السبت 27 جويلية 2024 الموافق لـ 20 محرم 1446
Accueil Top Pub

مالك حداد بين منفى اللّغة والتناول الإيديولوجي

لماذا ظل التناول النقدي لأدب وأثر مالك حداد مرتبطا بالإيديولوجيا، وظل مقرونًا بمقولته الشهيرة: «الفرنسية هي منفاي»؟ هل يمكن القول إن النقد ظلم مالك حداد ولم يُنصفه. كما أنّ التركيز على أشهر مقولات الكاتب، لا يعني إغفال أثره الفني والأدبي، لكن الّذي حدث أنّ التركيز على مقولة مالك حداد «اللّغة الفرنسية هي منفاي» ساهمت حقاً وكثيراً في إغفال أثره الفني والأدبي. وتم تناول كتاباته من زوايا إيديولوجية بالأكثـر. هذا الكاتب -كما يقول الدكتور بوطاجين- «عاش ناضجاً، وراقياً في رؤاه ومواقفه، ومُحاصراً إلى حدّ ما، وتوفي كذلك لأنّه كان يكتب هالات أدبية بعبقرية الماء والكرز، دون أن يكرّس أيديولوجية ما أو خرافة ما». فهل يليقُ بالنقد أن يزج به وبأثره الأدبي في مساحات ومقاربات نقدية إيديولوجية ضيقة. هل يليقُ به من جهة أخرى، أن يغفل منتجه الشّعري والسردي، لينهمك في تناوله من زوايا إيديولوجية بحتة تستقرئ وتُقارب وتُحلل وتُسائِل مقولة قِيلت في سياق خاص، وفي ظرف خاص. لهذا لم يتم الاِنتباه إلى أعمال حداد، إلاّ من زاوية اللّغة، ومن إشكالية اللّغة. وكما تقول الأستاذة نادية قمراوي: «النّظرة الضّيّقة نحو الأديب جعلت النّقد يُحاصره في زاوية إيديولوجية دون أن يتجاوزها إلى إنتاجه الرّفيع». في ملف «كراس الثقافة»، لهذا العدد، مجموعة من النقاد والأكاديميين، يتحدثون عن مالك حداد وغياب الاِحتواء النقدي الأدبي، والتناول الإيديولوجي.

أعدت الملف: نـوّارة لحـرش

* الناقد والمترجم السعيد بوطاجين
عاش ناضجاً وراقياً في رؤاه ومواقفه دون أن يكرّس أيديولوجية ما
يُؤكد الكاتب والناقد والمترجم الدكتور السعيد بوطاجين، أنّ مالك حداد، لم ينقطع، في واقع الأمر، عن الكتابة نهائيًا لأنه شاعر وموهبة لم تنضب، والشاعر الموهوب لا يتخلى عن أخيلته أو يتركها عرضة للجفاف والنسيان لأنها ستوقظه إن غفا أو نسيّ، لكنه توقف نهائيًا عن النشر كموقف من اللّغة التي عزلته عن ذاته وهويته، وكاِنتقام منها. مُضيفًا: «لقد عاش هذا الكاتب ناضجاً، وراقياً في رؤاه ومواقفه، ومُحاصراً إلى حدّ ما، وتوفي كذلك لأنّه كان يكتب هالات أدبية بعبقرية الماء والكرز، دون أن يكرّس أيديولوجية ما أو خرافة ما، باِستثناء مواقفه النبيلة من المُحتل الّذي حاربه بأشعاره وخطاباته السياسية، باِستثناء نظرته إلى ممارسات العالم المُتدني، المنحط كثيراً، وإلى القيّم الإنسانية التي دافع عنها بأفكار فلسفية عميقة لم نولها الأهمية التي تستحقها كنقاد وجامعيين غير معنيين بالأدب والمعرفة، على قيمتها الكُبرى في النص الجزائري الحديث».
وموازاة مع ذلك -يقول الدكتور بوطاجين- اِتخذ حداد مواقف من قضايا كثيرة تسببت له في حرج كبير تسبب فيه أصحاب المهنة، وفي عزلة مستدامة طمست قدراته المذهلة وآراءه التي قوّضت بعض ما وجب تقويضه، ومن ذلك مواقفه من اللّغة الفرنسية، ومن بعض الفئات الاِجتماعية والسياسية واللسانية والسياسية التي اِنتقدها بروية في كتاباته، وبمهارة العارف، ودون أيّ تحامل على أحد، كما يمكن أن نكتشف من خلال عدة نصوص، ومنها الاِنطباع الأخير والأصفار تدور في الفراغ.
صاحب «ما حدث لي غدا»، وفي سياق متصل باللّغة دائمًا، أضاف: «إذا كان معاصره، الكاتب والمسرحي كاتب ياسين قد ترك مقولة شهيرة: (الفرنسية غنيمة حرب)، فإنّ مالك حداد خلف بدوره مقولة حاولنا القفز عليها وتجاهلها لأنها لا تخدمنا كمتحزبين وموالين: (اللّغة الفرنسية منفاي). لقد كان يشعر بهذه العلاقة الفصلية بينه وبين المحيط الخارجي عندما قال: (نحن أيتام القُرّاء). لذلك توقف نهائيًا عن الكتابة، أو ذاك ما شاع عنه». وأردفَ مُؤكداً: «توقف مالك عن النشر في واقع الأمر، وليس عن الإبداع، كما أسلفنا الذكر. لقد كان يشعر أنه غريب في الألفاظ، أجنبي في جغرافية اللّغة، وهكذا اِختار نهايته المأساوية، لكنه حقق ذاته بالاِنتصار على تردده وعجزه عن التعبير بلغة غيره، ولذلك كان يقول، إنّ كلمة الأم لا توجد في الفرنسية».
كان مالك -حسب قوله- يقوم بحفريات لا تنتهي لترقية اللّغة والفعل الإبداعي، ومع ذلك فإنّ أعماله السرديّة والشِّعريّة لم تعرف رواجاً يليق بمقامها الفعلي، ولم يتم الاِعتناء بها، ولم تُترجم إلى لغات عالمية أخرى، كما اِنتقلت إلى العربية متأخرة جداً، وفي طبعات محدودة ظلت بحاجة إلى عناية وترويج، عكس بعض الأعمال التي اِنتقلت إلى لغات عالمية تأسيساً على منطلقات لا علاقة لها بالإبداع الجيد، وهي كثيرة، مع أنها ليست مقنعة، وأقلّ قيمة من كتاباته التي حلقت كالفراشات في سماء الخالق، متجاهلة الحصار المضروب عليها.
مُنوهاً في ذات الوقت، إلى أنّه وفي كلّ مرّة يخلق عوالم وموضوعات مدهشة بتلك الطاقة التصويرية التي أربكت القارئ، وما زالت.
ذات المتحدث، يضيف: «كان علينا، نحن الكُتّاب والقُرّاء والناشرين والمؤسسات الثقافية والمهتمين بالشأن الأدبي، أن نمنحه حقه في الطباعة والتوزيع والترويج لأنه ظاهرة سردية وشعرية لن تتكرر دائماً، دون أن نركز على أنفسنا خوفًا من اِجتياحه، ذلك لأنّ لكلّ تجربة مكانتها وقيمتها، وليس بمقدور أحد أن يمحو الآخر، لكن عظام مالك حداد تستطيع أن تمحوّ عدة تجارب لا همّ لها سوى الشهرة المضللة للمُتلقي الظرفي، على حساب الكرامة البشرية، وعلى حساب المواقف الوطنية والإنسانية».
وخلص إلى القول: «لقد اِنقطع مالك حداد عن الكتابة بالفرنسية لأنه لم يعد قادراً على التعبير بها، أو على نشر ما كتبه لاحقاً، لكنه ظلّ يُرافق الأصوات الجديدة لجيل من الكُتّاب الشباب في مجلة آمال بداية من 1969، ثم في طبعتها الجديدة سنة 1974، وفي جريدة النصر عندما كان مسؤولا عن الصفحة الثّقافيّة والأدبيّة، أو في وزارة الثقافة أيّام الرئيس هواري بومدين الّذي كان يكنّ له اِحتراماً اِستثنائيًا، كما فعل مع كاتب ياسين، عكس ما يسوّق من خطابات مضللة، ومريضة بعدة أوبئة أيديولوجية ولسانية مرتبطة بالدوار والعرش».

* الناقد والمترجم محمّد داود
طفرة فنية مُتميزة لم يتم الاِنتباه إليها إلاّ من زاوية اللّغة
يقول الناقد والمُترجم الدكتور محمّد داود: «يُمثل مالك حداد في حقيقة الأمر طفرة فنية مُتميزة لم يتم الاِنتباه إليها إلاّ من زاوية اللّغة، لكونه رفض مواصلة الكتابة باللّغة الفرنسية بعد الاِستقلال وهو القائل: (الفرنسية منفاي، لذلك قررت أن أصمت)، وهو القائل أيضاً وفي مناسبة أخرى: (إنّ الصمت ليس اِنتحاراً... أنا أؤمن بالمواقف القصوى. لقد قررت الصمت، ولا أشعر بأي ندم أو أية مرارة في أن أضع قلمي جانباً)».
وهذا الموقف -حسب المُتحدث- يبرز عُمق الشرخ والمعاناة التي واجهها الكاتب، الّذي ألف العديد من النصوص الروائية والقصصية والأشعار والمقالات، تجاه لغة تم فرضها المُستمِر على الشعب الجزائري بالقوّة.
وهي أيضاً -يضيف المتحدث- اللّغة التي كتبَ بها مالك حداد في زمن كان «أخذ الكلمة» ومُخاطبة النّاس عن الوطن وعن الهوية مجازفة سياسية واِلتزام أخلاقي تجاه تطلعات شعب يُعاني ويلات الفقر والقمع والحرمان والأمية والتجهيل.
ثم أردفَ: «وقد عاش الكاتب هذه الظروف القاسية وتألم كثيراً بسببها، مِمَا جعله ينظر إلى هذه اللّغة التي غزت جميع الفضاءات وهيمنت عليها نظرة اِزدراء ولو بعد حين. مع العِلم أنّ النخبة الجزائرية لم تجد آنذاك وسيلة أخرى تُقاوم بها هذا (الأخطبوط اللغوي) إلاّ من خلال تعلم هذه اللّغة وامتلاكها بقوّة ومقارعة أصحابها في (عقر لغتهم).
لهذا -حسب ذات المتحدث- «فقد تعلم مالك حداد هذه اللّغة واجتهد وثابر في إتقانها اِتقاناً عاليًا، مِمَا جعل الفرنسيين يعجبون بقدراته التعبيرية، ووظفها للتعبير عن قضايا الأمة وطموحاتها في التحرّر والاِنعتاق من العتمة الاِستعمارية للتمتع بشعاع النّور والحرية».ومُستدركاً أضاف: «توقف مالك حداد عن الكتابة، لكنه لم يتوقف عن النشاط الثقافي وتشجيع المواهب الأدبية في الكتابة والإبداع من خلال المناصب التي تبوأها في قطاع الثقافة وإتحاد الكُتّاب الجزائريين والكتابة أيضاً، وعلى الرغم مِمَا يُقال هنا وهناك عن صمته الأدبي، إلاّ أنّه واصل كتابة الشِّعر -ولو بشكل محتشم- في الملاحق الأدبية للصُحف الوطنية والمجلات».
وفي ذات السياق، أي عن موقف صاحب «سأهبك غزالة» من اللّغة الفرنسية، واصل المُتحدث قائلاً: «ولعل من الملاحظات التي يمكن تسجيلها على المهتمين بقضايا الأدب والنقد واللّغة، أنهم وقفوا عند موقف الكاتب من اللّغة الفرنسية وأهملوا البقية، أي كتاباته المختلفة، ولم تحظ نصوصه بِمَا حظيت نصوص كل من محمّد ديب وكاتب ياسين وغيرهما من الأدباء الذين عاصروه وعبروا مثله عن الجرح الجزائري، وتنطبق هذه الملاحظة على النُقاد الجزائريين سواء الذين يكتبون باللّغة الفرنسية أو باللّغة العربية، (مع الترجمة العربية)».
وهنا يتساءل الدكتور داود: «هل كان مالك حداد مُحقاً في موقفه من لغة كَتَبَ بها لمدة طويلة ثم طلقها طلاقاً (لا رجعة فيه)؟».
ثم أردف: «لا نُناقش الكاتب، فهو حر فيما اِتخذه من رؤية فكرية وفنية من القضايا الثّقافيّة التي برزت بعد حصول الجزائر على الاِستقلال، إلاّ أننا فقدنا كاتباً مبدعاً كبيراً كان بإمكانه إضافة أشياء كثيرة في مجال الكتابة الأدبية الراقية والاِلتزام السياسي القوي، لأنّ ما تحمله كتاباته من رسائل ومواقف نبيلة تجعل منه أديباً من الطراز العالي».
وفي الأخير، خلص إلى القول: «كان بإمكان مالك حداد مواصلة الكتابة وعدم التوقف عنها والصمت الأدبي، وبشكل كبير، إلاّ أنه اِختار هذا السبيل بعد شعور بضيق كبير من مزاحمة اللّغة الفرنسية للغة العربية، لكن على النقد أن لا يقف عند هذه العتبة، بل عليه أن يتعمق في تحليل وتفسير ما تركه هذا الأديب الكبير من أثار بديعة».

* الناقدة والمترجمة نادية قمراوي
النّقد حاصره في زاوية إيديولوجية دون أن يتجاوزها إلى إنتاجه الرّفيع
تستهل الناقدة والمترجمة، الأستاذة نادية قمراوي، حديثها، باِستحضار فقرة قالها صاحب «التلميذ والدرس»، ذات سياق خاص، إذ جاء على لسان الشّاعر والرّوائي مالك حدّاد قوله: «ذكر لي (غابريال أوديسيو) في يوم من الأيّام إحدى عباراته الخاصّة التّي تلخّص فكره بشكلٍ جيّد: اللّغة الفرنسيّة هي موطني، وأتذكّر إجابتي حينها: اللّغة الفرنسيّة هي منفاي».
وهنا تُؤكد المتحدثة: «لا يعرف عامة المثقّفين من هذه العبارة إلاّ جزأها الأخير (اللّغة الفرنسيّة هي منفاي)، وقال أكثرهم اِطّلاعاً أنّها مقولة عارضة في حديث بين الكاتبين».
ثم أردفت: «لكنّنا نرى أنّها كانت ترجمة لحقيقة مأساته في التّعبير، فهو القائل أيضاً (أراد التّاريخ أن يكون لديّ عيب لغوي)، و(أكتب الفرنسيّة ولا أكتب بالفرنسيّة)، وكان متأسّفاً من عدم اِستطاعته التّعبير بالعربيّة عمّا يحسّه بالعربيّة، ويُؤكّد أنّ ثمّة فرقٌ بين تفكيره العربي ولسانه الفرنسي، ومن هنا –حسب رأيه- ستنمو ثقافة على حساب أخرى».
وتضيف، لقد «أعاد حدّاد مقولته الشّهيرة في مقاله المطوّل (الأصفار تدور حول نفسها)، عام 1961 بكثير من التّعمّق والتّحليل. ونجدها تعود مرّة أخرى إلى الواجهة بعد الاِستقلال عام 1966 كعمود صحفي في جريدة النّصر تحت عنوان (عظمة الأدب الجزائري وبؤسه)». وفي ذات السياق تواصل الأستاذة قمراوي: «وبِما أنّ الكاتب نتاج للتّاريخ –حسب رأي حداد-، فإنّ الكاتب الجزائري باللّسان الفرنسي ضحيّة مباشرة للاِعتداء الاِستعماري، لأنّه طُرِدَ من لغته مثلما انتُزعت ملكيّة الأراضي من الفلاّحين، فهو في عزلة دائمة ومنفى محتوم تَمثّل في لغة لم يخترها ودخلت حياته مثلما دخل الاِحتلال بلاده دون اِستئذان، ولن يتجاوز عزلته إلاّ بتأكيد الاِستقلال وعودة اللّغة العربيّة إلى عقر دارها».
وتوقّع حدّاد -تقول ذات المُتحدثة- قبل الاِستقلال زوال الكُتّاب من جيله الذّين كتبوا باللّغة الفرنسيّة بمجرّد اِستقلال الجزائر، وهو الذّي قال بأنّه لا يُؤمن بالأدب الجزائري باللّسان الفرنسي لكنّه يُؤمن بأهميّته. ثم تضيف: «لكن، يعود بعد الاِستقلال ليُفنّد أطروحاته السّابقة –التّي وُلدت في سياق الاِحتلال- فيتغيّر خطابه وتتّسع آفاقه، حتّى صار يرى إلهام موضوعات الرّوايات وأسباب القصائد في كلّ مكان دون أن يطرح إشكالية اللّغة التّي ستُكتب بها؛ وترك هو نفسه مخطوطات لم تَرَ النّور في حياته، وكُتبت جميعها باللّغة الفرنسيّة. ويصرّح في مقال له بجريدة النّصر: (هذا الاِنتقاد غير عادل لأنّنا لم نتوقّف عن التّعبير والمساهمة في صُحفنا الوطنيّة، والمشاركة رغم عزلتنا في الحياة الثّقافيّة للجزائر). وبالنّسبة له شخصيًا تمثّل خروجه عن صمته الأدبي بنشر قصيدته «« je suis chez moi en palestine بجريدة النّصر عام 1967».
فهل يُمكننا -تتساءل المتحدثة- التّحدّث بعد ذلك عن صمت مالك حدّاد أو عزلته الأدبيّة؟.
وهنا تحديدا، -تعتقد-، أّن مساهمات مالك حدّاد في جريدة النّصر وغيرها بعد الاِستقلال جعلت منه صحفياً بخلفية أدبيّة أثرى من خلالها رصيده بكتابات كانت أبعد ما تكون عن اللّغة الصّحفية المُباشرة، وتنوّعت بين الشِّعر والحكاية، والحوار والرّأي، والعمود الصّحفي والتّأمّل والتّحقيق. وكلّ ذلك باللّغة الفرنسيّة التّي لم تكن بينه وبينها عداوة؛ فقد أحبّها وأحسّ بغربة في أحضانها، لكنّه لم يتنكّر لها لأنّها -على حدّ تعبيره- الوسيلة الوحيدة التّي يمتلكها للتّواصل مع قُرّائه وأبناء بلده.
واختتمت بقولها: «إنّ النّظرة الضّيّقة نحو الأديب جعلت النّقد يُحاصره في زاوية إيديولوجية دون أن يتجاوزها إلى إنتاجه الرّفيع قبل الاِستقلال وبعده. وهو الشّاعر والأديب المُلتزم، صاحب القلم السيّال الذّي وقف في صفّ الثّورة الجزائريّة، وجعل منها موضوعاً مُباشراً لإنتاجه الأدبي على اِختلافه. فمن المُجحف اِرتباط نظرة النّقاد أو الدّارسين بمقولة أمْلَتها عليه ظروف الاِحتلال، وإغفالهم روح الأدب الجزائرية الثّورية الملتزمة، والتّي كُتبت كلّها بهذه اللّغة التّي كبّلته ولم تنجح في كتم إحساسه الصّادق».

* الناقد والكاتب إبراهيم مشارة
كانت اللّغة بالنسبة إليه حمولة فكرية وتاريخية وشعورية
يقوا الناقد والكاتب إبراهيم مشارة، من جانبه، إن: «مالك حداد الّذي عاش في زمن الاِستعمار والحركة الوطنية، وانخرط في النضال ضد الاِستعمار، مُتخذاً من اللّغة وسيلة مقاومة، أوليس هو القائل (أكتب بالفرنسية لأقول للفرنسيين أني لست فرنسيا) لكن فرنسيته لم تكن اِختياراً، بل اِضطراراً، فقد كان لا يعرف اللسان العربي، ومع ذلك اِعتبر الثقافة العربية الإسلامية ثقافته الحقيقية، وظل يهفو إليها ويحس بالألم العميق أنه ليس قادراً على تذوق جمالها وسبر عُمقها، والإفادة من تراثها العريق في الشِّعر والنثر معاً».
وفي ذات المعطى أضاف: «إن كان كاتب ياسين يعتبر الفرنسية غنيمة حرب، ويختارها محمّد أركون لمُمارسة الحفر المعرفي والنقد الجذري للفكر العربي، وهو يتقن العربية وقرأ كلاسيكيات الفكر العربي، مُتحججاً بالطابع التبجيلي في العربية والحمولة الدّينيّة والفراغات المفهومية، ومخافة سوء التأويل من جهة أخرى، فإنّ مالك حداد ظل يقول بلا كلل (اللّغة الفرنسية منفاي)».
ثم أردفَ قائلاً: «مالك حداد الّذي تفتح وعيه النضالي على الحركة الوطنية وانخرط في النضال ضد الاِستعمار منذ نعومة أظافره، وسافر إلى المشرق للدعاية للثورة، وفي مدينة حلب السورية تعرف بالشاعر العروبي سليمان العيسى وزوجته المترجمة ملكة أبيض العيسى، التي عرّبت ديوانه الشِّعري (الشقاء في خطر) عام 1979».
وتكشف هذه العلاقة -حسب المتحدث- بين مالك حداد وسليمان العيسى وزوجته عن الحس القومي للكاتب، وانخراطه فيه، فالقضية العربية واحدة هي قضية التحرّر من الاِستعمار وبناء الأوطان على أُسس الحرية والعدالة والمساواة والدفاع عن القيم الإنسانية، والاِنخراط في قضية التنوير من أجل غد عربي واعد ومشرق.
ذات المُتحدث قال متسائلاً: «مالك حداد صاحب الروايات (التلميذ والدرس)، (سأهبك غزالة)، (رصيف الأزهار لا يجيب) اِختار الصمت بعد الاِستقلال، وأثر عنه قوله (تفصلني الفرنسية عن وطني أكثر مِمَا يفعل البحر الأبيض المتوسط). هل كان يرى أنّ مواصلة الكتابة بالفرنسية مسألة غير مجدية؟ وأنّ المستقبل للعربية وأنّ الإصرار على الكتابة بالفرنسية هو ضربٌ من العدمية والخواء، فاللّغة ليست مجرّد ساعي بريد حيادي، بل حمولة فكرية وتاريخية وشعورية».
لم يتنصل مالك حداد -يضيف المتحدث- من واجباته الثّقافيّة والملتزمة إبان الاِستقلال، فقد اِختار العمل مع النظام في زمن هواري بومدين، وكان من المُؤسسين لإتحاد الكُتّاب الجزائريين في صيغته الجديدة عام 1974 وقبل ذلك أصدر مجلة (آمال) وهي مجلة تهتم بالكتابات الشابة الواعدة، أي أنه عبّد الطريق أمام الجيل الجديد، من شباب الاِستقلال الّذي مارس الكتابة الشِّعريّة والسّرديّة بالعربيّة.
مُشيراً، في الأخير، إلى أنّ بعض الكُتّاب -غير مالك حداد-، اِختاروا مواصلة الكتابة بالفرنسية، وعاد بعضهم إلى العربية ثم عادوا إلى الفرنسية من جديد، ولكنهم لم يُحققّوا هذه الشهرة وهذه النجومية، على الرغم من أنّ بعضهم اِختار الفرنسية لمُهاجمة العروبة والإسلام، وتقديم صورة هزلية للتراث العربي الوطني.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com