أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية، تُمارسه الامبراطوريات المعاصرة ووكلائها وخدمها وحشمها وجواريها.
يشير هذا المأزق الأخلاقي إلى فشل الإنسان في تجاوز طبعه البدائي الذي كان يفترض أن تهذبه الحضارات المتعاقبة والفلسفات و المعارف، ويُنذر بعصور ظلامٍ جديدةٍ، بدأت مع موجات الاستعمار الجديد وصعود الأصوليّات وتراجع صوت العقل ووصول الديمقراطيّة الغربيّة التي كانت تُقدّم كدينٍ جديد يحملُ الخلاص للعالم، إلى حدودها القصوى، بعد أن استولى عليها تُجار السّلاح ولصوص المعادن، حيث يكفي إلقاء نظرة على قوائم النّخب السياسيّة التي تنتجها هذه الديمقراطيّة، للوقوف على المصير المخيف الذي ينتظر عصرنا.
ثمة دفع بالعالم إلى قبول الأمر الواقع الذي يحضّره المنتفعون في مخابرهم، تحت تسميّة التغيّرات الجيوستراتيجية، لإخفاء سلوكات من نوع نهب المعادن والثـروات والاستيلاء على مقدرات شعوبٍ وإسقاط حكوماتٍ وأنظمة ترفض الخضوع لإملاءات وحماية أنظمة تضع نفسها في خدمة أسياد العصر، ويجري استخدام مفكرين وفلاسفة في هذا المسعى مع توافقٍ على مضايقة صوت الحقّ، وخير مثال على ذلك الترويج المفرط لفلاسفة من نوع برنار هنري ليفي الذي فقد عقله تمامًا وهو يناصر الصهيونيّة ويبكي على "عزلة إسرائيل" ويشتم الأكاديميين الغربيين الذين انتفضوا ضد سياسات بلدانهم وانتقدوا انحيازها لقتلة الأطفال لا سيما في الولايات المتحدة، وبالمقابل اضطهاد مثقف ودبلوماسي في صورة دومينيك دو فيليبان، لأنه ينتقد ازدواجية المعايير ويحذر من سقوط الغرب إلى هاوية بلا قرار.
وسط هذا الظلام يشعل الدمُ الفلسطيني شمعة أيقظت ضمائر شعوبٍ اكتشفت بهتان السرديّة التي يروّج لها القتلة وحُماتهم، تلخّص ذلك صورة عامل نظافة في شارع غربي استوقفه برنامجٌ تلفزيوني ليسأله عن حلمه، فكان ردّه مفاجئًا لسائله، حين قال حلمي أن يتوقّف قتل الفلسطينيين، لأنّ ما يحدث غير عادلٍ.