يعمل فريق من الباحثين في مركز البحث في العلوم الصيدلانية بقسنطينة على إنجاز تسلسل الجينوم الكامل لسلالات بكتيرية جديدة، حيث يرتقب أن تنظم ورشة منتصف الشهر المقبل بعد حصول المركز على جهاز جديد من تكنولوجيا الجيل الرابع لإنجاز التسلسل الجيني في إطار منحة شركة “أكسفورد نانوبور تكنولوجي”، في حين تشمل العملية عزلات بكتيرية مأخوذة من مواقع مختلفة.
وأفاد الدكتور عبد اللطيف قدّو، الأستاذ الباحث في مركز البحث في العلوم الصيدلانية بقسنطينة، بأن الاستفادة من جهاز تسلسل الجينوم الكامل جاءت في إطار برنامج المنح التابع لشركة “أكسفورد نانوبور تكنولوجي” Oxford Nanopore Technologies الذي يستهدف مساعدة الباحثين عبر العالم ودعم أعمالهم في مجال التسلسل الجيني، حيث أشار إلى أن المشاركة فيه تُفتح بشكل فصلي، فيما يتم انتقاء ثلاثين باحثا عبر العالم في كل دورة. وأضاف المتحدث أن العملية تكون من خلال اقتراح مشروع بحث في مجال معين، على غرار الصحة والبيئة، لكن يشترط في البحث أن يتطلب تقنية التسلسل الجيني Sequencing، حيث أوضح أنه اقترح بحثا لإنجاز التسلسل الجيني لعزلات بكتيرية ذات نشاط بيولوجي من بيئات نادرة مختلفة في الجزائر، مثل المواقع الأثرية وأعماق البحار.
وأعدت العزلات البكتيرية في سنة 2024 بحسب ما أكده لنا الباحث، حيث شرح أنها شملت عدة نقاط من منطقة القالة بولاية الطارف وعنابة، على غرار محيط البحيرات الموجودة فيها، في حين لفت إلى أن الاختبارات أكدت أنها نشطة بيولوجيا، كما أكد الباحث أن العملية تستهدف التعريف الجيني للبكتيريا الموجودة في العزلات، بالإضافة إلى إنجاز تسلسل الجينوم الكامل من أجل التعريف بجميع الجينات الموجودة والتعرف على نشاطها البيولوجي واستعمالاتها المخبرية. وأضاف المتحدث أن البيئة التي أخذت منها عزلات البكتيريا في المواقع الأثرية صعبة للبكتيريا، ما يرجح إمكانية أن تكون السلالات التي تعيش فيها نادرة أو مقاومة للعوامل الطبيعية، فضلا عن إمكانية امتلاكها القدرة على مقاومة عوامل أخرى.
ونبه المتحدث بأن العملية تستهدف أيضا البحث في طرق المحافظة على المعالم التاريخية وحمايتها من الأضرار التي قد تحدثها البكتيريا، التي تحفر ثقوبا لتعيش فيها، في حين شرح أن الاستفادة من برنامج شركة «أكسفورد نانوبور تكنولوجي» تستهدف نقل دعم البحث المذكور، بالإضافة إلى نقل التكنولوجيا إلى الجزائر وتدريب الباحثين على استعمال الجهاز، مؤكدا أنها من بين الأهداف المدرجة في مقترحات المشروع. وأضاف المتحدث أن فريق البحث سيُنجز تسلسل الجينوم الكامل لخمس عشرة سلالة بكتيرية جديدة في الورشة التي ستنظم على مستوى مركز البحث في العلوم الصيدلانية منتصف شهر نوفمبر المقبل، بينما نبه أن الأرضية المخصصة لإنجاز التسلسل الجيني على مستوى المركز جاهزة بشكل كامل.
وأطلعنا الباحث على جهاز التسلسل الجيني الذي حصل عليه المركز في إطار البرنامج المذكور، حيث لاحظنا أنه بحجم راحة اليد، في حين أوضح محدثنا أنه يعتمد على تكنولوجيا التسلسل الجيني للجيل التالي Next Generation Sequencing، التي توسم في المجتمع العلمي برمز NGS، مؤكدا أنها من تقنيات الجيل الرابع، كما أضاف أن الجهاز الذي حصل عليه المركز يعتبر الأحدث في فئة «مينايون» MinION التي ينتمي إليها. ونبه المصدر نفسه أن جهاز «مينايون أم كا 1 دي» Mk1D يقرأ الجزيء مباشرة بشكل آني من خلال عبور الحمض النووي DNA والحمض النووي الريبوزي RNA داخل مسام نانوية دقيقة تسجل التغييرات الكهربائية لتحديد القواعد النيتروجينية، مؤكدا أنه يمتاز بإمكانية إيصاله مباشرة بالحاسوب من خلال رابط «إي أس بي» USB، كما يسمح بإجراء تسلسل الجينوم الكامل خلال ساعات قليلة فقط، فضلا عن إمكانية العمل عليه ميدانيا.
واعتبر المتحدث أن الحصول على هذا الجهاز يمثل نقلة نوعية للبحث الجينومي في الجزائر، حيث يمكن من إجراء تسلسل الجينوم الكامل بما يفتح آفاقا واسعة في تشخيص الأمراض الوراثية والمعدية ودراسة التنوع الميكروبي والبيئي. ويشتغل الجهاز مثلما لاحظنا ببرمجيات «ميناو» Minknow و»إيبيتومي» EPI2ME، بينما كان مرفقا بحزمة من الأدوات التي تسمح باستخدامه. وفاز فريق البحث في البرنامج في شهر أفريل، فيما حصل المركز على الجهاز منذ أسبوعين، حيث أكد أن إنجاز تسلسل الجينوم الكامل المرتقب في شهر نوفمبر المقبل يستهدف تدريب الباحثين على استعمال الجهاز من داخل المركز وخارجه.
من جهته، قال البروفيسور عبد الحميد جكون، مدير مركز البحث في العلوم الصيدلانية، إن التوصيف الجينومي للتراث البيولوجي الوطني يسمح بالمحافظة على التنوع الطبيعي، معتبرا أن المبادرات التي ينجزها المركز ستسمح له بأن يتحول إلى قطب للباحثين على المستوى الوطني من أجل عرض أبحاثهم، فيما أكد أن العديد من طلبة الماستر والدكتوراه يقصدون المركز من أجل إنجاز العديد من الأعمال التجريبية في المخابر. وأضاف المتحدث أن المركز سيعزز بتجهيزات جديدة مستقبلا، لكنه نبه أنها تصب في مجملها في التوصيف العلمي ودراسة المواد الصيدلانية، مؤكدا أن المركز يسعى للوصول إلى إنشاء بيئة بحثية متكاملة.
ولاحظنا خلال تواجدنا في المكان أن أشغال تجسيد مختبر حيوانات التجارب جارية، بينما أكد البروفيسور جكون أن المركز يعكف على إتمام إجراء إنشاء المؤسسة الفرعية التابعة للمركز، حيث وصلت إلى مرحلة إعداد السجل التجاري، فيما أضاف المتحدث أن المؤسسة الفرعية وحاضنة الأعمال سيسمحان لمركز البحث في العلوم الصيدلانية بتثمين المنتجات البحثية تجاريا. والتقينا أيضا بالبروفيسور عبد الحفيظ بلحاج الطاهر من جامعة تولوز، حيث أوضح أن زيارته تستهدف إجراء تعاون علمي بهدف العمل المشترك حول علاجات السرطان والمستحضرات الجلدية.
سامي .ح
