حمل نزول قيادات أركان الأحزاب السياسية إلى معترك الحملة الانتخابية، نهاية الأسبوع الجاري، دعوات عامة إلى ضرورة توسيع صلاحيات المنتخب المحلي و إقرار نظام اللامركزية في تسيير شؤون الجماعات المحلية التي تشكل الهاجس الأكبر للسلطات المركزية التي وجدت نفسها في كثير من الأحيان في مواجهة قضايا محلية هي من صميم مهام المنتخب المحلي في الأعراف الديمقراطية.
وليس من الصدفة أن تشترك في الدعوة إلى منح المزيد من الصلاحيات للمنتخب البلدي و الولائي، الأحزاب المشاركة في الحكم مركزيا و محليا أو تلك الأحزاب التي تحسب نفسها على المعارضة مركزيا و لكنها تشارك في إدارة و تسيير العديد من المجالس البلدية و الولائية.
و تأتي هذه النظرة الجديدة للدور المنتظر لممثلي الشعب على الصعيد المحلي مستقبلا، خاصة بأعين الأحزاب التي تبحث عن تسجيل نجاحات انتخابية جديدة تمكنها من الارتقاء إلى فئة أحزاب الدرجة الأولى التي تسمح لها بقول كلمتها في المواعيد الانتخابية القادمة و هي تتكئ على قاعدة محلية تمكنها من تجنيد و استمالة المواطن .
و إذا كانت أحزاب الموالاة تتحرك في تناغم مع رؤية السلطات العمومية بضرورة ترقية مهام و صلاحيات المنتخب المحلي و تحميله أعباء الأزمة و مسؤوليات إضافية ، فإن أحزاب المعارضة التي لم تستطع أن تنفذ مركزيا، تريد تبرير عدم رضا المواطن على آداء المنتخب المحلي  و تقصيره في إدارة شأن الحي و القرية خلال السنوات الأخيرة، أولا بنقص هامش المناورة لدى ممثلي الشعب في مواجهة الطلبات المتزايدة للمواطن و ثانيا بتوتر العلاقة مع الإدارة المحلية التي تلزم المنتخب المحلي بالامتثال إلى قوانين الجمهورية السارية المفعول و عدم تجاوز صلاحياته.
إن طبيعة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بلادنا و الناجمة عن تراجع عائدات الجباية البترولية و تراجع إيرادات المحروقات، انعكست بصفة مباشرة على قطاع الجماعات المحلية التي تشكل أقرب نقطة اتصال مع حياة المواطن الذي يحسّ أكثـر بتراجع آداء المرفق العمومي و محاولة الكثير من المنتخبين تعليق فشلهم على مشجب محدودية الصلاحيات الواردة في قانوني البلدية و الولاية.
و من ثمة، فإن أي دور ايجابي لـ « أميار» المستقبل للمساهمة في وضع تصورات و حلول تصب في خانة المجهود الوطني العام، سيكون عبر منح صلاحيات أوسع و تشجيع المبادرات لتوظيف القدرات و الإمكانيات المتوفرة محليا و تسخيرها من أجل الحصول على موارد مالية و عدم انتظار خزينة الدولة التي تشكو من العجز المستمر.
و ينطبق هذا الخيار الاضطراري على غالبية البلديات التي تشكو من العجز و عدم قدرتها حتى على تمويل رفع القمامة و دفع أجور موظفي الحالة المدنية.
و في حالة ما إذا لم يتم إيجاد بدائل محلية للمساهمة في الاستجابة للحاجيات الأساسية للمواطن و ضمان سير المرفق العمومي، ستتفاقم أكثـر وضعيات الكثير من البلديات الموصوفة بالفقيرة في الوقت الذي ينتظر فيه أن تصبح الجماعات الإقليمية محركا للتنمية المحلية و منتجة للثـروة و خلق فرص العمل، أي أن تلعب دورا اقتصاديا و اجتماعيا لصالح ساكنيها.
السلطات العمومية التي تراهن على دور جديد و ايجابي للمنتخب المحلي، تنتظر مشاركة قوية للمواطن في محليات نوفمبر الجاري و اختيار الأحسن من بين المترشحين القادرين على جبر العلاقة المتوترة مع الإدارة من جهة و من جهة أخرى القدرة على المساهمة في تحويل البلدية و الولاية إلى مؤسسة اقتصادية قادرة على تمويل الحاجات الأساسية للمواطن.
المهمة هذه ستكون ممكنة و عملية بعد مراجعة قريبة لقانوني البلدية و الولاية، و التي ستفتح الأبواب تدريجيا للمنتخب المحلي للقيام بأعمال تسمح بترقية و تحسين الإطار المعيشي للمواطن الذي ينتخبه و يحاسبه، بدل الاكتفاء بمهمة الإشراف على جمع القمامة و التصديق على وثائق الحالة المدنية و تبرير فشله في عهدته بمصادرة الإدارة لصلاحياته.
النصر