
* "زهية" صرخة على الركح في وجه الضياع وولادة جديدة لفنانة حرة
عادت، الممثلة صبرينة قريشي بقوة إلى خشبة المسرح، لتستعيد روح الركح عبر عمل مونودرامي جديد بعنوان "زهية"، المسرحية، التي قُدمت مؤخرًا في عرضها الشرفي الأول على خشبة مسرح قسنطينة الجهوي، وبعدها بولايتي برج بوعريريج والنعامة، هي ثمرة تعاون فني متجدد مع الكاتب والمخرج سيف الدين بوهة وجمعية "صرخة" .
حاورها: عثمان بوعبد الله

في هذا الحوار، تتحدث الممثلة عن شخصية "زهية"، وتحديات المونودراما، وأسرار علاقتها الفنية بسيف الدين بوهة، وتكشف عن رؤيتها لوضع الفن والمسرح في الجزائر، وتقول إن الفن أصبح قوة ناعمة يستعملها العالم في حروبه، وأن التأثير على الأفكار أشد خطورة من السلاح، داعية إلى ضبط رؤية فنية وثقافة تبنى على قاعدة صلبة، تحمي الهوية من الضياع بين الثقافات الدخيلة وتؤسس لنهضة فنية نابعة من ابداع جزائري محض.
استعدتِ مؤخرا روح الركح من خلال المونودرام الجديد "زهية"، كيف كانت الفكرة، وكيف كان استقبال الجمهور لهذا العرض؟
مونودراما "زهية" هي فكرة وكتابة وإخراج الفنان سيف الدين بوهة، حاولنا من خلال هذا العمل أن نظل أوفياءً لخط أعمالي الذي يركز دائمًا على تمثيل المرأة الجزائرية، بمشاكلها وأحلامها وآمالها، سواء كانت أختًا أو أمًا، "زهية" هي أخت قدمت الكثير لأسرتها ومجتمعها، استقبل الجمهور العرض بكل حب وفرح، وحضرته مختلف الفئات العمرية، من كبار السن والأطفال والشباب والنساء، ففي المسرح الجهوي بقسنطينة، امتلأت مقاعد المسرح بالكامل، حتى أن بعض الجمهور بقي خارج القاعة، ونحن نعتذر منهم ونعدهم بفرصة أخرى لحضور العرض.
لا نريد أن نفسد على الجمهور متعة اكتشاف مراحل هذا العمل الفني، لكن هل يمكن أن تعطينا لمحة عن قصة "زهية" التي تقمصتِ شخصيتها ؟
"زهية" هي نموذج للمرأة الجزائرية، وتحديدًا الأخت الكبرى التي تتحمل مسؤولية تربية إخوتها مع والدتها، وهو نموذج موجود بكثرة في مجتمعنا، تضحي وتقدم الكثير، وتستمر رحلتها في العطاء ليس فقط مع إخوتها، بل ومع أبنائهم وأبناء الجيران، لكنها في النهاية تجد نفسها وحيدة، ربما لأنها لم تتزوج ولم تكوّن أسرة خاصة بها، فجأة، تقرر أن ترتبط، وتعيش قصة حب خيالية مع "سعيد" الذي تلمحه من نافذة المنزل، وهو عامل بناء بسيط في ورشة مقابلة، تقرر ذات يوم أن تستلطفه بوجبة غداء عله ينتبه لها، لكنها شعرت بالفزع حينما اقتربت منه، لتلوذ بالفرار، فهي امرأة تقضي معظم أوقاتها في البيت ولم يسبق لها وأن اقتربت من رجل غريب.
يختفي "سعيد" بعد انتهاء عمله في ورشة البناء، دون أن يعلم بقصة الحب التي نسجتها في خيالها، تدخل بعدها في حالة من الانهيار، لكنها كشخصية متفائلة، تقرر أن تبحث لنفسها عن زوج كما كانت تبحث عن زوجات لإخوتها، اختارت وجهتها نحو الأعراس للفت الانتباه ولم لا تجاوز مرحلة الحظ العاثر، وهناك، تصطدم بنموذجين من الأفكار المتناقضة حول المرأة في حديثها مع النساء، نموذج يدعو إلى الحرية المطلقة والتمرد على الرجل، ونموذج آخر يدعو إلى تقييد حرية المرأة وحصرها في المنزل، تنتفض ضد هذه الأفكار، وتؤكد على هويتها الأصيلة كامرأة جزائرية، مرتبطة بدينها وتقاليدها وقيم مجتمعها، وترى أن المرأة الجزائرية الحقيقية هي امرأة محترمة وحرة في آن واحد، فالحرية لا تعني التفسخ والانحلال الأخلاقي، وتعيش حياتها في وسطية وبتوازن بعيدا عن التطرف.
هذا العرض كان ثمرة مجهود بينكِ وبين المخرج، هل أعددتم أجندة لجولات فنية عبر الوطن لعرض هذه المسرحية، أم أنها لا تزال في مراحلها الأولى؟
في الحقيقة، قبل الحديث عن جولات توزيع المسرحية، أود أن أوضح أن هذا العمل أُنتج بتمويل ذاتي من نفقاتنا الخاصة كأعضاء في جمعية "الصرخة"، دون أي دعم خارجي، كل عمل مسرحي يحتاج إلى دعم مادي للإنتاج والتوزيع، تجاوزنا عقبة الإنتاج، لكن توزيع العمل يبقى خاضعًا لدعم المؤسسات الثقافية، أتمنى أن يحظى هذا العمل بفرصة توزيع أوسع، خاصة وأن الأسماء المشاركة فيه ليست مبتدئة، سواء أنا أو المخرج سيف الدين بوهة أو جمعية "الصرخة" التي قدمت أعمالًا محترمة نالت جوائز من قبل.
يلاحظ المتابع لمسيرتك الفنية تنوعًا بين الإنتاج التلفزيوني والسينمائي والمسرحي، الذي تركزين عليه بشكل كبير، في هذا العرض، قدمتِ مونودراما، وربما هذه هي التجربة الأولى لكِ في هذا اللون المسرحي، كيف كانت، وهل كان هذا حلمًا تحقق؟
منذ بداياتي في المسرح، تعلمت من أساتذتي أن المونودراما هي تتويج لمسيرة الممثل، ولا يجب أن يقدم عليها في بداياته، كنت أؤمن بهذه الفكرة، وبعد سنوات من الخبرة، بدأت أفكر في خوض هذه التجربة، تواصلت مع عدد من الكتاب، لكن لم تنجح المحاولات، ثم كتب لي الفنان سيف الدين بوهة هذا النص، وعندما بدأنا العمل، أصبت بفزع شديد، فالعمل يتضمن تجسيد 15 شخصية مختلفة على خشبة مسرح شبه عارية، مما يشكل تحديًا كبيرًا، لكن بفضل الله، ثم بفضل الخبرة التي اكتسبتها من خلال عملي في المسرح، وبفضل النص القوي والإخراج المحكم، شعرت بالأمان على الخشبة.
قدمنا العرض من دون دعم كاحتجاج إيجابي على الطريقة الصينية
يشتكي الفنانون والممثلون من نقص فرص العمل، التي غالبًا ما تكون مرتبطة بشهر رمضان، لكن بالنظر إلى تجربتك، نجد أنكِ تزاوجين بين المسرح والتلفزيون، هل هذا خيار للخروج من البطالة المقنعة للفنان، أم أن الموهبة وروح الإبداع تتطلبان أن يكون الفنان شاملًا ومتكاملًا؟
لا يمكنني القول إن هذا كان تخطيطًا استراتيجيًا، بل هي ملكة من نعم الخالق، المسرح هو هويتي، فأنا أعتبر نفسي ممثلة مسرحية في المقام الأول، أما التلفزيون، فهي فرص تأتي صدفة، وغالبًا ما يكون من الصعب الحكم على العمل من خلال النص المكتوب فقط.
نعود إلى كثـرة الحديث عن نقص الدعم، نرى أنكِ وفريقكِ قمتم بعمل من دون دعم، ممّاَ ينبع هذا، وهل هو روح الإبداع التي تدفع الفنان دائمًا إلى تغيير النظرة النمطية للعمل الفني؟
العمل حاجة إنسانية، نفسية ومادية، الفنان، كأي إنسان، لديه مسؤوليات والتزامات، الحاجة إلى الإبداع لدى الفنان أعمق، فهو يشعر أنه يموت ببطء إذا لم يعمل، من المفترض أن يكون العمل الفني مدعومًا من قبل وزارة الثقافة، لأن أي عمل فني يحتاج إلى ميزانية، لكن قرارنا بإنتاج هذا العمل من دون دعم هو محاولة للفت الانتباه إلى المشاكل التي يعاني منها المسرح، ومحاولة للتعامل بإيجابية مع الظروف الصعبة، فهنا طبقنا القاعدة الصينية في الاحتجاج من خلال مضاعفة الإنتاج والتأكيد على ضرورة الاستمرار في العمل.
المسرح الجزائري بحاجة أيضًا إلى التطور، نشهد في المسرح العالمي استعمال تقنيات مبهرة، مثل الهولوغرام والذكاء الاصطناعي، أين المسرح الجزائري من كل هذا؟
استعمال التكنولوجيا في الفن، وخاصة في المسرح، هو موضوع ليس لدي فكرة كبيرة عنه، لكن كإنسانة، لا أرتاح للتكنولوجيا عندما يتعلق الأمر بالمشاعر والعواطف والقيم، أخشى من تأثيرها على كل ما هو إنساني، لكن بالتأكيد، يجب أن تكون هناك محاولات للتطور، والأهم من ذلك هو الاطلاع على تجارب الآخرين في هذا المجال.
بعيدًا عن المسرح وقريبًا دائمًا من الفن والتمثيل، هل سنشاهد أعمالًا جديدة للممثلة صبرينة قريشي في التلفزيون، خاصة بمناسبة شهر رمضان؟
حتى الآن، لدي عرض واحد مع منتج عملت معه من قبل، قرأت السيناريو، وهو عمل هادف، سيعرض على قناة خاصة، أود أن أؤكد على أن النص المكتوب لا يعطي صورة كاملة عن العمل النهائي.
المونودرام جعلني أشعر بمعنى أن أكون ممثلة حرة
بالعودة إلى حديثك عن تجربتك المسرحية، نلاحظ أن هناك أعمالًا مع الفنان سيف الدين بوهة، فبعد عمل "الفلوكة" الذي مثلتِ فيه معه، هو الآن في "زهية" كاتب السيناريو والمخرج، ما سر هذه العلاقة الفنية ؟
في أي عمل، وخاصة في العمل الفني، من الضروري أن تلتقي بفريق تتقاسم معه نفس الرؤية للمواضيع، "زهية" هي عملي الثاني مع جمعية "الصرخة" ومع الفنان سيف الدين بوهة، في عملنا السابق معًا، لاحظ الجميع وجود تكامل بيننا على الخشبة، وهناك تكامل آخر في طريقة رؤيتنا للأفكار والمواضيع، في المونودراما، من المهم أن يكتب لك النص أو يخرج لك العمل شخص يعرفك جيدًا، يعرف طريقة رؤيتك للأمور، وطريقة عملك، ونوعك كممثل. تجربتي مع جمعية "الصرخة" وسيف الدين بوهة هي مرحلة جديدة في مسيرتي الفنية، فقد بدأت أشعر بمعنى أن أكون ممثلة حرة.
هل نفهم من كلامكِ أن التوافق ضروري في العمل، واختيار فريق العمل مهم؟ وهل هذا يعني أنكِ تعرضتِ للخيانة أو خيبة أمل في تجارب سابقة؟
الأمر لا يصل إلى درجة الخيانة وخيبة الأمل، فالكلمة كبيرة جدًا، التوافق الذي أتحدث عنه هو حول مضمون العمل الفني، حول الرؤية والفكرة التي نريد إيصالها للجمهور، أما العلاقات الشخصية، فهي كأي علاقات أخرى، قد نتفق مع البعض وقد نختلف مع البعض الآخر.
في الختام، هل لديكِ رسالة تودين توجيهها لجمهورك؟
رسالتي، أن الفن والمسرح والتلفزيون هي أدوات قوية تؤثر في نفسية المتلقي، وتساهم في تربيته وتشكيل أفكاره، الثقافة، بجميع أشكالها، هي التي تحمي هوية الفرد الجزائري، هي القوة الناعمة التي يستخدمها العالم اليوم في حروبه، نحن في مرحلة أصبح فيها التأثير على الأفكار والهوية هو السلاح الأقوى، الفن هو الذي يبني وعي المجتمعات ويحميها من الضياع بين الثقافات المختلفة، يجب أن تكون لدينا ثقافتنا الخاصة، النابعة من إبداع جزائري محض، لنكون أقوياء وواقفين على قاعدة صلبة. ع/ ب