هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها هذه القنوات؟ لا يحملُ السؤال دعوة للخروج من العصر، لكنّه يسعى للاستفسار عن المخاطر التي تنجمُ عن اختلاط الأنواع في الفضاءات الجماهيريّة، التي وضع مُصمّموها التفاعلَ كوسيلة للتّرويج، الأمر الذي تسبّب في إشاعة أنماطٍ تواصليّة جاهزة، قد يرتديها المستخدمُ الباحث عن مجدٍ افتراضيّ، مع كلّ ما يقتضيه ذلك من تعديلٍ في الخطابِ ونزولٍ بمستواه، مجاراةً للسائد والشائع والمستحبّ، وفق ما يمكن رصده في خطابات مثقّفين أغوتهم لعبةُ "التأثير" فصاروا يلعبون خارج أرضهم في مناخ لم يتعودوا عليه، واضطرّوا إلى مُسايرة أصحاب الأرض في المزاج والأسلوب الذي قد لا يتوافق مع طبيعة الحقول التي ينتسبون إليها، وغاب عنهم أنّ دخول "حارة المُؤثّرين" يقتضي تغيير الصّفة القديمة و ارتداء الصّفات المُناسبة للتسكّع في هذا الفضاء. والمخيفُ هنا، أن المثقّف المتخفّف من ثقله قد يضطرّ إلى محاكاة المهرّج طالب التفاعلات، في انقلاب للأدوار لا يمسّ الأشخاص فحسب، بل يُصيب القضايا الجوهرية، التي تُستهلك بموجب بروتوكول وسائط التواصل كمادة طريفة، ويُغيّب النقاش الرّصين والجاد حولها، وهو ما نلمسه اليوم في كثيرٍ من المسائل، التي تُثار وتتوارى وفق ما تقترحه الخوارزميّات بموجب ميزان الاهتمام الجماهيريّ المختلّ. قد لا يكون لهذا الوضع التأثير الملموس في مجتمعات المعرفة، التي تتمتّع إلى جانب المعارف المعمّمة، بإعلام قويّ ومؤسّسات عريقة وعقود اجتماعيّة محسومة، لكنّه يشكلّ خطرًا في المجتمعات قيد البناء التي لا تستهلك المنتوج الثقافي عالي القيمة وتفتقر إلى إعلام موثوق ومؤثّر، وتتغذّى على الشائعات، وتنساقُ أمام الخطابات العاطفيّة. لذلك من الضروري، أن يحافظ المثقّف على خُصوصيّته وهويّته، ويصون خطابه أمام الإغراءات التي يقترحها الرّصيف الالكتروني، ولا يفرّط في القواعد وهو يستخدم الوسائل الجديدة، لأنّ القيمة غير قابلة للرواج، والعكس صحيح في أغلب الحالات. والحاجة إلى القيمة ثابتة حتى و إن انقلبت موازين التقدير الاجتماعي، وربما ازدادت بقدر ضبط مُنتجها للنّفس وعدم تجاوبه مع الطلبات الملحّة للنزول إلى حلبة الرّقص!