الثلاثاء 15 جويلية 2025 الموافق لـ 19 محرم 1447
Accueil Top Pub

أساتذة في ملتقى وطني حول أسس ثقافة الذوق: التفاهة حالة عرضية تصيب الحضارة و نوع من التمرد المجتمعي

أجمع، أول أمس، مشاركون في ملتقى وطني حول «أسس ثقافة الذوق: الفلسفة وعلوم الإنسان في مواجهة عصر التفاهة» بجامعة وهران 2، على أن التفاهة ليست ظاهرة أصيلة بل هي حالة عرضية تصيب الحضارات التي بلغت ذروتها، وهي انحراف المجتمع الحضاري عن أفق الحضارة، كما أنها نوع من التمرد المجتمعي على منتجات الحضارة . وقد أشرفت على تنظيم الملتقى وحدة البحث في علوم الإنسان للدراسات الفلسفية، الاجتماعية والإنسانية، قسم الدراسات الفلسفية التطبيقية، بكلية العلوم الإجتماعية جامعة وهران 2، بمشاركة أساتذة من عدة جامعات.

بن ودان خيرة

البروفيسور مراد قواسمي، رئيس اللجنة العلمية للملتقى
الفلسفة هي نظام قيم و تطعيم ضد كل ما هو مرهق
أوضح البروفيسور مراد قواسمي رئيس اللجنة العلمية للملتقى، أنه لم يسبق للبشرية أن مرت بمرحلة كالتي تعيشها اليوم، إذ يلاحظ تصاعد معايير الرداءة والانحطاط واستبعاد أصحاب التحديات الحقيقية، ما قيد الحياة في مختلف المستويات وقتل الإبداع وتخلص من أهل الرسائل النبيلة، فصار العالم مجرد سوق للبيع والشراء الشعبويين باسم الحرية، معتبرا أن ما يحدث في تبجيل للتفيه هو الانشغال عن الجوهر بالعرض وتسهيل لانتشار أسباب المرض والانفصام بها في العالم الفرض وعزل لإعماد العقل في الواقع بتوسيع تأثير السفاهة في المواقع.
وقال البروفيسور قواسمي، إن الفلسفة هي نظام من القيم والمواقف التي تعمل على نشر الذوق والتثقيف وسيادة العقل وجملة القيم التي تؤدي إلى التطعيم ضد كل ما هو مرهق، وهي بمثابة تسامي وترفع عن حالة التردي التي صارت منتشرة، كما أنها منظومة أسس الثقافة السلمية ومنهجية التفكير السليمة، التي تواجه منظومة التفاهة المؤذية لكل ثقافة والمؤدية للاندماج في القطيع. وأضاف المتدخل، أنه من بين القيم الأساسية للفلسفة أنها تنمي الوعي النقدي بالدرجة الأولى، فلا يمكن أن نتصور وجود مجتمع دون تفكير نقدي، لأنه سيكون مجرد قطيع و سيؤول للانحطاط الذي هو من حالات التفاهة و هي واحدة من المشكلات التي قام الكثير من الفلاسفة بنقدها، فالمجتمع دون مثقف ودون فيلسوف، هو مجتمع دون نخبة وسيكون مجرد قطيع من السهل توجيهه والجر به إلى حتفه، و هي وضعية مأساوية لابد من ايجاد حلول لها لتجاوزها والتخلص منها.وأشار الأستاذ قواسمي إلى أن، غياب الفلسفة يعني وجود الغباء في أعلى مستوياته وفق الفيلسوف «جيل دلوز»، متسائلا، هل أصبحت التفاهة معيارا للنجاح الواقعي والبراغماتي؟ ما الذي يجعل السفهاء يقودون العالم نحو عالم الظلمات؟ هل صارت التفاهة ضرورية إلى الحد الذي ينعدم معه كل تفكير بالتريث والعقلنة وكبح الجماح عن إطلاق العنان لفساد الذوق؟، وهل أصبح اللجوء إلى مظاهر التفاهة هو نوع من أنواع التعبير عن التحرر والتخلص من قيم بالية ثابتة أكل الدهر عليها وشرب؟. وتابع بالقول، إن هناك من يقومون بتتفيه الفلسفة وتعريتها من قيمتها الحقيقية، لتصبح مجرد كلام فارغ و نظريات لا علاقة لها بالواقع، وأوضح أن اللجنة العلمية انطلقت في تصورها لملتقى «أسس ثقافة الذوق: الفلسفة وعلوم الإنسان في مواجهة عصر التفاهة»، من قناعة عميقة بالحاجة إلى استعادة الذوق لا بوصفه ترفا أو زينة ثقافية، بل كفعل نقدي وموقف معرفي، والذي بات ضرورة حضارية في زمن صارت فيه الرداءة والتفاهة تتسللان إلى الوعي الفردي والجمعي تحت شعارات الحداثة الزائفة والاستهلاك المعمم، وأن جميع المشاركين سعوا إلى فتح فضاء للحوار بين الفلسفة وعلوم الإنسان، من أجل مساءلة أعمق لمواجهة التفاهة بذوق أسسها، ببنياتها، تمثلاتها وأدوارها في مقاومة الرداءة المكرسة ثقافيا وإعلاميا واجتماعيا.

رئيس الملتقى البروفيسورعبد القادر بوعرفة
فلاسفة انخرطوا في نظام التفاهة وأقصوا الأصالة
أكد البروفيسورعبد القادر بوعرفة مدير وحدة البحث في علوم الإنسان للدراسات الفلسفية، الاجتماعية والإنسانية، قسم الدراسات الفلسفية التطبيقية، ورئيس الملتقى، أن نظام التفاهة هو نظام شامل أصاب جميع مفاصل الأمة والمجتمع ولم يسلم منه فرع من الفروع فهو اليوم ظاهرة عامة، ومن بين مشاهد التفاهة في الفلسفة ظهور مجموعة من الفلاسفة الذين انخرطوا في نظام التفاهة فأصبح ما ينتجونه يعبر عن التفاهة في حد ذاتها، كما ظهر نوع من التوالف والتحالف بينهم وأصبحوا يلقبون بعضهم البعض بالفلاسفة، ويسعون لإقصاء ذوي الأصالة والعمق من باب التفلسف.
وتبرز هذه الظاهرة مثلما قال في منشورات عبر فيسبوك وتويتر، أين يتم تبادل الألقاب دون أصالة وعمق وإنتاج، والأدهى أنهم يتهجمون على الفلاسفة الكبار، مشيرا إلى أن التفاهة في الفلسفة موجودة على عدة مستويات فمنها المرتبطة بالنص الذي أصبح تافها جدا يعبر عن اللامعني واللاجدوى واللامغزى، بمعني أنه يعبر عن «لا»، والمتفلسف في حد ذاته أصبح ينشر أي شيء وغاب عنه النقد و الوعي والتحليل والترشيد، مضيفا أن العالم اليوم أصبح يحتكم للإثارة، والمواطن العادي يحاول أن يثير «الإثارة الصاعقة» التي تعتمد على الاستقطاب للحظات فقط وتزول مثلما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي وسط من يلقبون بـ «المؤثرين الذين يعتمدون على «عدد الإجابات» لينافسوا بها دون محتوى جدي، بل هي إثارة مبنية على عدم التعجب وعدم وجود نقد وتشارك وتفاعل.
وأردف المتدخل أن المشكل يكمن في المجموعة الفلسفية التي أصبحت مبنية على مبدأ التأثير والتأثر و ليس على مبدأ الحلقات المنتجة للأفكار مثل ما كان سابقا، كحلقة فيينا و لندن وفرانكفورت والتي تركز على الجدل والحوار والإنتاج الفكري وتبادل معلومات و خبرات، في الوقت الذي نجد المجموعات الفلسفية أو المتفلسفة اليوم تكوًن مجموعات مارقة والأساس عندها هو الخروج عن المألوف لحد الابتذال و ليس من أجل النقد، وهي تنتج قيما دخيلة تجعل الإنسان أكثر انحطاطا وأكثر ابتذالا.من جهة أخرى، هناك إنتاج للنص البسيط و المتفلسف في حد ذاته أصبح ينشر أمور التيه وليس الرشاد، وأصبحت الفلسفة كأنها ذلك النص المنتج الذي يقود الإنسان الحائر إلى المتاهات، عوض أن يرسم له معالم الرشاد، وأصبحت الكتب الآن منخرطة في نظام التفاهة و السفاهة والابتذال والسطحية.
أكبر تجل للتفاهة في الإعلام والثقافة الشعبية
وفي محاضرته التي عنوانها «التفاهة : المفهوم والتجليات في المجتمعات المعاصرة»، أوضح البروفيسور بوعرفة أن أكبر تجل للتفاهة يظهر اليوم في الإعلام والثقافة الشعبية، ففي وسائل الإعلام غالبا ما يتم اللجوء لعرض الشعارات والفضائح وكذلك التصريحات البسيطة، أسرار البيوت وأسرار المشاهير وبالتالي يعتقد الناس أن الخبر يكمن في هذه الأخبار فيتحول إلى إعلام تافه، مثله مثل الثقافة الشعبية التي تحولت إلى ثقافة بهرجية يغلب عليها الانفلات العقلي والموضوعي، مشيرا إلى مقولة الفيلسوف نيتشه «أن التفاهة وحدها التي تجني أرباحا كثيرة هذه الأيام»، داعيا في حال تناول التفاهة كموضوع للتحليل، لتفادي الوقوع في التفاهة ذاتها، مستدلا بمقولة الفيلسوف «آلان دونو» الذي قال أن زمن الحق والقيم تغير لأن التافهون أمسكوا بكل شيء وحسموا المعركة لصالحهم هذه الأيام، وأنه عند غياب القيم والمبادئ الراقية يطفو الفساد المبرمج ذوقا وأخلاقا وقيما. وأشار المتدخل إلى أن «ألبرتو إيكو» ربط بين الثقافة الإعلامية والانحطاط الديمقراطي، بمعنى أن هناك انحدار للديمقراطية الأصيلة وتواجد نظام موازي هو التفاهة، ما أدى لانحطاط السياسة والإدارة، وحدث نوع من الاستبدال الذي سينتج نظاما جديدا يؤدي لأشياء غير مرضية، مضيفا أن التفاهة وصلت للحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية، لتصبح الرداءة معيارا للواقعية، فالتفاهة أصبحت مظهرا من مظاهر الحضارة الجديدة وهذا مما يعد من تجليات الحضارة الآيلة للسقوط، مستدلا بقول ابن خلدون أن الابتذال والسفاهة تصاحب المرحلة الأخيرة للحضارة والأجيال لغاية السقوط.

الدكتور سريرأحمد بن موسى
الثورة التكنلوجية ساهمت في تكريس الظاهرة
من جهته عرف الدكتور سريرأحمد بن موسى من جامعة عين تموشنت، خلال مداخلته الموسومة «الحداثة والتفاهة»، الإنسان التافه بأنه هو من يميل إلى الجمهور العام والى روح القطيع، ويفضل راحة التخفي والابتعاد عن كل ما يتطلب جهدا، ويقع أسيرا للسهولة والرتابة والروتين، وسلوكه المفضل في جميع الحالات هو الإمتثالية، فهو إنسان المحاكاة والتقليد في اللباس وفي مختلف الأشكال التعبيرية مثل الأذواق والهوايات وينتقل إلى الأصالة وغير قادر على الابتعاد عن الوسط.
وأضاف في مداخلته، أن ثورة التكنولوجيا والمعلومات التي يعرفها العالم اليوم ضمن إطار ما يسمى بالعولمة، تكرس الانعكاسات السلبية للحداثة من خلال محاولة توحيد الأذواق والأفكار والسلوكات في نموذج واحد هو النموذج المعولم، وهو نموذج غربي وثقافة غربية، مما يعني أن هناك عالما للتفاهة وهو عالم اجتماعي ذهني وروحي خاص بأكبر عدد من الجماهير أو القطيع.
أما الحداثة فهي ليست مجرد مفهوم سوسيولوجي، أو سياسي أو تاريخي، ولكن نمط حضاري يتعارض مع النمط التقليدي أي مع الثقافات السابقة له، وبالتالي فهي لحظة تعبر، كما قال، عن انتقال من مرحلة قديمة إلى مرحلة جديدة، وهي كظاهرة حضارية لها جملة من الخصائص من بينها الاستقلال الذاتي، التحكم التقني في العالم، العقلنة وغيرها،
لكن الحداثة من جهة أخرى تستدعي، كما أردف، الحركة والتطور وأن يكون المرء ديناميكيا، حيث تشجع الإبداع والاختراع وتحسن شروط الحياة، وما ينبغي الإشارة إليه إلى أنها تحمل طابعا سلبيا أيضا أو ما يسمى بانحراف الحداثة، وتتجلى عندما يصبح الفرد خاضعا لمنطق حداثي مرتبط بالبحث عما هو راهني وجديد ويصبح همه هو الجديد، بمعنى أن الإنسان يتعلق بالحاضر ويحاول أن يفتخر بأنه يواكب هذا الحاضر، وهذا انحراف عن المسار الصحيح وعن تحقيق القيم التي جاءت من أجلها الحداثة .
معرجا على أن المعنى المنحرف والسلبي للحداثة، جعل الإنسان الحداثي تافها، يعيش حالة من الاغتراب تعيق تطوره وتحرره، فالحداثة الأصيلة ليست مجرد موضة ومواكبة سطحية للحاضر، بل هي تحسين كيفي وكمي لشروط الحياة الإنسانية، وتساءل المتدخل متى يزول الوسط؟ مجيبا أن الوسط يزول عندما يغيب الشخص الممتثل، وأنه بدافع غريزة الحفاظ على البقاء، يلجأ الوسط لتذكير أعضائه الذين يميلون للابتعاد عن الخط العام المشترك.
وأشار المتحدث إلى أن مواجهة هذه التحديات، تستدعي وعيا جماعيا وجهدا لإعادة تأهيل التميز والأصالة في كافة مجالات الحياة الاجتماعية، و هذا الذي سيمكن من الاستفادة الكاملة من وجود الحداثة دون الذوبان في التفاهة.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com