* الجزائر رائدة الأمن الغذائي في إفريقيا
شكلت الطبعة الـ23 للمعرض الدولي للفلاحة وتربية المواشي والصناعات الغذائية «سيبسا فلاحة 2025»، التي يحتضن فعالياتها قصر المعارض « صافيكس » بقصر المعارض الصنوبر البحري منذ الأحد الماضي في الجزائر العاصمة، حدثًا بارزا في مجال الزراعة والأمن الغذائي على المستويين الوطني والإفريقي، نظرا للحضور الدولي الواسع، حيث شهد هذا الحدث الاقتصادي مشاركة حوالي 800 عارض من 39 دولة، مما يعكس مكانته كأكبر تظاهرة زراعية في إفريقيا.
روبورتاج: عبد الحكيم أسابع
وقد جاء هذا المعرض الذي تختتم فعالياته، اليوم الخميس، ليسلط الضوء على دور الجزائر في دعم الأمن الغذائي الإفريقي، من خلال مبادرات مثل تطوير الزراعات الصحراوية، وتطوير شعبة التمور، وإنتاج بذور البطاطا، فضلا عن تطوير شعبة الزيتون، والطماطم الصناعية، وتربية المائيات، وهي مجالات قال وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، يوسف شرفة، خلال مراسم افتتاح المعرض، إنها تقع في صلب اهتمامات السلطات العمومية لتلبية احتياجات السوق المحلية وتعزيز التصدير وتقليص الواردات.
ومن أهم ما ميز طبعة هذا العام الذي حلت فيه إيطاليا « ضيف شرف»، استضافتها للمنتدى الإفريقي حول التغذية، بهدف تعزيز التجارة الزراعية البينية الإفريقية وتبادل الخبرات في مجالات مثل الزراعة الذكية والابتكار الزراعي، كما تم تسجيل اهتمام عربي وأجنبي كبير بهذه التظاهرة ذات الأهمية الكبرى، التي حضر مراسم افتتاحها عدد من الوزراء وكبار المسؤولين من أوروبا وإفريقيا والوطن العربي.
وما يسجل لهذا الحدث الاقتصادي الكبير أيضا، كونه، قدّم مجموعة شاملة من الحلول التكنولوجية الحديثة في مجالات الزراعة، و تربية المواشي، والصناعات الغذائية، والعتاد الزراعي، ما جعل الطبعة الـ23 من «سيبسا فلاحة» منصة متكاملة تجمع بين الابتكار و التكوين، و كذا الشراكة الاقتصادية وتحقيق الأمن الغذائي في الجزائر والقارة الإفريقية، ما يؤكد أن الفلاحة لم تعد مجرد قطاع إنتاجي تقليدي، بل أصبحت رافعة استراتيجية للتنمية المستدامة، الأمن الغذائي، والتكامل الإفريقي، في ظل تحديات بيئية واقتصادية متسارعة.
أضواء كاشفة على مشروع شركة «بلدنا» القطرية في الجزائر
في ظل التوجه المتزايد نحو تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة في القطاع الفلاحي بالجزائر، شكّل صالون «سيبسا فلاحة» لهذه السنة فرصة هامة لاستعراض أبرز المشاريع والاستثمارات الواعدة، التي تشهدها الجزائر في المجال الزراعي، فقد سلطت الطبعة الـ23 للمعرض الدولي للفلاحة وتربية المواشي والصناعات الغذائية «سيبسا فلاحة »، الضوء على مشروع شركة «بلدنا» القطرية، الذي طُرح كنموذج للشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وقطر في مجال إنتاج الحليب ومشتقاته، وأبعاده ومن خلاله على الإمكانيات الكبيرة التي تتيحها الجزائر في مجال الاستثمار الفلاحي، خاصة في ما يتعلق بتربية الماشية والإنتاج الزراعي المرتبط بها.
ويعكس هذا المشروع الذي تم تقديمه في فضاء هام على مستوى الجناح « أ» بقصر المعارض، طموحا مشتركا نحو نقل التكنولوجيا، وتبادل الخبرات، وخلق فرص عمل جديدة، في إطار رؤية تنموية متكاملة تستند إلى استغلال الموارد الطبيعية بشكل فعّال وتعزيز قدرات الإنتاج المحلي.
وقد حرصت شركة «بلدنا» من خلال مديرها التنفيذي، بالجزائر، وطاقمه وما يرافق العروض المقدمة، من شروحات، مشفوعة بالأرقام، على تقديم صورة واضحة عن هذا المشروع، الذي يجري تجسيده بولاية أدرار، بتمويل مشترك جزائري- قطري، بهدف تعزيز الأمن الغذائي.
ويُتوقع أن يساهم المشروع الذي يشمل تجسيده الميداني، حفر آبار استكشافية وزراعة الأعلاف اللازمة لتربية الأبقار، في تقليل واردات الجزائر من الحليب المجفف، وتعزيز الأمن الغذائي، وتوفير فرص عمل، وتنمية المناطق الريفية في جنوب البلاد.
كما جاءت طبعة هذه السنة من صالون «سيبسا فلاحة»، لتسليط الضوء على الكثير من المشاريع الفلاحية العملاقة التي يجري تجسيدها عبر مختلف أنحاء الوطن، من طرف مؤسسات وطنية كبرى ومجمعات للخواص، و تندرج كلها في إطار توجه الدولة لضمان توفير سلة غذاء الجزائريين من داخل أرض الوطن والحد من الاعتماد على الواردات.
عملاق الطاقة «سوناطراك» يقتحم مجال الاستثمار الفلاحي
من بين فضاءات العرض المتميزة التي كانت محط اهتمام أعداد لافتة من زوار معرض «سيبسا فلاحة» لهذا العام يأتي جناح الشركة المتفرعة عن مجمع «سوناطراك»، «Agro-alimentaire Activités 3A »، الذي يعكس وعي مختلف المجمعات الاقتصادية، الكبرى في البلاد، واهتمامها المتزايد بأهمية الفلاحة كرافد اقتصادي بديل، للمساهمة في دعم مشاريع تنموية ترتكز على الإنتاج المحلي واستغلال الموارد الطبيعية بشكل أكثر تكاملا وتوازنا.
وحسب رئيسها المدير العام، عبد الله عرعار، فقد جاء إنشاء هذه الشركة المتفرعة عن سوناطراك، للمشاركة في مخطط عمل الحكومة المستمد من برنامج رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون لدعم الأمن الغذائي الوطني، وتقليل الاعتماد على الواردات، وتوفير فرص عمل في المناطق الصحراوية من خلال استغلال الموارد الطبيعية والتقنيات الحديثة، لاسيما من خلال تطوير الزراعة الصحراوية، وخاصة، الزراعات الاستراتيجية، كالقمح والشعير والذرى، التي تعول عليها الدولة للحد من واردات الحبوب، والتوجه مستقبلا نحو التصدير.
وتعمل الشركة حسب السيد عرعار، على تنفيذ برنامج زراعي واسع النطاق في عدد من الولايات بجنوب البلاد وشمالها، يشمل زراعة الخضر و الأشجار المثمرة المختلفة، إلى جانب تربية المواشي وتربية المائيات ( في سعيدة)، غير أن الرهان الأكبر - يضيف المتحدث - يتوقف أساسا في جنوب البلاد على توسيع رقعة الزراعات الاستراتيجية، على مساحات تقدر بـ 28 ألف هكتار، مقسمة على عدد من المناطق، لاسيما في توقرت وقاسي الطويل وأدرار، مشيرا إلى أن المساحات التي تحصلت عليها الشركة في ولاية سعيدة تقدر بـ 3 آلاف هكتار.
وفيما تم اقتناء أحدث الآلات والعتاد الفلاحي الضخم المناسب للمساحات الشاسعة وشق الطرقات ومد شبكة الكهرباء ( حوالي 110 كلم )، وحفر ما لا يقل عن 85 بئرا ونصب عشرات محطات للرش المحوري، في انتظار استكمال ما لا يقل عن 220، محورا للرش، فقد تم حسب المتحدث تخصيص برنامج تكويني لفائدة شباب الجنوب لتوظيفهم في مختلف المشاريع الجاري تجسيدها، سعيا لامتصاص البطالة بالمنطقة.
الزراعة الذكية ... توجه جديد يحظى باهتمام كبير
يشارك عدد من العارضين في صالون « سيبسا فلاحة »، لإبراز أهمية الزراعة الذكية، كتوجه جديد ومحاولة توسيع هذا التوجه من خلال العمل على الترويج له، لما تتيحه البيوت البلاستيكية الذكية لكبار المستثمرين كونها تمثل نقلة نوعية في مجال الزراعة، حيث تدمج بين البنية التقليدية للبيوت البلاستيكية والتقنيات الحديثة مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وأنظمة الاستشعار والتحكم الآلي.
وفي هذا الصدد أوضح المستثمر التركي، زكي مصطفى، للنصر، أهمية المنشآت الزراعية المغلقة التي تُغطى بالبلاستيك، والمزودة بأنظمة إلكترونية ذكية تراقب وتتحكم في البيئة الداخلية للنباتات (مثل درجة الحرارة، الرطوبة، الإضاءة، ثاني أكسيد الكربون، والري)، بهدف زيادة الإنتاج وتحسين جودة المحاصيل مع تقليل استهلاك الموارد.
وأشار إلى أن شركته تتمتع بتجربة ناجحة في مجال إنتاج الطماطم الكرزية بولاية باتنة، على مستوى البيوت الذكية، وأنها تتوجه إلى تنويع منتوجاتها الذكية التي لا تحتاج إلى التربة، مبرزا بأن الكثير من المستثمرين في الزراعة يخوضون تجارب ناجحة في هذا الفرع من النشاط.
تطور نوعي لعلامات « صنع بالجزائر » في مجال الأدوية البيطرية والأسمدة
شهد الإنتاج الجزائري في مجال الأدوية البيطرية والمكملات الغذائية للحيوانات، خصوصًا المواشي والأنعام، والأسمدة أيضا تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، رغم بعض التحديات المرتبطة بالتكنولوجيا و التمويل، ومحدودية السوق الداخلية، وهو ما اتضح جليا خلال المعرض.
فقد تم تسجيل حضور عدة شركات جزائرية، عمومية وخاصة، في هذا الحدث الاقتصادي، تعمل في تصنيع الأدوية البيطرية، ومنتجات الصحة الحيوانية، من مضادات حيوية، ومضادات طفيلية، فيتامينات، ومضادات التهابات موجهة للاستخدام البيطري، وقد خضعت كلها حسب العارضين الذين تحدثنا إليهم ( المنتجون ) ، لكل مراحل الاعتماد والتجارب السريرية قبل ترويجها.
كما لوحظ حضور لافت أيضا للمكملات الغذائية الحيوانية، من أملاح معدنية وفيتامينات، و محفزات النمو الطبيعية ( وهي غالبا ما يتم استعمالها كبديل للمضادات الحيوية)، فضلا عن المضافات البروتينية المخصصة لتسمين الأبقار و العجول والأغنام والدواجن أيضا.
وإن كانت أغلب تلك المنتوجات، إلى جانب أعلاف الحيوانات المنتجة محليا، لا تستجيب للطلب الكبير من طرف المربين، إلا أنها تحظى حسب الطبيب البيطري، الدكتور لعريبي، وهو صاحب مصنع لإنتاج الأدوية البيطرية، بالجزائر العاصمة، بإقبال كبير من طرف الفلاحين والمربين والمستثمرين في القطاع الفلاحي « نظرا لجودتها و نجاعتها وكفاءتها التي جعلت منها منتوجات تنافسية بامتياز » – كما قال، مؤكدا للنصر بأن المنتوجات الجزائرية المشار إليها سواء الجزائرية 100 بالمائة أو تلك التي يتم تصنيعها بشراكة مع أجانب تحظى بقبول كبير و بالموثوقية الكبيرة.
وفي مجال الأسمدة والمنتجات الفيتوصحية، يعد مجمع «أسميدال»أحد أبرز المجموعات الصناعية الجزائرية المتخصصة في هذا الميدان، ويُعتبر ركيزة أساسية في دعم القطاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي في الجزائر.
وحسب السيد أحمد عزي الإطار السامي، في أسميدال، الذي جمعنا لقاء به في جناح المجمع، فإن خبراء « فرتيال » أحد فروع المجمع، قد تمكنوا من إنتاج نوع جيد، من الأسمدة المركبة، محليا ويسمى « أم آ بي آزوت »، الذي يستخدم في مختلف مراحل نمو المحاصيل، وهو ما يغني الشركة عن اللجوء مستقبلا لاستيراده، وهو متوفر – كما ذكر– بأسعار تنافسية.
أما بخصوص تصنيع وتوزيع المعدات الفلاحية والصناعية، بما في ذلك الجرارات الزراعية، فقد ازدانت ساحة قصر المعارض بعدد كبير من هذه المعدات، ومن بينها تلك التي تم تصنيعها من طرف شركة «تيرصام»، و هي مؤسسة جزائرية، استطاعت حسب ممثلها التجاري، رضا يزة من رفع نسبة الإدماج إلى 25 بالمائة.
وقال السيد يزة للنصر إن « تيرصام »تقدم خلال هذا المعرض عروضا ترويجية لدعم الفلاحين، مثل تخفيضات تصل إلى 50 مليون سنتيم على بعض الجرارات من تشكيلة منتوجاتها التي يناسب كل نوع منها بيئة معينة ومن بينها التضاريس الصعبة.
فرصة للمتعاملين الاقتصاديين لعقد شراكات وصفقات تجارية
منح انعقاد هذا المعرض الكبير الفرصة للمتعاملين الاقتصاديين لعقد شراكات وصفقات تجارية مع مختلف نظرائهم الأجانب، حيث شكل مركزا استراتيجيا لتلاقي المهنيين المزارعين، المستثمرين، ومصنعي المعدات ومبتكري الحلول الزراعية، بالإضافة إلى صناع القرار من داخل الجزائر وخارجها.
وفي هذا الصدد شكل مجلس الأعمال الجزائري الهولندي، المشارك على مستوى الجناح المركزي، منصةً رسمية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجزائر وهولندا.
وذكر البروفيسور عيداوي، الكاتب العام للمجلس، للنصر، أن الهدف من مشاركة هيئته، يرمي إلى تسهيل التعاون بين الشركات والمؤسسات في كلا البلدين، خاصة في مجالات الزراعة، و اللوجيستيك، ونقل التكوين ونقل التكنولوجيا، لاسيما، برامج لتكوين الفلاحين والمهنيين في مجالات مثل الزراعة الذكية، البيوت البلاستيكية، وتسيير الموارد المائية، مع التركيز على تعزيز الإنتاجية والاستدامة، وكذا في ريادة الأعمال والمقاولاتية، سعيا إلى مرافقة وتكوين رواد الأعمال الشباب، مما يعزز مناخ الابتكار والتشغيل الذاتي.
تجدر الإشارة إلى مشاركة ما لا يقل عن 10 شركات ناشئة في المعرض تقترح حلولا متطورة على الفلاحين من أجل مساعدتهم على تطوير منتوجاتهم الزراعية، بينها تربية المائيات وحمايتها من الأمراض.
فيما تشارك شركات كبرى بمهندسيها على غرار شركة « دوداح » من بومرداس، لعرض خدماتها على الفلاحين والمستثمرين لمرافقتهم في مختلف مراحل تنفيذ مشاريعهم من « الألف إلى الياء ».