يحاولُ حملةُ أقلامٍ يكتبون في الصّحافة الفرنسيّة الزج بالجزائر في محاور مُستهدفة، بل ويجتهدون في إثراء سرديّات مُعاديّة بكتابات تدعو إلى التساؤل، آخرها تلك الأغنيّة التي تردّدت لأكثـر من مرّة في أسبوعيّة "لوبوان" اليمينيّة، حول علاقة الجزائر بإيران وكونها الهدف القادم لعدوانٍ، هو في حقيقة الأمر أمنيّة أطرافٍ معروفةٍ، أما أن يُروّج لذلك جزائريون عاشوا إلى وقتٍ متأخر من أعمارهم في الجزائر واشتغلوا فيها، فذلك مبعث الحيرة.
قد يقول قائلٌ بأنّ الأمر يتعلّق بعملٍ صحافيّ في منبرٍ حرّ لا يراعي المشاعر ولا الحسابات السيّاسيّة، لكن السؤال المطروح هو، هل يستطيع ذات المنبر الحرّ أن يُشير إلى المذبحة المفتوحة في غزة ويصف وضع الضحيّة ويشير إلى المعتدي؟ وهل يستطيع المنبرُ ذاته أن يقدّم عملًا غير موجّه عن الحرب التي دارت بين إسرائيل وإيران، ويكون نزيهًا وموضوعيًّا في طرح جوهر النّزاع بين كيانٍ مُصطنع في شكل دولة دينيّة مُتطرفة تمتلك مئات الرؤوس النوويّة تستخدمها في إرهاب جيرانها، ودولة تسعى لكسب التكنولوجيا النوويّة؟
وهل يستطيع الكاتبُ الذي يطلق السّهام في اتجاه بلده أن يكون حرًّا إلى الحدّ الذي يفلتُ فيه من السرديّة النيوكولونياليّة؟ وهل يُبرّر وقوف كاتبٍ في موقع المعارضة، دعوته للعدوان على بلده؟
لسنا هنا بصدد مساءلة منبرٍ أجنبي يخدم توجّهات ومصالح مُموليه، ولكن بصدد التوقّف عند ظاهرة جديدة تتمثّل في نجاح الطرف الفرنسي في استمالة كتّاب جزائريين و"توظيفهم"، وهو ما لم ينجح فيه في سنوات الحرب الطويلة وفي السّنوات التي تلتها، حيث كان الكاتب الجزائري المتخرّج من المدرسة الفرنسيّة عصيًّا على "الاختراق"، امتلك اللّغة ولم تمتلكه، بل حوّلها إلى "غنيمة" استخدمها في دعم مطلب الحريّة، وحافظ على مخياله الخاص حتى وهو ينشر في كبريات الدور الفرنسيّة كما هو شأن كاتب ياسين ومحمد ديب.
كان ياسين متخرّجا من مدرسة الحياة القاسيّة، وكان يقول:"سيبقى النّاشر الفرنسيّ فرنسيًّا وسأبقى كاتبًا جزائريًّا"، أما ديب فرفض طلب الناشر بتغيير أسلوب الكتابة مجاراة لما يطلبه سوق القراءة، وقال مقولته المشهورة:" يبدو أن اسمي هو الذي يزعجكم"..قبل أن يصل إلى استنتاجٍ مؤداه أن كتّاب المغرب العربي يأتون في مرتبة متأخرة بعد الخادمات البرتغاليات في سوق القيمة الفرنسي.
لكنّنا نرى اليوم كاتبًا جزائريا ينتقل إلى فرنسا، بعد الخمسين، ليقول للفرنسيين أنه أكثـر فرنسيّة منهم، ويبرهن على ذلك بقذف الحجارة في اتجاه بلده وامتداح سفّاحي غزة، وعلى منواله سينسج طامحون إلى مجدٍ سريعٍ. إنّنا أمام حالة سقوط أخلاقي لا يمكن تبريرها بالحريّة وأخواتها، لأنّ خطاب الحريّة يلفظ الظلم وخطاب الحقّ يرفض الخيّانة.
سليم بوفنداسة