سليم بوفنداسة
اعتذرت دار"ميم" للقراء الذين تعوّدوا على حضورها في معرض الجزائر الدولي للكتاب، تمامًا كما اعتذرت للكتّاب الرّاغبين في النشر.
اعتذرت من دون شكوى، بنفس الطريقة التي أعلنت بها انسحابها من حياتنا الثقافيّة، قبل أشهر، في أعقاب ضجّة حول جائزة فازت بها رواية صادرة عن الدار.
كلماتٌ قليلة على صفحة الدار كانت كافيّة لترسيم الغيّاب الكبير، ولأنّ الغائب عن العين قد يغيبُ تمامًا، في وضعٍ حجبت فيه "المشهديّةُ" القيمةَ، علينا أن ننتبه إلى الأثر الفادح الذي يخلّفه انسحاب حرفيّي الجمال و صُنّاع المعنى، وقبل ذلك علينا بالعمل من أجل استبقاء من يستحقّ البقاء و لو بالإشارة إلى ضرورته، وذلك أضعف الإيمان، لتجنّب العواقب التي تقترحها قوانين الفيزياء الجائرة.
قدّمت "ميم" أجيالًا من الكتّاب، واختارت القيمة عملةً وحيدةً للتّعامل، وفتحت الأبواب لأصواتٍ عربيّة خاصّة الأصوات الفلسطينيّة، وقطعت الدرب الشّاق مع كتّابها، في ظرفٍ عسيرٍ على الكتابِ والكتابة، ليس بسببِ سرقة الميديا الجديدة لمستهلكي الكتب فحسب، بل لبروز "شياطين" الميديا ذاتها من تجّار الإثارة، و"نجاحهم" في النيل من كُتّابٍ بتحريض الجمهور عليهم بعرض كليشيهات أخلاقيّة ودينيّة، تُحيل إلى قُصور في تلقي الأدب يدفعُ إلى مُحاكمة الخيال بأدواتِ الواقع.
و بالطبع، فإنّ ثمة من ينشدُ السلامة وقد وقف على عبثيّة "المقاومة" بعد التجربة والتكرار، فيختفي صمته، أو يستريح بالانسحاب المؤقت من ضوضاء لا يحتملها طبعه، وكذلك فعلت صاحبةُ "ميم"، وهي كاتبة أولا و أخيرًا، أخذت من الشّغف الذي كان يمكن أن تخصّ به نفسها، ومنحت لغيرها.
ولأنّ شغفها على حقّ في الحالتين، فإن عودتها إلى النشاط المعتاد ضرورة مُلحّة في هذا الظرف الذي تحتاجُ فيه الثقافة الوطنيّة إلى ناشرين ينقّبون عن المواهب و يُبرزون الإبداع الحقيقيّ بنزاهة هي رأسمالهم في عالم تتآكل فيه النّزاهة، وفي مهنة لا يتردّد في اقتحامها تجّار قد يُخلطون في لهفتهم بين معادن الكلمات.