الأربعاء 19 نوفمبر 2025 الموافق لـ 28 جمادى الأولى 1447
Accueil Top Pub

الباحث في التاريخ الدكتور عبد المالك سلاطنية في حوار «للنصر»: إرث الثورة لا ينطفئ وهو منهاج للذود عن السيادة الوطنية

19102538
 أكد الباحث في التاريخ والأستاذ بجامعة الجزائر 2 الدكتور عبد المالك سلاطنية بأن الثورة هي مسار متواصل بين الأجيال يتم ترسيخه من خلال الأسرة والمدرسة والجامعة للذود عن الوطن،  موضحا في حوار «للنصر» بأن إرث الثورة التحريرية لا يمكن أن يموت أو أن ينطفئ، بل منهاج للدفاع عن السيادة ومواجهة التحديات الجديدة في ظل متغيرات دولية تستوجب حشد القوى.
 يتفق الدارسون للتاريخ بأن الثورة الجزائرية أصبحت نموذجا يقتدى به من قبل الشعوب الطامحة إلى التحرر وانتزاع سيادتها من المستعمر، فكيف استطاعت الثورة المجيدة أن تصنع هذا التميز؟
الثورة الجزائرية ليست كباقي الثورات التي شهدتها بعض دول العالم، فهي لها خصائص مختلفة من حيث أنها جاءت بعد فترة طويلة من الاستعمار الفرنسي الذي كان في سنة 1830 بعد حادثة المروحة وتداعياتها، وقد أبان الشعب الجزائري منذ ذلك الحين تشبثا بالمقاومة التي اتخذت أشكالا متعددة، وكان أولاها مقاومة الأمير عبد القادر وأحمد باي في الشرق الجزائري.ودون شك فقد توالت هذه المقاومات في مناطق عديدة ومختلفة وبأسماء كثيرة كان هدفها درء الخطر عن البلاد، لكنها لم تؤت نتائجها النهائية والإيجابية لأنها كانت مقاومات محلية تظهر من حين إلى آخر في مناطق جغرافية محددة، وكان من ضمن العناصر التي كانت تنقص المقاومة الوطنية، ورغم ذلك استطاعت المقاومات الشعبية أن تحقق الكثير من النتائج.ومع عدم تحقق الهدف الرئيسي لهذه المقاومات التي أخذت الطابع العسكري كان التوجه الثاني نحو العمل السياسي الذي ظهر فيما بعد في أشكال متعددة من النضالات السياسية، كحزب الشعب الجزائري وشمال إفريقيا وجمعية العلماء المسلمين وغيرها من التيارات السياسية جاءت لتنادي بأفكار مختلفة لكن كلها في النهاية تهدف إلى استعادة الجزائر التي ضيعت سنة 1830.
كيف تغير مسار الثورة بعد سنوات طويلة من العمل المسلح والنضال السياسي؟
كعادة الاستعمار الفرنسي ومع تطورات الأحداث في الحرب العالمية الثانية وعد الفرنسيون والحلفاء بأن يعطوا الحرية والكرامة للشعب الجزائري، لكن هذا لم يتحقق ولم يتأت، وكانت النتيجة عند نهاية الحرب العالمية الثانية بمجازر رهيبة عاشتها مدن كثيرة في الجزائر على رأسها قالمة وسطيف وخراطة من خلال مجازر 8 ماي.
ومثلت هذه الأحداث أول منعرج رئيسي في تاريخ الجزائر الذي حدد فيما بعد مسارات المجتمع الجزائري نحو العمل العسكري وإعلان الثورة الجزائرية في الفاتح نوفمبر 1954، ومع التطورات التي حصلت في الثورة، وبعد أن تحمل الشعب الجزائري فاتورة كبيرة طيلة سنوات طويلة من القهر والقتل والتشريد اندمج مرة أخرى في قلب الثورة وتحمل الوضع الجديد واحتضن الثورة بكل ما لديها من إمكانات، ووضع الأسس الرئيسية للوصول إلى الهدف الأسمى وهو استرجاع السيادة الوطنية بعد تضحيات جسام قدمها الشعب الجزائري، والإبادة شبه الكاملة التي تعرض لها منذ سنة 1830 في كثير من المناطق والقرى والأرياف والمداشر. ولم يكن دون شك، صدى الثورة الجزائرية محليا فقط، بل كان صداها مرتفعا مما اضطر العدو الفرنسي لإعطاء الاستقلال لتونس والمغرب ودول إفريقية كثيرة، بهدف الحفاظ على الجزائر لأنها تمثل بالنسبة له المصير المحتوم، لكن أبناء الجزائر وأبطال الجزائر الذين صنعوا ملحمة نوفمبر الخالدة حملوا على عاتقهم رسالة الشهداء بضرورة استرجاع السيادة الوطنية والوصول إلى الجزائر المستقلة الحرة مهما كلفهم الثمن.
ما هي الطرق الكفيلة بالحفاظ على ما حققه الشعب الجزائري بعد نضال مرير في سبيل صون السيادة الوطنية في وقت يعيش العالم على وقع عديد المتغيرات الجيوستراتيجية؟
 قدم الجزائريون في محافل الكفاح مليونا ونصف مليون من الشهداء، وتوجت التضحيات الجسام باسترجاع السيادة الوطنية سنة 1962، ويبقى السؤال الذي يطرح دائما هو كيف يمكننا الحفاظ على هذا الإرث التاريخي والحضاري، وعلى زخم المقاومة، وهل يمكن أن نعتبر الثورة الجزائرية حدثا حرر فيه الإنسان الجزائري ومر عليه زمن ونحن في مراحل أخرى، أم انه يجب أن نواصل بنفس الوهج والحرارة وبنفس التضحيات الجسام التي قدمها بن بولعيد وديدوش مراد وزيغوت يوسف وغيرهم من الشهداء الأبطال.
ويشار في هذا السياق إلى أن ميراث الثورة الجزائرية وإرثها الثقافي والحضاري هو دون شك مبني على روح المقاومة والتضحية ودحر الاستعمار، وهو إرث عظيم لا يمكن أن يموت أو ينطفئ لا في قرن ولا في قرون ولا حتى في ألف سنة، إذ يمكننا أن نستعمل الوهج الحضاري في بناء الأمة والمجتمع بناء سليما وصحيحا.وهذا يتأتى عبر محاور عديدة، أولا بالاعتناء بالذاكرة الوطنية مع إعطاء الثورة الجزائرية زخمها التاريخي في نفس الإنسان الجزائري، عن طريق غرس مبادئها وأفكارها وروحها في الأجيال، من خلال البيت والمدرسة أولا ثم الجامعة، فلا بد أن نواصل صقل الطفل الذي دخل السنة الأولى ابتدائي بكل ما هو وطني. وينبغي للمدارس أن تحمل أسماء الشهداء والأبطال، مع عرض نبذة تاريخية في ساحة المؤسسة عن مآثر الشهداء وتاريخهم النضالي، مع ضرورة استغلال الرقمنة في هذا المجال، وبدل أن نعلم التلميذ أنه يدرس في الحجرة رقم خمسة، نعلمه بأنه يدرس في القاعة التي تحمل اسم شهيد أو بطل من أبطال الثورة، بما يمكن من تعريف التلاميذ بأسماء شهداء الثورة من خلال تداولها يوميا في المدارس والمؤسسات التعليمية، من أن نغرس فيهم تاريخ الثورة مع مرور الزمن، مع إمكانية تعميم العملية على قطاع  التعليم العالي والبحث العلمي.التلاميذ هم حماة الوطن وجيل المستقبل، وعلينا أن نجعلهم يحملون فكر الثورة الجزائرية، ونحن نعلم أن وسائل التواصل الاجتماعي هي أسلحة فتاكة وخطيرة على كل المجتمعات لهذا علينا أن نعمل من خلال المدرسة على توجيه الأبناء لاستغلالها الحسن، بأن نزرع فيهم تاريخهم وثقافتهم ومآثر أبطال الجزائر، مع الإكثار من استعمال الصفحات التي تتحدث عن تاريخ وأبطال الجزائر. ويمكن أن يكون لكل مدرسة صفحتها على مواقع التواصل لنشر الأفكار التاريخية وأسماء الشهداء، مع تنظيم مسابقات ونشرها على هاته الصفحات، بما يساعد على خلق ثقافة متوازية مع الثقافات التي تحاول أن تغزونا.
وعلى الجامعات أيضا تنظيم ندوات متتالية طيلة السنة حول الثورة، مع إنشاء مسابقات وإصدار مؤلفات بالإنجليزية للتعريف بشهداء الثورة وتقديمها كتكريم وإهداءات للطلبة.
وماذا عن تطورات الوضع الدولي وكيف لمسار الثورة أن يؤثر على شخصية الإنسان الجزائري ويصنع منه فردا واعيا قادرا على مواجهة التحديات؟
بالنسبة للوضع الدولي المتطور والمرشح للتطور، فإن الجزائر لم تتعرض خلال هذه المدة فقط للضغوطات الخارجية والمؤامرات، فمنذ أن قام آباؤنا الأمازيغ الأحرار والنوميد بالوقوف إلى جانب قرطاج ومقاومة حنا بعل ضد الرومان، ونحن نقدم التضحيات الجسام ونتعرض من حين إلى آخر إلى هكذا أنواع من المؤامرات التي تحاول أن تمس بالجزائر ترابا وحضارة وثقافة. يجب أن نقول بكل صراحة إن الجزائر منذ خمس أو ست سنوات لم تعد الجزائر التي كانت قبل عشر سنوات، سيما على الصعيد الدولي وفي المجال الدبلوماسية، وعلى صعيد العمل الخارجي، إذ أظهرت الجزائر قوتها الدبلوماسية والسياسية، وقوة عملها في المحافل الدولية لتحقيق المكانة اللائقة بها.الجزائر اليوم تصنع مكانتها في العالم كما كانت في قرون مضت سيدة البحر الأبيض المتوسط والتاريخ يعيد نفسه مرة أخرى، موقع الجزائر الاستراتيجي الذي يبرز أهميتها الاقتصادية والسياسية والعالمية.   عندما تريد أن تكون لك مكانة دولية دون شك ستزاحم من يحتلون تلك المكانة وتقلص مساحتهم العالم وتكون معرضا لأمور كثيرة، وهنا علينا الاستعداد للذود عن الوطن والثقافة والحضارة، وأن نكون أقوياء في المحافل الدولية حتى نستطيع أن نجد مكانة لنا ونحافظ عليها وعلى جهود الرجال الذين يقودون حروبا قوية في المحافل والمنابر الدولية والجامعة العربية والقارة الإفريقية وهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
والجزائر غيرت اليوم وجه مجلس الأمن وكشفت الكثير من الخبايا التي كان لا يعلمها لا القاصي ولا الداني بفضل سياستها ومواقفها الصلبة، فهي لم تشتر ولم تساوم عبر مسارها الطويل، وهو أمر ليس بالسهل في محفل دولي مملوء بالألغام والمكائد والمطبات.    ل.ب

أستاذ التاريخ الدكتور عبد الرحمان تونسي للنصر

الثورة الجزائرية ثورة شعبية لم تنتظر أمرا
من ملك أو زعيم

19102537
قال الدكتور عبد الرحمان تونسي أستاذ التاريخ بجامعة تمنراست إن الثورة الجزائرية ثورة شعبية منفردة في العالم لم تنتظر أمرا من ملك أو زعيم، مضيفا في هذا الحوار الذي خص به النصر أن الثورة الجزائرية أسست إطارها السياسي، وهو جبهة التحرير الوطني، وبنت إطارها العسكري، وهو جيش التحرير الوطني الذي وجد في الشعب الجزائري الحاضنة الأساسية.
النصر: ما هي الظروف التي مهدت لوضع الإستراتيجية العسكرية لجيش التحرير ؟
الدكتور تونسي: جيش التحرير الوطني الجزائري ولد مع ولادة الثورة وتطور مع تطورها واكتسب قوته مع قوتها، وهو العمود الفقري للثورة فلولاه لما كان لأي مجهود سياسي جدوى أو فائدة وهو جيش شعبي ثوري نظامي في آن واحد، وقبل الحديث عن الإستراتيجية العسكرية لجيش التحرير، ينبغي الحديث عن مبادئ جيش التحرير الوطني المستمدة من بيان أول نوفمبر، لاسيما مواصلة الكفاح إلى أن تتحرر البلاد ويتحقق استقلالها التام، ومواصلة تحطيم قوات العدو والاستيلاء على المواد والأدوات إلى أقصى حد ممكن، إلى جانب تنمية المقدرة المادية والمعنوية والفنية في وحدات جيش التحرير الوطني والجنوح بأقصى ما يمكن إلى الحركة والخفة وإلى التفرق ثم الاتساع بعد ذلك والهجوم، و تقوية صلة الوصل بين مراكز القيادة ومختلف الوحدات، وتوسيع شبكات الاستخبارات وسط العدو ووسط السكان، بالإضافة إلى توسيع الشبكة العامة على إقرار وتعزيز نفوذ جبهة التحرير لدى الشعب لتجعل منه سندا أمنيا ثابتا، وتقوية روح الامتثال للأوامر والملازمة للنظام في جيش التحرير الوطني.
وبالعودة إلى إستراتيجية الثورة فإن تعداد جيش التحرير الوطني في أول نوفمبر 1954 قدر بحوالي 800 رجل وعلى أكثر تقدير 1000 رجل، وبالاعتماد على ما ذكره كريم بلقاسم فإن العمل الثوري ليلة الفاتح من نوفمبر 1954 انطلق بحوالي 3 آلاف مناضل لم يشارك منهم مباشرة سوى الربع على أحسن تقدير، أما بالنسبة للسلاح فقد استخدم جيش التحرير بنادق الصيد والأسلحة المحلية، وعليه فإن جيش التحرير كان لا يملك من السلاح في البداية سوى 400 قطعة، ولهذا عمل الثوار على صنع قنابل يدوية، وينبغي الإشارة هنا إلى أن أي ثورة لا تقوم دون تحديد الأهداف البعيدة أو قريبة المدى، واتخذت الثورة في البداية أسلوب حرب العصابات أو الكر والفر، ثم بعد مؤتمر الصومام انتقلت إلى تحضير الهجمات والكمائن بأكثر دقة وتطور، كما أن الظروف السياسية الداخلية أو الخارجية ساهمت في تلك الفترة في قيام الثورة، وأهمها أوضاع الجزائر عشية أول نوفمبر، وذلك الاجتماع الأساسي الذي عقد بالمدنية في 23 أكتوبر 1954 وبالضبط في منزل إلياس دريش والذي أنجب لنا مجموعة الستة أو مجموعة الخمسة زائد واحد التي وضعت البيان وحددت تاريخ انطلاق الثورة بالفاتح من نوفمبر، كما أن الظروف السياسية الخارجية كانت مشجعة بعد انتصار الهند الصينية على الاستعمار الفرنسي، ونجاح الحركات التحررية في آسيا وشرقها، وكذلك تحرر بعض الدول الإفريقية من عقدة الخوف من الاستعمار الفرنسي، وحتى الدول المجاورة التي كانت قد اتفقت في مؤتمر طنجة على القيام بثورة موحدة ثم أعلنت ثورتها منفردة سنة 1952، لم تمنع الجزائر من مساعدتها بالمال والعتاد، كما فعل شريط لزهر بمساعدة إخوانه في تونس على الحدود الشرقية بالعتاد والمال والرجال، وهذا ليس غريبا على الجزائر التي حصلت على الدعم من جارتها الشرقية تونس، وظهور الأفكار التحررية والاستقلال عبر العالم أو ما يسمى بحقوق الإنسان والرغبة في التحرر من الاستعمار والاستيطان، كل هذا جعل هذه الثورة تندلع وتكون ثورة منفردة ولا تنتظر أمرا من ملك أو زعيم وإنما هي ثورة شعبية أسست إطارها السياسي وهو جبهة التحرير الوطني، وبنت إطارها العسكري هو جيش التحرير الوطني الذي وجد في الشعب الجزائري الحاضنة الأساسية.
النصر: كيف عالجت إستراتيجية الثورة مشكلة التسليح؟
الدكتور تونسي: بالنسبة للتسليح كان مشكلا أساسيا يشغل قادة الثورة في بدايتها، إلى جانب المؤونة والألبسة العسكرية، ولهذا عمل قادة الثورة على جمع الأموال لشراء الأسلحة، بما فيها الشراء من الجيش الفرنسي، وفي الوقت ذاته غنم الثوار 2700 قطعة حربية في تلك الفترة من الجيش الفرنسي، لكن حل مشكل التسليح كان على يد مساعدات الدول الصديقة والشقيقة، وكذا أعضاء جيش التحرير الذي ارتفع تعداده بعد مؤتمر الصومام خاصة بعد التحاق الطلبة حيث وصل تعداد المجاهدين في صائفة 1957 إلى 70 ألف جندي، في حين في بداية الثورة كانوا يعدون على الأصابع، وبالتالي بعد ارتفاع تعداد الجنود أصبح للثورة زخم من الفدائيين والمجاهدين، وكانت جريدة المجاهد في إحدى أعدادها لسنة 1958 قدرت تعداد المجاهدين بـ 130 ألف بين الداخل والخارج، كما أن الأسلحة تطورت بتطور الدعم اللوجيستي الذي تحصل عليه جيش التحرير الفتي، وبعد أن كان يحارب بالبنادق ومخلفات الحرب العالمية الثانية ها هو يستعمل أسلحة متطورة إلى حد كبير، وبالتالي كان لمؤتمر الصومام أثر إيجابي على حل مشكل التسليح.
النصر:كيف تصف تطور إستراتيجية الثورة منذ بدايتها؟
الدكتور تونسي: إستراتيجية الثورة بدأت بوسائل حربية بسيطة ببنادق صيد، وأسلحة تعود إلى الحرب العالمية الثانية، وبعضها كانت فاسدة نظرا لسوء حفظها، وطول مدة استخراجها من المخابئ، لكن إستراتيجية الثورة تغيرت بعد هجمات 20 أوت 1955، باستقطاب الكثير من الإطارات والنخب وحتى أعضاء الجمعيات والتيارات الذين انخرطوا في الثورة بأسمائهم الشخصية ليأتي مؤتمر الصومام ويضع تنظيما جيدا، ويضع الأسس الكبرى لهذه الثورة التحريرية اجتماعيا وعسكريا وسياسيا وحتى دبلوماسيا بعد إنشاء الحكومة المؤقتة في 19 سبتمبر 1958، هذا المؤتمر الذي قسم الرتب العسكري والرواتب، إلى جانب الإمدادات بالسلاح سواء بحرا مثل ما حدث مع سفينة «دينا» سنة 1955 التي كان يقودها النذير بوزار وسلم الأسلحة للشهيد العربي بن مهيدي والأعوان الذين كانوا معه، وكذا جلب الأسلحة من الدول الصديقة والشقيقة بطرق مختلفة، إلى جانب التكوين العسكري لنخب عسكرية جديدة، وظهرت ما يسمى بالضفادع البحرية التي قام جيش التحرير بتكوين 8 مجاهدين الذين يمثلون النواة الأولى للبحرية ثم بدأ في تكوين إطارات الطيران في مصر وبعض الدول الصديقة والشقيقة ما أنتج 180 قائد طائرة وحوامة على رأسهم الوزير السابق المجاهد السعيد مسعودان الذي ترأس أول مؤسسة عسكرية في الطيران في بداية الاستقلال.
أما في الجانب الاجتماعي فكان الاهتمام بالصحة بعد التحاق الطلبة الجامعيين بعد 19 ماي 1956 بالثورة، وبالتالي تطور الاعتناء بصحة المجاهدين من أطباء وممرضين، وأطباء أجانب في ما يسمى بأصدقاء الثورة، و في الجانب الدبلوماسي والسياسي، بعد إنشاء الحكومة المؤقتة أصبح للجزائر سفراء وقناصل في عدة دول صديقة وشقيقة، وكان أول سفير للجزائر في الصين الشهيد مصطفى فروخي الذي لم يكتب له الوصول إلى بكين وفجرت به وعائلته الطائرة التي كانت تنقله من القاهرة إلى الصين عبر الاتحاد السوفياتي، وفجرت فوق أوكرانيا سنة 1960، وخلفه في المنصب الراحل المناضل المجاهد عبد الرحمان كيوان بأمر من وزير الخارجية أنذاك كريم بلقاسم، وفي الوقت ذاته تضمنت الإستراتيجية نقل الثورة من الجبال إلى المدن عبر المظاهرات والإضرابات ثم نقل الثورة إلى عقر دار المستعمر بالهجوم على المصالح البترولية الفرنسية، وكذا مظاهرات 17 أكتوبر 1961 التي بينت تأييد الجالية الجزائرية خاصة في فرنسا للثورة التحريرية وكان لها أثر كبير على ما يسمى مفاوضات الجزائر مع فرنسا، وبالتالي كانت مفاوضات إيفيان الأولى والثانية تحت الضغط الشعبي مما أدى إلى اعتراف فرنسا بالسيادة الجزائرية على كامل أراضي الوطن الجزائري.
النصر: كيف ساهم تقسيم الجزائر إلى مناطق في تحقيق الفاعلية الميدانية خلال الثورة؟
الدكتور تونسي: تقسيم الجزائر إلى مناطق ثم إلى ولايات جاء على أساس ما تم ورثه من تأسيس المنظمة الخاصة سنة 1947 والتي كانت لها المبادرة لتقسيم الجزائر إلى مناطق، ثم جاء مؤتمر الصومام الذي أبقى على المناطق الخمسة، وأضاف لها المنطقة السادسة، مع تغييرات طفيفة خاصة في القيادة مع استشهاد عدد منهم، ومنهم من أسر ومنهم من غيرت لهم المهام، وجاءت الولاية السادسة لتدعم الثورة في الشمال، وتثبت للاستعمار أن الجزائر واحدة موحدة، وكذلك تهدد الحلم الفرنسي بالاستيلاء على الصحراء.
ن ع

مراكز تجميع السكان
جــــــــرح لم يندمـــــل في ذاكــــــرة الجزائرييـــــــــــن 

19102526
بالرغم من مرور 71 عاما على اندلاع الثورة التحريرية المجيدة، إلا أنّ ذاكرة الجزائر لا تزال تنزف عند استحضار مشاهد القهر والتهجير التي عاشها أبناء القرى الجبلية خلال حرب التحرير الوطنية (1954 – 1962)، فكانت تلك المناطق، ومن بينها قرى تيزي وزو والقبائل الكبرى، تشكّل القاعدة الخلفية للمجاهدين في معارك التحرير، فدفعت الثمن غاليا من دماء أبنائها ودمار بيوتها وتهجير سكانها نحو المحتشدات أو «مراكز التجميع» التي أقامها المستعمر الفرنسي في ظروف غير إنسانية لعزل الشعب عن الثورة وتضييق الخناق عليه.
في منطقة القبائل، ما تزال الذاكرة الجماعية تحتفظ بتفاصيل تلك الحقبة الدامية، وكأنها حدثت بالأمس فقط، حيث لا يزال كبار السن يتذكرون تلك الفترة كجرح مفتوح، حين كان الدمار يأتي على القرى الجبلية ، وتحوّل السكان في مراكز التجميع والمحتشدات، من أصحاب أرض إلى لاجئين داخل وطنهم، وعاشوا فصولا من المأساة داخل هذه المراكز ، التي كانت جزءا من سياسة «العقاب الجماعي» الهادفة إلى خنق الثورة.
واستنادا إلى شهادات مجاهدين، فإن الهدف من إنشاء مراكز التجميع كان قطع أي صلة بين السكان والمجاهدين، ومنع توفير المؤونة والدعم اللوجستي للثوار .
و تؤكد الشهادات أن هذه السياسة لم تقتصر على قرية واحدة، بل شملت مئات القرى في مناطق تيزي وزو، مثل عزازقة، الأربعاء ناث إيراثن،عين الحمام وواضية، و وفق دراسة تاريخية، تم تجميع حوالي 254 ألف شخص من أصل 734 ألفا في هذه المراكز من فترة 1958 حتى الاستقلال، أي ما يعادل نحو ربع سكان الولاية عاشوا خلف الأسلاك الشائكة في ظروف مهينة، حيث سعت فرنسا إلى قطع أي صلة بين السكان والمجاهدين.

rالمجاهد أحمد تيغرّين
أُخرجنا تحت تهديد السلاح 
من بين الذين عاشوا تلك المأساة، المجاهد أحمد تيغرّين، واسمه الحقيقي حسّان سعيد، الذي تحدّث إلينا وهو يستعيد بنبرة حزينة تفاصيل تلك الأحداث وكأنها كانت بالأمس فقط ، حيث يروي أنه في شهر ماي 1957، تلقّت قريتهم «تيغرّين» (آيت شافع دائرة أزفون) أوامر بإخلائها، كانت القرية تضم 64 مجاهدا، استُشهد منهم 46 في ميدان الشرف، و كانت فرنسا تعتبرها قرية متمرّدة بالكامل، فاقتحمها الجنود وأجبروا السكان على الخروج تحت تهديد السلاح، جمعوهم أولا في مزرعة «تازرارت» الواقعة أسفل القرية، ثم نُقلوهم مجددا إلى منطقة «تارديير في أزفون».
ويتذكر المجاهد وهو أحد المكلفين بنقل الأسلحة التالفة إلى ورشات جيش التحرير الوطني في الولاية التاريخية الثالثة لإصلاحها وإعادتها إلى الخدمة، كيف دُمّرت البيوت وسُرقت المواشي، وكيف عانت العائلات أسابيع طويلة من الجوع والخوف في المحتشدات ومراكز التجميع ، ويقول «لقد ارتكبت فرنسا جرائم لا تُغتفر، لم يكن هدفها فقط القضاء على المجاهدين، بل كسر روح المقاومة لدى الشعب، لكنها فشلت، لأنّ الشعب الجزائري كان أكثر عنادا من رصاصهم».
rالمجاهدة نورة عليمي
كنا نعيش في جحيم مفتوح
المجاهدة نورة عليمي، كانت من بين النساء اللواتي عشن تجربة التهجير المريرة، كانت تستعيد، في شهاداتها تفاصيل تلك الأيام القاسية وتقول «اقتادنا الجنود نحو مراكز التجميع، كنا ننام على الأرض، لا طعام ولا دواء، والأطفال يصرخون من الجوع والخوف، الأمراض انتشرت بسرعة، والموت كان يزورنا كل يوم، ومع ذلك، لم نستسلم، كنا نحاول مساعدة المجاهدين سرًّا، نوصل لهم الأخبار و المؤونة متى استطعنا».
ووصفت المتحدثة تلك المراكز بأنها لم تكن إلا سجونا جماعية في الهواء الطلق، محاطة بالأسلاك الشائكة والحراس المسلحين، وقالت أن سياسة العقاب الجماعي التي مارستها فرنسا كانت تهدف إلى تحطيم إرادة الشعب الجزائري، إلا أنها أدت إلى العكس تماما، حيث أثارت مواجهة غير مسبوقة وزادت من إيمانه الراسخ بالحرية».
بونعمان.. القرية التي صمدت تحت القصف 
قرية بونعمان التابعة لدائرة عزازقة كانت بدورها واحدة من أهمّ النقاط الثورية في ولاية تيزي وزو، إذ احتضنت مقر قيادة العقيدين عميروش آيت حمودة ومحند أو الحاج، لكن هذه المكانة جعلتها هدفا دائما للطيران الفرنسي الذي لم يهدأ قصفه.
يروي محمد موهوب، رئيس لجنة القرية تفاصيل تلك الأيام التي لا تغيب عن ذاكرته رغم مرور أكثر من 71 سنة، قائلا « كنت طفلا في الخامسة أو السادسة من عمري، لكنني أتذكر جيدا عندما كان عميروش يأتي إلى قريتنا لتدريب الشباب استعدادا لانطلاق الثورة، كان مركز قيادته يمتد من تالة بودادن إلى أكاروش بالقرب من بلدية بني كسيلة في ولاية بجاية.
ويضيف أن القرية كانت تضم مستشفى لجيش التحرير الوطني، وورشة لصناعة المتفجرات، وأخرى لتفصيل الألبسة العسكرية للمجاهدين، ما جعلها بمثابة قاعدة خلفية متكاملة لخدمة الثورة.
ولكن في عام 1958، اشتد القصف على القرية لدرجة أن الحياة أصبحت مستحيلة، وعندها قرّر المجاهدون إجلاء السكان نحو أزفون، حمايةً لهم من الإبادة.
قرى إغيل نزكري.. نزوح جماعي تحت القنابل 
بدوره، يروي رابح صديق، الأمين العام لقسمة المجاهدين لناحية زكري، كيف تحوّلت منطقة إغيل نزكري إلى ساحة حرب مفتوحة، حيث يقول أن «كل قرى المنطقة تقريبا تمّ إخلاؤها بالقوة، ولم يبقَ بيت إلا وأصابه الخراب، الناس هربوا من وحشية الجيش الفرنسي تاركين أراضيهم وقطعانهم، وكانوا يسيرون لمسافات طويلة نحو المجهول».


rالمجاهد حسين أوياد
قصفوا القرية التي وُلد فيها بيان أول نوفمبر 
من قرية تاقموت لجديد في بلدية واضية، يروي المجاهد حسين أوياد مأساة تهجير سكان قرية آيت رقان ببلدية أقوني قغران، حيث يقول أنهم كانوا يعيشون حالة حصار دائم، في سنة 1958، أمر الجيش الفرنسي سكان آيت رقان بإخلاء القرية، فخرج الجميع إلى العراء، لجأ بعضهم إلى البويرة وآخرون إلى تيزي وزو بحثا عن مأوى مؤقت.
ويضيف أوياد متذكرا حدثا مأساويا محفورا في ذاكرته « في السنة نفسها، قصفت الطائرات الفرنسية قرية إغيل إيمولا، تلك القرية التاريخية التي طُبعت فيها بيان أول نوفمبر 1954، سقط سبعة شهداء، بينهم امرأة حامل، كان المشهد رهيبا، النار والدماء تختلط في مشهد لا يُنسى».
ويؤكد أن فرنسا، بعدما فشلت في كسر صلة الشعب بالمجاهدين عبر القصف، لجأت إلى سياسة أكثر قمعا تمثلت في نقل السكان إلى مراكز تجميع محاطة بالأسلاك الشائكة وتحت رقابة عسكرية مشددة، مضيفا أنه رغم القهر والدمار والتهجير، فإن الشعب الجزائري كان أقوى من كل سياسات البطش والتجويع والإذلال. فكل محاولة لعزله عن ثورته كانت تزيده إصرارا على المقاومة وتمسكا بحلمه في الحرية والاستقلال. سامية إخليف

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com