجتمع المدني وممثلون عن هيئات ومؤسسات مختلفة عن الخروج أفرادا وجماعات للمشاركة في غرس مليون شجرة، في هبة شعبية وجماهيرية عكست الروح التضامنية للمجتمع الجزائري، ومستوى الوعي بضرورة تضافر الجهود لتحقيق الأهداف المنشودة، سيما حينما يتعلق الأمر بالمصلحة الوطنية.
كما لم يتردد بدورهم الموظفون والعمال في تسخير عطلة نهاية الأسبوع لإعادة بعث الحياة لمساحات واسعة تحولت في السنوات الأخيرة إلى فضاءات قاحلة بسبب عدة عوامل، من بينها الجفاف وزحف الرمال والحرائق، وتوجه جميعهم نحو المناطق المعنية بالتشجير في ظل تسخير وسائل نقل جماعية مجانا انطلاقا من عديد البلديات اتجاه النقاط التي استهدفتها حملة التشجير الواقعة أغلبها خارج المجمعات السكنية.
انتقاء 1 مليون شتلة تناسب طبيعة كل منطقة
وحرصت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري عن طريق المديرية العامة للغابات خلال التحضير لحملة «المليون شجرة»، على انتقاء الشتلات بعناية فائقة بما يناسب الطبيعة المناخية لكل منطقة، وبما يحقق الأهداف المرجوة من العملية التي سخرت لها السلطات العمومية الوسائل المادية والبشرية اللازمة لضمان نجاحها.
وتم في هذا السياق وفق ما أفادت به وزارة الفلاحة في بيان لها تحضير مليون شتلة تلائم طبيعة مختلف مناطق الوطن، من بينها 130 ألف شجرة مثمرة، مؤكدة بأن حملة التشجير تظل متواصلة إلى غاية بلوغ الهدف المنشود، أي غرس 1 مليون شجرة، مشيرة إلى أن الإحصائيات الأولية تفيد بأن عدد الأشجار المزمع غرسها سيتجاوز بكثير العدد المتوقع، نظرا للهبة الشعبية غير المسبوقة لإنجاح هذا الحدث الوطني.
وأضاف البيان بأن حملة التشجير التي انطلقت بالتعاون مع جمعية الجزائر الخضراء ومسؤولها «فؤاد معلى»، انضم إليها فاعلون وجمعيات وهيئات تربوية وتعليمية وعائلات ومواطنون أصروا على المشاركة في المبادرة بما يؤكد مستوى وعي المجتمع الجزائري بأن حماية الغابة والفضاءات الخضراء مسؤولية مشتركة بين الجميع.
ويشار إلى أن المديرية العامة للغابات قامت بإطلاق حملة تحسيسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتوسيع المشاركة في حملة «الجزائر الخضراء»، وحرصت على تحديد النقاط المعنية بالتشجير لتسهيل الوصول إليها من قبل المشاركين في العملية.
وساهمت من جهتها السلطات المحلية عبر مختلف الولايات في إنجاح حملة التشجير، من بينهم الولاة، في أجواء احتفالية أعادت للأذهان حملات التشجير التي كانت تستقطب مختلف فعاليات المجتمع، وتتجند لأجلها الجمعيات وطلبة المؤسسات التعليمية وأفراد الكشافة الإسلامية لتوسيع المساحات الخضراء وإثراء التنوع البيئي.
وأفادت في هذا السياق المفتشة العامة للغابات بالمديرية العامة للغابات نجمة رحماني بتوفير 1 مليون شجرة لغرسها عبر 58 ولاية، منوهة بالتعبئة المسبقة للمواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لإنجاح هذه الحملة البيئية، موضحة بأن المديرية العامة للغابات ساهمت بـ 600 ألف شجيرة، فيما وفر مجمع الهندسة الريفية أكثر من 400 ألف وحدة، إلى جانب تسجيل مساهمات من دوائر وزارية ومؤسسات عمومية وخاصة، وبنوك ومتعاملين اقتصاديين وجمعيات. وأكدت المتدخلة بأن حملة التشجير هذه السنة تتميز عن سابقاتها بغرس مليون شجرة في يوم واحد فقط عبر كامل التراب الوطني، بمساهمة لافتة من الأسلاك النظامية على غرار الجيش الوطني الشعبي والدرك الوطني والشرطة والجمارك وسلك الغابات.
وترمي الحملة في الأساس إلى حماية الأملاك الغابية وتعزيز مقاومة حرائق الغابات والتصحر وتراكم الرمال والتعرية وانجراف التربة، علما أن الحملة الوطنية للتشجير 2025/2026 تمتد من 25 أكتوبر الجاري إلى غاية 31 مارس المقبل، وهي تسعى لغرس نحو 32 مليون شجرة غابية ومثمرة على مساحة إجمالية تفوق 38 ألف هكتار، تؤكد ذات
المتحدثة.
لطيفة بلحاج
