يحذر خبراء بيئيون وفي ميدان الزراعة من خطر هدر الأطعمة ورميها في مكبات النفايات، بما يولد أزمات خطيرة في مقدمتها التغيرات المناخية، أين كشف تقرير الأمم المتحدة لمؤشر هدر الغذاء للعام لسنة 2024، أن رمي الأغذية أدى إلى توليد مابين 8 إلى 10 بالمائة من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميا، أي ما يقرب 5 أضعاف ما ينتج عن انبعاثات قطاع الطيران لوحده.
إيمان زياري
كما أشار، إلى أنه يتسبب في تراجع التنوع البيولوجي من خلال استهلاك ما يعادل ثلث الأراضي الزراعية في العالم، فيما تكبد عملية إنتاج الغذاء وهدره الاقتصاد العالمي ككل خسائر هائلة تقدر بنحو تريليون دولار أمريكي سنويا.
ثلث الغذاء العالمي ينتهي في مكبات النفايات
وجاء في التقرير، أن إنتاج الغذاء يستهلك 30 بالمائة من الطاقة الكهربائية في العالم، والتي تأتي في معظمها من حرق الوقود الأحفوري الذي يطلق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي علما أن الزراعة تستهلك 70 بالمائة من المياه الصالحة للشرب عبر العالم، بينما تستهلك بعض المنتجات كميات مياه أكثر من غيرها، ما يضاف إلى هدر الأغذية ومختلف الموارد، خصوصا وأن الزراعة تتسبب أيضا في إطلاق حوالي 21 بالمائة من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميا، أي 82 بالمائة من انبعاثات إمدادات الغذاء، وبذلك يعد هدر الغذاء ثالث أكبر منتج للغازات المسببة للاحتباس الحراري بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
وعلى الصعيد العالمي، تشير الأرقام إلى أن حوالي ثلث الغذاء الذي يتم إنتاجه من أجل الاستهلاك البشري، يهدر أو يفقد، ويذهب إلى مدافن النفايات التي تفرز الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إذ تتسبب العملية في انبعاث أكثر من 3 مليارات طن من هذه الغازات سنويا، والتي تمثل عاملا رئيسيا في حدوث المشاكل المناخية التي تؤثر بشكل مباشر على موارد المياه، وزيادة نسبة التصحر، وتفاقم عدم القدرة على التنبؤ وزيادة خطورة الظواهر الجوية، مما يتسبب في إتلاف المحاصيل.
19 بالمائة من النفايات المنزلية مواد غذائية مبذرة
كشف أول تقرير جزائري صادر عن الوكالة الوطنية للنفايات، عن أن نسبة معتبرة من المواد الغذائية التي يتم شراؤها من قبل المواطن الجزائري تتم بشكل غير مدروس، وهو ما يؤدي لعدم وجود استهلاك حقيقي لها، وبالتالي تتحول إلى فائض يصبح في نهاية المطاف عبارة عن نفايات منتجة يتم توجيهها إلى مراكز الردم التقني.
وأفضت دراسة خاصة بالوكالة حول ظاهرة التبذير الغذائي لشهر رمضان من سنة 2019 على مستوى المناطق الوسطى، أن 19 بالمائة من النفايات المنزلية عبارة عن مواد غذائية مهدورة، وهي المعلومات ذاتها تقريبا التي تم التوصل إليها خلال نفس الشهر من سنة 2022 ، وفق المعطيات المتحصل عليها من مؤسسات الجمع ومراكز الردم التقني على مستوى ولاية الجزائر، بالرغم من تسجيل تراجع في رمي مادة الخبز بنسبة 11 بالمائة مقارنة بشهر رمضان 2021.
وسعيا منها لمحاربة التبذير الغذائي، أنجزت الوكالة الوطنية للنفايات دراسة وطنية اعتمدت أساسا على إجراء حملة كمية ونوعية لمختلف العناصر الغذائية، من خلال متابعة النمط الاستهلاكي لدى العائلات الجزائرية على المستوى الوطني، وهذا من أجل الحصول على مؤشرات وإحصائيات تمكن من اقتراح حلول وآليات للتقليل من المواد والأنواع الغذائية التي يتم رميها.
وقد شملت الدراسة 303 عائلات موزعة على 9 ولايات بعدد أفراد بلغ 1645 فردا، وتبين من خلال النتائج المسجلة بعد متابعة المشتريات ومختلف الأنواع الغذائية المبذرة خلال أسبوع كامل، أنه تم تبذير 8.65 بالمائة من مجموع الأغذية التي تم شراؤها، بمعدل 111غ من الأغذية يوميا للفرد الواحد، وحسب مقاربة للأنواع المبذرة من الطعام، تصدرت بقايا الطعام القائمة بـ38 بالمائة من مجموع ما يبذر، يليها الخبز بنحو 18 بالمائة، ثم الخضر والفواكه بـ12 بالمائة، متبوعة بباقي الأنواع.
* الخبيرة البيئية الدكتورة فاتن الليثي
الهدر يفرز غازات مسببة للاحتباس وهو مشكل جاد جدا
أكدت الخبيرة البيئية الدكتورة فاتن الليثي، أن هدر ورمي أطنان من الأغذية الصالحة للأكل بشكل يومي في مكبات النفايات، يحدث تأثيرات سلبية تنعكس بشكل مباشر على تغير المناخ، إذ يسبب التخلص من بقايا الطعام تعفنها وبالتالي تولد انبعاثات غازية مضرة خاصة غاز الميثان، الذي يعتبر من أقوى الغازات الدفيئة التي تزيد من تغير المناخ، كما يسبب حسبها، زيادة انبعاث الكربون والمواد الأخرى الملوثة والمضرة للبيئة.
وأوضحت الخبيرة، أن تعفن بقايا الطعام في مكبات النفايات يؤدي لتوليد حوالي 80 ضعفا من قوة ثاني أكسيد الكربون، بينما يعتبر تحويل مخلفات الطعام إلى طاقة حلا ذكيا للتعامل مع النفايات العضوية الزائدة، وهي أيضا فرصة عظيمة لتوليد الطاقة النظيفة متحدثة، عن تبني عديد الدول لإستراتيجية توليد الغاز الحيوي من نفايات الأطعمة، في إطار عملية تستخدم الميكروبات لتحليل نفايات الطعام وإنتاج الغاز الحيوي الذي يعتبر مصدرا للطاقة المتجددة، التي يمكن استخدامها لتشغيل المنازل والمصانع وحتى السيارات وبالتالي ضمان مستقبل مستدام.
وربطت أيضا، هدر الطعام بهدر المياه الصالحة للشرب من أجل محاصيل زراعية تنتهي في مكبات النفايات وأحيانا حتى قبل استهلاكها بداية من مصدر الإنتاج والجمع، وصولا إلى مستهلك يقتني مواد غذائية تفوق طاقته ويتركها تفسد ليرميها دون أن يستفيد منها، بينما تستنفد عملية إنتاج هذه الأغذية موارد طبيعية عالية القيمة.
موضحة، أن آخر الأبحاث والدراسات أثبتت أن 24 بالمائة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في نظام الغذاء العالمي تكون على طول سلسلة التوريد، بينما تم تقدير حجم إجمالي الخسائر والنفايات في جميع أنحاء العالم بمعدل 527 سعرة حرارية للفرد في اليوم الواحد، وهو ما ينتج عنه بحسب ما أفادت به محدثتنا، انبعاث غازات دفيئة من زراعة المحاصيل الغذائية التي لا تستهلك وتتحول إلى مواد عضوية متحللة، علما أن الفاقد من المواد الغذائية ومخلفاتها يقدر بحوالي 8 بالمائة من مجموع الانبعاثات عالميا.
هذا ما يسببه الطعام المبذر في مكبات النفايات
وعن الآثار السلبية التي تنتج عن هذه الغازات التي تفرزها بقايا الطعام، أوضحت الخبيرة والناشطة البيئية أنها عامل مسبب لتغيرات كبيرة في المناخ، إذ تعمل على وقف الحرارة المنبعثة من الشمس والمرتدة من سطح الأرض، و لا تسمح بنفاذها إلى خارج الغلاف الجوي، ليصبح معدل حرارة الأرض ملائما لظهور الحياة واستمرارها، إلا أن ارتفاع تركيز هذه الغازات في الغلاف الجوي خاصة منذ الثورة الصناعية وإلى غاية اليوم، تسبب وبشكل مباشر في ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.
كما أكدت الدكتورة، أن الأغذية المرمية تتسبب في إنتاج مليارات الأمتار المكعبة من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري كل سنة، والتي تمثل ثلث إجمالي الانبعاثات العالمية، منتقدة تأخر الدول والحكومات في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتقليل من هدر الطعام الذي يخلف مشاكل مناخية وصفتها بالكبيرة والخطيرة. مؤكدة، أن كل ذلك لا يؤثر على صحتنا فحسب، بل على البيئة أيضا، من خلال جملة الخطوات التي يمر بها بداية بمرحلة النمو إلى المعالجة وصولا إلى النقل والتوزيع والتحضير والاستهلاك والتخلص من البقايا أو من منتجات كاملة في بعض الأحيان، مؤكدة، أن كل خطوة من هذه الخطوات تولد غازات دفيئة إضافية مرتبطة بالغذاء من الزراعة واستخدام الأٍراضي.
وكحل لهذه الكوارث البيئية، دعت الخبيرة، إلى ضرورة التركيز على تغيير التعامل مع الغذاء في كل مراحله، ومن المنتج إلى المستهلك، كالاعتماد على النظم الغذائية الغنية بالنباتات، والتقليل من الأطعمة الحيوانية كاللحوم والحليب، إلى جانب الاعتماد على الأعلاف المحسنة وتقنيات الأغذية المستحدثة في تخفيض كمية انبعاثات الميثان أثناء هضم الماشية والغازات التي يطلقها السماد أثناء تحلله، إلى جانب أهمية توعية المستهلك باقتناء و طهو ما يعادل حاجته فقط من الطعام وتفادي رمي كميات تزيد عن ذلك في المزابل.
* المهندسة الفلاحية هجيرة بلغربي
إنتاج المحاصيل يكلف مبالغ طائلة ومن غير المنطقي هدرها
انتقدت المهندسة الزراعية بمديرية المصالح الفلاحية لولاية البليدة، هجيرة بلغربي، ظاهرة تبذير الغذاء لدى الأسر الجزائرية، وتساءلت عن المنطق في رمي وهدر كميات هائلة من الأغذية التي تصرف لأجل إيصالها للمستهلك، لتبذر كميات هامة منها في مكبات النفايات.
وأوضحت المهندسة، أن اتباع المسار التقني سواء في زراعة البقوليات أو الخضر والفواكه الموسمية يكلف ميزانية كبيرة، تبدأ من البذور وصولا إلى عملية المتابعة والحصاد أو الجمع، مشيرة في ذلك إلى البقوليات التي لا تزال من بين الشعب التي لم تحقق فيها الدولة الاكتفاء الذاتي بعد، ويتم الاعتماد في زراعتها على بذور تصرف أموالا كبيرة لشرائها، علما أن الدولة الجزائرية قد منحتها هذا العام مجانا للفلاحين تعويضا عن الأضرار التي لحقتهم الموسم الفارط. متحدثة أيضا عن سياسة الدولة القائمة على تدعيم المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع كالحليب، إلى جانب رعاية وتربية الأبقار، ليصل المنتوج لمستهلك يرمي كميات مهمة منه في مكبات النفايات.
وأكدت المختصة، أن أي منتوج يصل للمستهلك يكون قد كلف الدولة والمنتج أموالا كبيرة، إلى جانب تحمل تأثيرات التغيرات المناخية على المحاصيل خاصة خلال السنوات الأخيرة التي يعاني فيها الفلاح من مشاكل المناخ والظواهر غير الفصلية، منتقدة سلوكيات مواطنين قالت إنهم يجهلون صعوبة سلسلة الإنتاج وما يتم صرفه، والجهود المبذولة من أجل غذاء ينتهي في المزابل دون شعور بأدنى حد من المسؤولية بحسب تعبيرها. إ.ز
قراءة في تقرير اليونيسكو حول حالة المحيطات
هل يؤثر الاحترار العالمي على حوض المتوسط وشمال إفريقيا؟
* تضاعُف معدل احترار المحيطات خلال 20 عاماً
ساهم أكثر من 100 عالم من 30 بلداً تقريباً في إعداد تقرير اليونيسكو المعني بحالة المحيطات لعام 2024، والذي يُسلط الضوء على بيانات جديدة تُثير القلق بشأن المخاطر المحدقة بالمحيطات.
ويقدّم هذا التقييم العالمي، الذي تسنى نشره بدعم من آيسلندا، تحليلاً قائماً على الأدلة للتحديات الواجب مواجهتها، مثل احترار المحيطات وارتفاع مستوى سطح البحر والتلوث وتحمض المحيطات ونزع الأوكسجين والكربون الأزرق وفقدان التنوع البيولوجي. نشير هنا إلى أن الكربون الأزرق هو الكربون الذي يتم عزله وتخزينه وإطلاقه بواسطة النظم البيئية الساحلية والبحرية، مثل أشجار المانغروف والمستنقعات المالحة والأعشاب البحرية، ولها دور مهم في عزل الكربون وتخزينه على المدى الطويل، مما يساعد على تقليل آثار تغير المناخ.
كما يكشف التقرير بأن درجات حرارة المحيطات تشهد ارتفاعاً مطرداً، حيث ارتفعت بمعدل يضاهي ضعف معدل ارتفاعها قبل 20 عاماً. وقد سُجل عام 2023 أحد أعلى معدلات ارتفاع درجات الحرارة منذ الخمسينيات. وعلى الرغم من أن اتفاق باريس يهدف إلى الإبقاء على الاحترار العالمي أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، إلا أن درجات حرارة المحيطات ارتفعت بمعدل 1.45 درجة مئوية في المتوسط، متجاوزة سقف الدرجتين المئويتين في «المناطق شديدة التأثر» مثل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي الاستوائي والمحيط الجنوبي.
إحدى العواقب الرئيسية للاحترار العالمي هي ارتفاع مستوى سطح البحر، حيث تمتص المحيطات 90 ٪ من الحرارة الزائدة المنبعثة في الغلاف الجوي. هذا الامتصاص يؤدي إلى تمدد المياه وارتفاع منسوبها، مما يسهم بنسبة 40 ٪ في زيادة ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي، الذي تضاعف خلال العقود الثلاثة الماضية ليصل إلى 9 سنتيمترات.
وقد فقدت المحيطات منذ ستينيات القرن الماضي 2 ٪ من الأوكسجين نتيجة ارتفاع درجات الحرارة والملوثات مثل مياه الصرف الصحي والمخلفات الزراعية. هذا الفقدان يؤثر بشكل كبير على المناطق الساحلية، حيث تجد الكائنات الحية نفسها تكافح للبقاء على قيد الحياة. وقد حُددت حوالي 500 «منطقة ميتة» تفتقر إلى الأوكسجين الكافي لدعم الحياة البحرية.
كما تشكل زيادة نسبة الحموضة في المحيطات مصدر قلق رئيسي، حيث تمتص المحيطات من 25 إلى 30 % من الانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري. هذه الوفرة المفرطة من ثاني أكسيد الكربون تغير التركيب الكيميائي للمحيطات. وقد ارتفعت نسبة حموضة المحيطات بمقدار 30 % منذ ما قبل الحقبة الصناعية، ومن المتوقع أن تصل إلى 170 % بحلول عام 2100. هذه التغيرات تؤثر بشكل خاص على الأنواع الحية الساحلية، حيث تواجه الأجيال الصغيرة من الحيوانات والنباتات صعوبة في التأقلم مع هذه التغيرات، مما يؤدي إلى موتها بصورة جماعية.
الكربون الأزرق والمناطق البحرية المحمية.. بارقة أمل
تُعد الغابات البحرية مثل غابات المانغروف ومروج الأعشاب البحرية والمستنقعات المتأثرة بحركة المد والجزر من أفضل الحواجز ضد الاحترار العالمي. هذه الغابات البحرية يمكنها امتصاص كميات من الكربون تفوق بخمس مرات تلك التي تمتصها الغابات على اليابسة، وتمثل ملاذاً حيوياً للتنوع البيولوجي. ومع ذلك، تشير اليونسكو إلى أن حوالي 60 % من البلدان لا تدرج استصلاح الغابات والحفاظ عليها في خططها الوطنية.
المناطق البحرية المحمية معروفة بحمايتها للتنوع البيولوجي، حيث تتوفر على 72 % من الأنواع البحرية المهددة بالانقراض. تثبت بيانات اليونيسكو أنه كلما كان مستوى الإجراءات التنظيمية أعلى في هذه المناطق، كانت فعاليتها أكبر في حماية النظم الإيكولوجية المحلية.
جهود اليونيسكو لحماية المحيطات
تتولى اليونيسكو قيادة عقد الأمم المتحدة لعلوم المحيطات من أجل التنمية المستدامة (2021-2030)، وقد أُطلق منذ بداية هذا العقد أكثر من 500 مشروع عالمي، وجرت تعبئة أكثر من مليار دولار أمريكي لتعزيز المعرفة وحماية المحيطات. تدعم المنظمة عشرات برامج التعاون العلمي في جميع أنحاء العالم، والتي تشمل مشاركة البيانات، ورسم خرائط دقيقة لقاع البحار، والوقاية من الكوارث الطبيعية، والبحث عن حلول مبتكرة لحماية النظم الإيكولوجية.
عبر أكثر من 230 محمية من محميات المحيط الحيوي البحرية، وأكثر من 50 موقعاً بحرياً مدرجاً في قائمة التراث العالمي، تقوم اليونيسكو بحماية مواقع فريدة من نوعها في المحيطات تعتبر موئلاً لتنوع بيولوجي هام.
يؤثر الاحترار العالمي للمحيطات وتغير المناخ بشكل كبير على حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا. فيما يلي نلخص بعض التأثيرات الرئيسية التي يمكن أن تحدث في منطقتنا نتيجة الاحترار العالمي وتغير المناخ:
ارتفاع درجات حرارة مياه البحر المتوسط: يؤدي ارتفاع درجات حرارة مياه البحر إلى تغييرات في الأنظمة البيئية البحرية، مما يؤثر على توزيع ونمو الكائنات البحرية، فهي حساسة للتغيرات الحرارية وقد تواجه صعوبة في البقاء على قيد الحياة أو قد تنتقل إلى مناطق أخرى بحثًا عن بيئات أكثر برودة.
أما ارتفاع مستوى سطح البحر، فهو يؤدي إلى غمر المناطق الساحلية، مما يهدد المدن والمناطق السكنية والزراعية القريبة من الشواطئ. كما يزيد من خطر الفيضانات الساحلية وتآكل الشواطئ، مما يؤثر على البنية التحتية الساحلية والنشاطات الاقتصادية مثل السياحة والزراعة.يتمثل الجانب الثاني من التأثيرات في انخفاض مستويات الأوكسجين، مما يسبب ضغوطًا كبيرة على الكائنات البحرية، خاصة في المناطق الساحلية، إلى جانب تشكّل «مناطق ميتة» حيث يكون الأوكسجين غير كافٍ لدعم هذه الحياة البحرية.
كما أن هناك مخاطر بزيادة حموضة المحيطات، فهي تؤثر على الحياة البحرية، خاصة الأنواع التي تعتمد على الكالسيوم لبناء أصدافها وهياكلها مثل الشعب المرجانية والقواقع. أما الأنواع الصغيرة والضعيفة فتكون أكثر عرضة للتأثر، مما يؤثر على السلسلة الغذائية البحرية بأكملها.
التأثير على المناخ المحلي: يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات حرارة البحر إلى تغييرات في الأنماط المناخية المحلية، مما يؤثر على هطول الأمطار وتوزيعها. وحسب آخر الأبحاث العلمية المنشورة فإن المناطق الشمالية من إفريقيا ستعاني من فترات جفاف أكثر حدة وتغيرات في الأنماط الزراعية، مما يؤثر على الأمن الغذائي والمائي. تأثيرات اجتماعية واقتصادية: يعتمد العديد من سكان حوض البحر المتوسط وشمال إفريقيا على الموارد البحرية والزراعية في معيشتهم. التغيرات في البيئة البحرية والزراعية يمكن أن تؤدي إلى فقدان الوظائف وانعدام الأمن الغذائي. كما يمكن أن يزيد ذلك من حدة الهجرة البيئية، حيث قد يضطر الناس إلى الانتقال من مناطقهم بسبب تدهور الظروف البيئية، خاصة المناطق الحدودية الجنوبية على مستوى دول الساحل الأفريقي.
جهود التكيف والتخفيف
تُبذل جهود دولية ومحلية لمحاولة التكيف مع هذه التغيرات والتخفيف من آثارها، وتشمل تعزيز المناطق البحرية المحمية، استصلاح الغابات البحرية مثل المانغروف والأعشاب البحرية، تطوير بنية تحتية مقاومة للفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر، إضافة إلى تعزيز التعاون العلمي والبحثي لفهم أفضل للتغيرات المناخية وتطوير حلول مستدامة.
يمثل الاحترار المستمر للمحيطات تحدياً كبيراً أمام الجهود العالمية للحد من تأثيرات التغير المناخي. ومن الواضح أن الاحترار العالمي وتغير المناخ لهما تأثيرات كبيرة ومتعددة على حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا، مما يستدعي اتخاذ إجراءات فورية ومستدامة للتكيف والتخفيف من هذه التأثيرات. بالرغم من ذلك، فإن الإجراءات الفعالة مثل استصلاح الغابات البحرية، وحماية المناطق البحرية المحمية، والتعاون العلمي الدولي، توفر بارقة أمل للحفاظ على النظم البيئية البحرية وتحقيق التنمية المستدامة.
* للمقال مصادر