
ينتمي أحمد طالب الإبراهيمي إلى فئة قليلة في النّخبة السياسية الجزائرية، لم تهمل واجب "التّدوين"، وقدّمت سرديّتها للوقائع والأحداث بشكلٍ يضيء مراحل تاريخيّة ويُجيب على كثيرٍ من الأسئلة التي تطرحها الأجيالُ الجديدة، التي لم تُعايش المراحل الأولى من بناء الدولة الوطنيّة.
كما تُقدّم سيرته وشخصيّته نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه المشتغلون في حقل السيّاسة، من حيث الثقافة والعلم وأخلاقيات المعاملة في التوافق وفي الاختلاف.
فالثقافة والعلم تضعان في يد السيّاسي أدوات القراءة السليمة للواقع وقواعد الاستشراف، وتمنحانه قوّة ناعمة وتُكسبانه الاحترام حتى بين خصومه.
وحتى وإن اعترف أحمد طالب بأنّ مشاريعه لم تكتمل، فإن رسالته وصلت على النّحو الذي أراد، عكس كثير من رفاقه الذين مضوا تاركين سيّرهم مفتوحة على كل ضروب الغموض والتّأويلات.
وفوق ذلك فإن الرّجل حمّل نفسه مسؤوليّة الإفادة التاريخيّة، فهو لا يسرد سيرته في مذكراته، بل ينصرف إلى العام على حساب الخّاص الذي ارتأى أنه غير ضروري، رغم أنّ القرّاء استغربوا بعد صدور الجزء الأول، على سبيل المثال، إسقاط حياته العاطفيّة من السّرد، كما يعترف في الجزء الموالي.
كما أنّ المذكرات، تصحّح الصورة النمطيّة التي حاول خصومه، لدواع إيديولوجية، إلصاقها به، صورة "الإسلاماوي" المناهض لمشاريع العصرنة، وهي صورة لا تنطبق على رجلٍ يُدافع عن أفكار محمد أركون وتربطه علاقة صداقة وثيقة بآسيا جبّار.
بل إنّها كشفت عن وجه المثقّف الكامن، الذي خدم السيّاسي الظاهر سواء في منهجيّة عمله أو في تعاطيه مع محيطه في مختلف المسؤوليات التي تولاها، في قطاعات التربيّة والتعليم والثقافة والاتصال والدبلوماسيّة.
فضلًا عن الصورة الإيجابيّة التي قدّمها عن المسؤول الجزائري في محاوراته مع مسؤولين مثقفين من نظرائه وقادة العالم، وفق ما يمكن تلمّسه في المذكرات، في وقتٍ كانت فيه الثقافة عنوان قيمة بين الفاعلين في إدارة شؤون العالم.
سليم بوفنداسة