يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون الاحتفاء خالصًا لوجه المكرّم ولا يُخفي دوافع إشهاريّة أو رغبة في استغلال نجاح النّاجح لغرضٍ معلومٍ أو غير معلومٍ، أو يكشف خصوصيّات عائلاتٍ ويضعها تحت الضوء بأساليب قد تدخل دائرة التشهير. فما معنى أن تُصوّر هديّة تقدمّها لناجحٍ وتُعدّد مزاياها و مزاياك؟ و ما معنى أن تستغلّ كرم وحياء عائلة لتروّج لشخصك أو لسلعتك؟ وما الفائدة من إبراز الوضعيّة الاجتماعيّة لناجحٍ بطريقة قد تؤثّر على بقيّة مساره.
المتفوّق في امتحانٍ ما، طالبُ علمٍ له خصوصيّته التي يجب أن تُحترم، فلا يُقدّم كصاحب حاجة أو كشخصٍ بلغ مراده أو كنجمٍ. و يفترضُ أن تدرك العائلات هذا الأمر لحماية أبنائها من "المستغلّين" الذين قد تكون نواياهم حسنة يفرشون بها الطريق إلى جهنم، و ربما كانوا فاشلين يستهدفون الظهور على مواقع التواصل الاجتماعيّ، لأنّ هذا الكرم المُعلن قد يؤثر سلبًا على المسار الدراسيّ والاجتماعي للمستهدفين به، لأنّه قد يكون سببًا في التنمّر، الذي تحوّل إلى رياضة تُمارس على نطاقٍ واسعٍ، في أيامنا.
بالمقابل ثمّة أخلاقيات في منح الهديّة تقتضي أن يُحاط بكتمانٍ يصون كرامة الممنوح ويحمي المانح من تبجّح لا ضرورة له، خصوصًا حين يتعلّق الأمر بفئات لا تريد الظهور ولا تملك حيلة لردّه حين يُفرض عليها.
تبدو هذه الظاهرة كنتيجة لتأثير مواقع التواصل على السلوك، لكنّنا نجد جذورها في ممارسة قديمة، هي "التبراح" بمقاصده المشؤومة التي تتمثّل في إبراز قدرات المانح ومكانته في نِزالٍ بين مجموعة متبارين، وقد انتقلت الممارسة من الأعراس التقليديّة إلى الملاهي، ثم إلى مواقع التواصل في شكل مظاهر تفاخر بالممتلكات وموائد الأكل والأسفار و المعرفة و العبقريّة وحتى بالأبناء الذين "لا نظير لهم"... وبإمكان المشتغلين في حقول علم النفس أن يفصّلوا في الآليات الدفاعيّة الكامنة خلف هذا النّوع من السلوك وما تحيل إليه في الجداول الإكلينيكية.
لكلّ ذلك يجب على المواطنين "الأبرياء" الذين لا يبحثون عن الشهرة، الحذر والانتباه، لحماية أبنائهم، في حالات النّجاح والتفوّق، من غول الكتروني تخفيه سلوكاتٍ بريئة أو غير محسوبة أو محسوبة بإتقانٍ!
سليم بوفنداسة