توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت ومُوسّعة دائرة الجمهور المُستهدف، ما يجعل النّشاط الثقافيّ في شكله التقليديّ عديم الجدوى والأثر.
و يتكرّس هذا الوضع على شكلِ ناموسٍ لا ينفعُ معه عناد ولا تنفع مُراوغة، ويقتضي بالمقابل، التكيّف والكفّ عن الشكوى والبكاء، وتغيير طبع "المثقّف التقليدي" المهموم بالتكريمات والمهرجانات، أي تلك الاحتفالات الطقسيّة المستدعاة من مراحل تاريخيّة مضت وانقضت.
لذلك من الضروري، اليوم، أن توجّه المؤسّسات الثقافيّة جهدها ومقدراتها لحفظ وتوثيق ورقمنة الموروث الثقافي الوطني، وتقديم الجزائر الثقافيّة بشرًا وأثرًا، إلى العالم وإلى الأجيال القادمة، لأنّ ذلك عنوان وجودٍ و إشارة بقاء في البراري الافتراضية التي يتبارى فيها سكّان كوكبنا.
لأنّ الإبداع "يُصنع" في مُختبر المبدع الحقيقي المتخرّج من الهوامش، المخلص لإبداعه وحده، ويكفي أن نحصي المبدعين الذين يدلون على الجزائر، لنعرف أن كلّ أثرٍ، هو نتيجة دفعٍ ذاتيّ، حتى وإن كان دعم الفنون والآداب من الأفعال المحمودة، بل إنّه أصبح من السيّاسات التي تنتهجها الدول، حتى في معارك البقاء والهيمنة والاستقطاب.
ومن المؤكد أن نفع منصّات تقدم مختلف الفنون إلى الجمهور أكثر من نفع تظاهرات لا تستقطب الاهتمام.
من جهة أخرى فإن الرأسمال الخاص مدعو للانتباه إلى مجالات الاستثمار التي تقترحها التطورات المعاصرة، إذ لا يعقل أن تظل الدولة الداعم الوحيد لنشاط يمكن أن يكون مدرا للثروة وصانعًا للقيمة في نفس الوقت، ويكفي كمثال على ذلك قطاع السينما، الذي لن يتطوّر من دون مغامرات إنتاجيّة وفنيّة تقترح رؤية وحساسيّات جديدة، تقطع مع الريع وتنفتحُ على الحياة بكل غناها وحيويتها وتناقضاتها.
وقبل ذلك وبعده، فإنّ المبدع بالذات هو المعني الأول بالتقاط إشارات تغيّر العالم وتلمّس الطريق الخاص في الغابة الكونيّة المضيئة.
سليم بوفنداسة