تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر لمقاطع من روايتها "هواريّة" رأى فيها ناشروها بذاءة لا تليق بالأدب وفق تصوّرهم، واستغربوا كيف فازت الرواية بجائزة آسيا جبار، وربما كانت الجائزة هي السبب الظّاهر والخفيّ للنّهش الالكتروني الذي تعرّضت له.
والمثير في الحكاية أنّ منتسبين إلى الحقلين الأدبي و الأكاديمي انخرطوا في الحملة بشعارات دينيّة وأخلاقيّة تُحيل إلى مشكلة في تعريف الأدب وفهمه بين بعض الذين يقدّمون أنفسهم كمُمارسين له، وهذه الظاهرة ليست جديدة، بل رافقت الأدب الجزائري المكتوب بالعربيّة منذ التأسيس، وأتاحت لها اليوم مواقع التواصل فرصة الانتشار الواسع، بعدما كانت تنحصر في فضاءات صغيرة كالملتقيات والأمسيات الأدبيّة والمقالات الصحافيّة، حيث تتم محاكمة نصوص أدبيّة و أصحابها بأدوات الواقع وبمقاييس دينيّة وأخلاقيّة، ما يكشف عن فقرٍ في مستويات القراءة، بل عن سوء تلقٍّ للآداب والفنون عامّة، بسبب سيطرة ثقافة تقليديّة بين "القراء" الذين لا يستمتعون بالأثر الفنيّ، بل يفتّشون في ثناياه عن دليل إدانة صاحبه.
ورأينا كيف انتهت محاكمات من هذا النوع بتصفيّة كتّاب في سنوات الإرهاب.. واستمر نفس السلوك من خلال استهداف كتاب وفنانين في وسائل إعلام وعلى شبكات التواصل، وتخريب تماثيل، بنفس الدوافع الأخلاقيّة التي تخفي مشكلة جنسيّة عويصة، يقلّ الحديث عنها علنًا باعتبارها من الطابوهات، وتحتاج إلى دراساتٍ جادة، فالبحث عن عباراتٍ أو لقطاتٍ ذات إيحاء جنسي في عملٍ روائيّ أو سينمائيّ أو تشكيليّ، قد تكشف عن أزمة لدى الباحث، وليس في العمل المبحوث فيه!
كما قد تخفي الخطابات الطهرانيّة عكس ما تظهره تمَامًا، لأنّها ببساطة ليست سوى ميكانيزمات دفاعيّة تحجب مكبوتات ورغبات غير مُشبعة.
ما حدث لإنعام بيوض ولكثير من الكتّاب، قبلها، يطرح الكثير من الأسئلة حول تدريس الآداب والفنون، وحول المعالجات الإعلاميّة للمواضيع الثقافية، فحريّة النّقد وإبداء الرأي في الأعمال الأدبيّة يجب ألا تمسّ بحرية الإبداع أو تتحوّل إلى عمليات تحريض وتشهير واعتداء، كما أن ترقيّة الذوق الفني تستدعي "تصويبات" من أهل المعرفة، حتى لا يضطر الروائيّ، مثلا، إلى تعريف الرواية وتقديم البراهين على براءته ممّا اقترفت شخوص رواياته.
فالرواية، هي عنوان عصرنا ونشيد المدنيّة الحديثة وقد يكون سوء التعاطي معها، مؤشرا على صعوباتٍ في دخول العصر.
سليم بوفنداسة