
تشكل الطيور المهاجرة إحدى أعظم الظواهر الطبيعية على كوكب الأرض، إذ تقطع آلاف الكيلومترات عبر القارات بحثا عن موائل آمنة وغذاء وفير، دون أن تدري أنها تؤدي في طريقها أدوارا بيئية حاسمة تسهم في حفظ توازن النظم البيولوجية، وفي استمرار دورة الحياة على هذا الكوكب.
رضا حلاس
من آسيا إلى إفريقيا، ومن أوروبا إلى سواحل المتوسط، تتحول السماء مرتين في السنة (شهر ماي وأكتوبر) إلى مسرح مفتوح لهجرات جماعية مذهلة، هذه الرحلات ليست مجرد انتقال موسمي، بل عملية بيئية منظمة تساهم في نقل الطاقة والمواد الغذائية عبر الأنظمة البيئية المختلفة، من الشمال البارد إلى الجنوب الدافئ.وتعتبر الجزائر، وبخاصة ولاية قسنطينة، محطة أساسية في هذه الرحلات، حيث توفر السدود والأودية والأراضي الرطبة بيئة ملائمة لاستراحة الطيور وتكاثر بعضها. وبحسب إحصائيات جمعيات بيئية على غرار «أكوا سيرتا»، تستقبل الولاية عشرات الأنواع من الطيور المائية والمهاجرة، من بينها البط البري، البط الغطاس، الغطاس الأسود العنق، فضلا عن طيور الجوارح العابرة.
تلعب الطيور المهاجرة دورا محوريا في تحقيق التوازن البيولوجي بفضل مساهمتها في عدة وظائف طبيعية، إذ تساعد في مكافحة الآفات الزراعية بتغذيها على الحشرات الضارة، مما يقلل من الحاجة إلى المبيدات الكيماوية، كما تساهم في نثر البذور عبر تنقلها لمسافات بعيدة بعد تغذيها على الثمار، فتجدد الغطاء النباتي وتثري تنوع الغابات.

وتؤدي الطيور المائية دورا مهما في تحسين جودة المياه من خلال تحريك المواد العضوية في المستنقعات والبحيرات، ما يعزز خصوبة الأنظمة المائية، في حين يضمن وجودها توازن السلسلة الغذائية واستمرارية العلاقة الطبيعية بين المفترسات والفرائس. غير أن هذا التوازن الحيوي بات مهددا اليوم بفعل التلوث الصناعي والعمراني، وتراجع المساحات الخضراء، والصيد غير الشرعي، فضلا عن التغيرات المناخية التي أربكت مواعيد الهجرة وأثرت على مصادر الغذاء، ويحذر مختصون من أن اختفاء هذه الطيور من بعض المسارات قد يؤدي إلى خلل بيئي طويل الأمد، خاصة في المناطق الرطبة التي تعتمد على نشاطها الحيوي.
حماية جماعية للموروث الطبيعي
تلعب الجمعيات البيئية في قسنطينة، على غرار «إيكوا سيرتا»، وهي جمعية ولائية ذات طابع بيئي وعلمي، الناشطة منذ سنة 2006 في مجال التنوع البيولوجي والحفاظ على البيئة، دورا محوريا من خلال خبرتها الميدانية على دراسة الطيور المهاجرة في ولاية قسنطينة، وتوثيق أهم المعطيات المتعلقة بمساراتها وأماكن استقرارها ودور العوامل الطبيعية والبشرية في حياتها.
وتعد ولاية قسنطينة محطة رئيسية ضمن مسارات الهجرة الكبرى للطيور بفضل موقعها الجغرافي المميز في شمال شرق الجزائر، حيث تشكل همزة وصل طبيعية بين أوروبا وأفريقيا عبر الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط.
وتوفر الولاية تنوعا بيئيا فريدا يجمع بين الموارد المائية الغنية كالسدود والأودية والأراضي الرطبة، والتضاريس المتنوعة التي تشمل الجبال والتلال والأودية العميقة، ما يجعلها محطة مثالية للراحة والتغذية قبل مواصلة الرحلة الطويلة.
ويؤكد لطفي بن دحمان، رئيس جمعية إيكوا سيرتا «للنصر» أن تضاريس قسنطينة تلعب دورا مهما في تسهيل حركة الطيور المهاجرة، إذ توفر الجبال والأودية تيارات هوائية تساعد الطيور الجارحة على التحليق لمسافات طويلة دون مجهود كبير، كما أن المناخ المتوسطي السائد، بفصوله المعتدلة وتنوعه النباتي الواسع، يتيح للطيور العثور بسهولة على الغذاء والمأوى خلال فترات الهجرة.
وتعتبر الموارد المائية عاملا أساسيا في جذب مختلف الأنواع، فالبرك والسدود والأراضي الرطبة تؤمن الماء والغذاء والملاذ الآمن، لتستفيد الطيور المائية من الأسماك والرخويات والحشرات، بينما تجد الطيور الصغيرة في المناطق المحيطة بالمياه مكانا مثاليا للراحة والتغذية.
تنوع غني في الطيور المهاجرة يعبر سماء قسنطينة سنويا
تسجل جمعية «إيكوا سيرتا» سنويا، حسب بن دحمان، مرور واستقرار عدد كبير من الطيور المهاجرة في ولاية قسنطينة، خصوصا الطيور المائية التي تستخدم السدود والأودية كمحطات توقف واستراحة خلال رحلاتها الطويلة.
ومن بين الأنواع الأكثر شيوعا ذكر البط البري، البط الغطاس، الغطاس أسود العنق، اللقلق الأبيض، واللقلق الأسود، إضافة إلى طيور الخواضات (طيور طوال الساق)،وطيور الكركي وطيور الطيطوي الصغير، والطيور الجارحة كالصقر الجوال والحدأة السوداء، إلى جانب الطيور المغردة الصغيرة كالسُنونوات. وتسجل ذروة العبور الربيعي عادة من شهر فيفري إلى شهر ماي، حيث تعود الطيور من إفريقيا نحو أوروبا، بينما تبدأ الهجرة الخريفية من شهر أوت إلى نوفمبر، عندما تتجه الطيور نحو الجنوب استعدادا لفصل الشتاء، كما تستقر بعض الأنواع شتاء في المنطقة بفضل المناخ المعتدل وتوفر المياه، ومنها أنواع البط مثل الغطاس أسود الرقبة الذي يجد في بيئة قسنطينة ملاذا آمنا خلال الموسم البارد.
سدود قسنطينة وأوديتها.. ملاذ طبيعي للطيور المهاجرة
من خلال أعمال الرصد التي قامت بها جمعية «إيكوا سيرتا»، أكد لطفي أن السدود تعد من أبرز المواقع الطبيعية التي تستقطب الطيور المهاجرة في ولاية قسنطينة، لما توفره من مساحات مائية واسعة وبيئة آمنة للراحة والتغذية، ويعد كل من سد الملاح، وسد الهرية ببلدية ابن باديس، وسد برلة ببلدية عين اسمارة من أهم هذه المحطات، حيث تسجل فيها سنويا أعداد كبيرة من الطيور المائية واللقالق بمختلف أنواعها.
كما يشكل واد الرمال بدوره ممرا طبيعيا رئيسيا في مسار العديد من الطيور المغردة والحوامات أثناء عبورها للمنطقة، بفضل امتداده الواسع وتنوع غطائه النباتي الذي يوفر مأوى وغذاء لهذه الطيور خلال رحلاتها الطويلة، وتبرز هذه المواقع مجتمعة كشبكة بيئية متكاملة تؤكد الدور الحيوي الذي تلعبه قسنطينة في حماية التوازن الطبيعي ودعم التنوع البيولوجي على مستوى مسارات الهجرة بين القارات.
العوامل البشرية.. تهديد متزايد لمسارات الطيور المهاجرة في قسنطينة
ويؤكد رئيس الجمعية، أن الطيور المهاجرة تواجه في قسنطينة عدة تهديدات بشرية تؤثر على مساراتها واستقرارها، أبرزها فقدان المواطن الطبيعية بسبب التوسع العمراني الذي يقلص من المساحات الخضراء والمناطق الرطبة الضرورية لتغذيتها وراحتها.
كما يشكل التلوث الناتج عن النفايات والمبيدات الزراعية خطرا مباشرا على صحة هذه الطيور وعلى توازن النظم البيئية التي تعتمد عليها.
وتعد الإضاءة الليلية من العوامل الحديثة التي تضلل الطيور أثناء الهجرة، فتربك اتجاهاتها الطبيعية وتزيد من خطر الاصطدام بخطوط الكهرباء أو المباني العالية، هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى انخفاض أعداد بعض الأنواع وتراجع تنوعها في عدة مواقع، ما يعكس الحاجة الملحة إلى تعزيز برامج الحماية البيئية والتخطيط العمراني المستدام للحفاظ على هذا الموروث الطبيعي الثمين.
وأضاف، أن الجمعية تعتمد على منهجية علمية دقيقة في مراقبة الطيور المهاجرة، منها التعداد الدوري في النقاط الثابتة، والمسح على طول المحاور المائية، ورصد التجمعات في السدود، كما توثق الجمعية البيانات عبر التصوير والمراقبة البصرية، وتصدر تقارير دورية تتضمن قوائم الأنواع وأعدادها حسب المواقع والفصول.
تعاون علمي واسع وتحديات ميدانية تواجه مراقبة الطيور في قسنطينة
تقيم جمعية «إيكوا سيرتا» علاقات تعاون مثمرة مع كل من مديرية البيئة، ومديرية الغابات، ومراكز البحث، من خلال تبادل الخبرات والبيانات وتنظيم حملات مشتركة للرصد والتوعية، كما أكد لطفي، أنها تستقبل طلبة باحثين من الجامعات للمشاركة في أعمال المراقبة الميدانية وإعداد الدراسات العلمية حول التنوع البيولوجي المحلي.
وتشارك الجمعية أيضا حسبه، في برامج وطنية لمراقبة الطيور المائية والهجرة الفصلية، وتتبادل البيانات مع الشبكات الإقليمية المرتبطة ببرامج المراقبة في حوض البحر الأبيض المتوسط، كما تسعى إلى الانخراط في مشاريع دولية تهدف إلى تتبع الطيور المهاجرة وتحليل أنماط الهجرة على نطاق أوسع.
غير أن هذا العمل الميداني يواجه عدة تحديات، أبرزها نقص الإمكانيات اللوجيستية والمعدات التقنية الحديثة، إضافة إلى صعوبة الوصول إلى بعض المواقع الطبيعية بسبب طبيعتها الجغرافية أو لكونها ملكيات خاصة، كما تشكل ضعف الوعي البيئي وخطورة الصيد غير القانوني والتلوث تحديات إضافية، تعمل الجمعية على تجاوزها عبر العمل التطوعي وتعزيز الشراكات المحلية لنشر ثقافة الحفاظ على الطيور ومواطنها الطبيعية.
نشر الوعي البيئي وتعزيز المشاركة المجتمعية لحماية الطيور المهاجرة
تركز جمعية «إيكوا سيرتا» على الجانب التوعوي من خلال تنظيم أيام إعلامية وورشات تربوية في المدارس والجامعات، إضافة إلى حملات تحسيسية عبر وسائل الإعلام لتعزيز ثقافة حماية الطيور المهاجرة.
كما تعمل الجمعية على إشراك المواطنين في عمليات المراقبة الميدانية ضمن ما يعرف ببرامج «علم المواطن»، بهدف تشجيع الجميع على المساهمة في حماية التنوع البيولوجي، وتخطط حسب ما أوضح بن دحلان، لإطلاق عدة مبادرات مستقبلية تشمل إنشاء محطات رصد دائمة في المواقع الرئيسية، وإعادة تأهيل بعض الأراضي الرطبة المتدهورة، إلى جانب إعداد برامج تدريب للشباب في مجال مراقبة الطيور. كما تهدف إلى تعزيز التعاون مع الهيئات البيئية لتطوير استراتيجية محلية شاملة لحماية الطيور المهاجرة.
ويؤكد رئيس الجمعية، أن حماية الطيور المهاجرة ليست مسؤولية المؤسسات البيئية فقط، بل واجب جماعي يتطلب تضافر جهود الجميع، وفي هذا الإطار، تدعو الجمعية السلطات المحلية إلى دعم المشاريع العلمية والبيئية، وتحسين إدارة الموارد المائية، وحماية المواطن الطبيعية، كما تدعو المواطنين إلى احترام البيئة والمساهمة في الحفاظ على هذا التراث الطبيعي الذي يمثل ثروة للأجيال القادمة.
من خلال هذا العمل، تؤكد جمعية «إيكوا سيرتا» التزامها بمواصلة جهود البحث والرصد والتوعية، إيمانا منا بأن حماية الطيور المهاجرة جزء لا يتجزأ من حماية النظم البيئية في الجزائر، ودعامة أساسية للتنمية المستدامة والتوازن الطبيعي.
ر.ح
في ظل أزمة الندرة التي تواجه العالم: تحلية المياه في الجزائر خيار استراتيجي بتحديات بيئية واقتصادية

أدت التغيرات المناخية إلى أزمة مياه عالمية، على خلفية الاحتباس الحراري، وتغير أنماط الهطول، وذوبان الأنهار الجليدية، ويؤكد الخبراء أن آثارها كبيرة ومتتالية وتمس النظم البيئية، والاقتصادية والاجتماعية لمختلف دول العالم وبشكل خاص دول إفريقيا والشرق والأوسط.
ويشكل الحصول على المياه العذبة معضلة حقيقية، فهي نادرة جدا ولا تتجاوز 3 بالمائة من النسبة الإجمالية للمياه على الأرض، على الرغم من أن الماء عموما يغطي 70 بالمائة من الكوكب، وذلك لأن ثلث المياه العذبة مخزن في الأنهار الجليدية المتجمدة وغير متاح.
وتكشف هيئة الأمم المتحدة، أن شح المياه يمس اليوم حوالي 2 مليار شخص حول العالم، فيما يشير آخر تقرير لصندوق النقد الدولي إلى تراجع وفرة المياه بفعل تطرف المناخ واضطراب أنماط هطول الأمطار، ما أدى إلى انخفاض الموارد بنسبة 20 بالمائة منذ عام 1900.
ومن المتوقع حدوث انخفاض إضافي بنسبة 10 إلى 40 بالمائة في السنوات القادمة، كما أن سوء إدارة الأراضي والظواهر الجوية المتطرفة يفاقمان الفيضانات والانهيارات الأرضية، مما يؤثر بشدة على البنية التحتية للمياه.
إيمان زياري
rالخبيرة في شؤون المناخ
زينب مشياش
استمرار الجفاف يهدد التنوع الإيكولوجي
حذرت الخبيرة في الشؤون المناخية، الأستاذة زينب مشياش من تأثيرات أزمة المياه على البيئة، والإنسان، وحتى الاقتصاد وأكدت، أن نقص المياه يسبب الجفاف بالنسبة للمياه السطحية والجوفية، ما ينعكس على كل أشكال الحياة، ويتسبب في تراجع الغابات والمراعي، وتقلص المساحات الخضراء، وزيادة التصحر في دول العالم بما في ذلك الجزائر.
وأوضحت الخبيرة، أن استمرار الجفاف على المدى الطويل سيهدد الكثير من الحيوانات بالانقراض، خاصة التي تعتمد على المواد العذبة، كما حذرت من نقص في الإنتاج الزراعي، وقالت إن الجزائر على سبيل المثال، لديها العديد من المحاصيل التي تعتمد اليوم على مياه الأمطار القليلة والمتذبذبة مما يتسبب في ارتفاع الخسائر في المحاصيل.
وأشارت محدثتنا، إلى أن شح المياه يهدد صحة الإنسان بفعل انتشار الأمراض الناجمة عن المياه الملوثة، كما أن نقص المياه يزيد من ارتفاع درجات الحرارة لكون الجفاف يضاعف التبخر.
كما يعرض الوضع الغابات للحرائق بشكل أكبر، ويمس الاقتصاد والقطاعات التي تعتمد كثيرا على المياه وفي مقدمتها الزراعة والصناعة والطاقة، خاصة في البلدان التي تعتمد على الطاقة الكهرومائية.
تغير حاد في أنماط الهطول
وأكدت الأستاذة مشياش، أن العالم يعاني وبشكل كبير من تغير في أنماط الهطول، خاصة بلدان الجنوب التي تعتبر أكبر متضرر نتيجة لنقص حاد في الأمطار، بينما تتعرض مناطق أخرى إلى أمطار غزيرة وفي فترات قصيرة ما يسبب الفيضانات. وكل ذلك ناتج عن التغيرات المناخية وسيؤثر على المياه العذبة، ويزيد من الأعاصير في المحيطات.
الخبيرة تطرقت أيضا، إلى ذوبان الأنهار الجليدية وكيف سيزيد من ارتفاع مستوى البحار، ويتسبب في غمر السواحل والأراضي الزراعية وتآكل السواحل وغيرها. كما أنه سيؤثر حسبها على تغير النظم البيئية وذلك لعدم قدرة النباتات والكائنات على التكيف السريع مع هذه التغيرات، ومنه صعوبات في التأقلم مع التغيرات المناخية وبالتالي تأثيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
وعن الحلول، ركزت المتحدثة على أهمية تنفيذ اتفاق باريس لتغير المناخ، وذلك عبر التقليل من الانبعاثات الدفيئة، بحيث تطالب البلدان بتقديم تعهدات والتزامات لتحقيق ذلك، سواء عبر التوجه نحو الطاقات المتجددة، أو اعتماد كفاءة الطاقة في المباني، أو خيارات أخرى مستدامة وآمنة للكوكب.

وأشارت، إلى أهمية التكيف في القطاعات الحساسة لكل دولة كالزراعة، والصحة، والمياه، والغابات مثل الجزائر، هذه الأخيرة اختارت حلا وصفته بالجيد كتحلية مياه البحر، وكذا حلول أخرى تركز على معالجة المياه المستعملة واستعمالها في الزراعة وغيرها من الطرق التي تضمن التأقلم والتكيف مع مشاكل المياه، كما تقوم به الجزائر بناء على نص قانون 2024. مشددة أيضا على دور التوعية الاجتماعية.
rالخبيرة في الانتقال الطاقوي سعيدة مخلوفي
التحلية تحد كبير لضمان الأمن المائي
من جهتها، قالت الخبيرة في الانتقال الطاقوي والباحثة في مركز تطوير الطاقات المتجددة، الدكتورة سعيدة مخلوفي، إن الجزائر من الدول الأكثر معاناة من أزمة المياه بسبب مناخها الجاف وشبه الجاف وقد تفاقم الوضع بفعل تغير المناخ والنمو السكاني.
وأرجعت الدكتورة مخلوفي، أزمة المياه إلى عوامل مختلفة، يأتي في مقدمتها الإجهاد المائي، إلى جانب أهم عامل والمتمثل في تغير المناخ وانخفاض معدلات الأمطار وتراجع مخزون السدود خصوصا في الشمال الغربي “حوض تافنة».
وذكرت أيضا النمو السكاني كأحد العوامل، خاصة وأنه من أمن من المتوقع ارتفاع عدد السكان من 43.9 مليون في 2020 إلى 52.3 مليون في 2030. ما يزيد الضغط على الموارد المحدودة. وتسبب حسبها مظاهر التحضر والتصنيع في زيادة المشكل فالتوسع العمراني والصناعي على السواحل أدى إلى ارتفاع الطلب على المياه في الاستخدامات المنزلية، والزراعية والصناعية.
ومن الأسباب كذلك، الاستغلال المفرط للمياه الجوفية، نتيجة لانتشار الري الخاص والذي أدى إلى استنزاف الأحواض الجوفية وانخفاض منسوب المياه، مما يهدد الأمن المائي طويل الأمد.
استجابة واسعة وطموحة
وترى الباحثة، أن كل هذه العوامل، دفعت بالجزائر للاستجابة، أين شرعت الحكومة في برنامج طموح لتوسيع تحلية مياه البحر بوصفها استراتيجية رئيسية لتخفيف حدة الندرة وضمان الأمن المائي، حيث انطلقت تجربة تحلية المياه في أوائل الألفية الجديدة مع إنشاء 21 محطة صغيرة لتحلية مياه البحر بتقنية التناضح العكسي سنة 2002. بطاقة إنتاجية إجمالية قدرها 57,500 م³/يوم لتزويد نحو 300 ألف نسمة. وفي عامي 2004–2005، أطلقت الجزائر أول محطة تحلية كبرى في العاصمة الجزائر، بهدف تنويع مصادر مياه الشرب وتلبية الطلب الساحلي.اليوم، تضم الجزائر 12 محطة قيد التشغيل بطاقة إجمالية 2.2 مليون م³/سنة “حوالي 18 ٪ من إمدادات مياه الشرب الوطنية»، مع مشاريع جديدة قيد الإنجاز بطاقة إضافية قدرها 300,000 م³/يوم
سياسة حكيمة ببعد مستدام
ترى الدكتورة مخلوفي، أن السياسة المائية الجزائرية ترتكز على تنويع المصادر بما يتلاءم مع اختلاف المناطق، وقد تم تبني برنامج واسع لإنشاء محطات تحلية بسعات تتراوح بين 50,000 إلى 500,000 م³/يوم على طول الساحل الجزائري، وذلك لتلبية الحاجات السكانية والزراعية وضمان الأمن الغذائي.ولأن للجزائر نظرتها المستقبلية في مواصلة عملها من أجل ضمان أمنها المائي، تتحدث مخلوفي، عن تخطيط الحكومة لإنشاء 6 محطات تحلية جديدة بطاقة متوسطة تبلغ 300,000 م³/يوم لتغطية حاجات الشمال وضمان إمدادات زراعية مستقرة.كما تفكر في تحلية المياه المالحة في الجنوب، مشيرة في ذلك إلى شركة المياه الجزائرية “ADE” التي تدير 24 محطة لتحلية المياه الجوفية المالحة في الجنوب الجزائري لمعالجة نوعيتها مرتفعة الملوحة ودرجات حرارتها العالية، ضمن سياسة تعزيز الأمن المائي الوطني.
وقد صادق مجلس الوزراء مؤخرا، على قرار اقتناء الجزائر لثلاث محطات جديدة لتحلية مياه البحر، بحيث ستكون في ولايات الشلف ومستغانم، وتلمسان، بطاقة إنتاجية تقدر بـ300 ألف متر مكعب يوميا لكل محطة. وفي هذا السياق، أمر رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بإنجاز دراسات علمية دقيقة حول المعدلات الحقيقية لاستهلاك الماء الصالح للشرب وخصوصيات كل منطقة، خاصة فيما يتعلق بتقلبات التساقطات المطرية، بحيث أكد الرئيس أنها يجب أن تكون دراسات استشرافية تجنب مخاطر الكوارث البيئية وخاصة استنزاف المياه الجوفية مما يهدد الأمن المائي.
تحديات تفرض الانتباه
وتؤكد الخبيرة، أن التحلية تمثل حلا استراتيجيا لمواجهة أزمة المياه في الجزائر، إلا أنها تواجه تحديات أهمها الاستهلاك العالي للطاقة والتأثيرات البيئية الناتجة عن تصريف المحلول الملحي، بما يستوجب العمل بشكل ممنهج ومتكامل لإدارة المياه من خلال الجمع بين تحلية المياه، وترشيد الاستهلاك، وتحسين الري، وإعادة استخدام المياه المستعملة، وكذا استخدام الطاقات المتجددة في تشغيل المحطات.
وأكدت، أن الجزائر اعتمدت على تحلية مياه البحر كخيار استراتيجي لضمان الأمن المائي في ظل ندرة الموارد وتغير المناخ والنمو السكاني، وعلى الرغم من أن التحلية توفر مصدرا موثوقا للمياه، إلا أنها تظل مكلفة بيئيا واقتصاديا، ما يتطلب مقاربة شاملة ومستدامة تعتمد على الطاقات النظيفة والإدارة الرشيدة للمياه لضمان مستقبل مائي آمن ومتوازن.
إ.ز