الحركـــة الوهابيــــة وراء  تأزم الوضع في غردايــة
شكل الوضع في غرداية حلقة هامة في محاور الملتقى الدولي الذي احتضنه مركز البحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية «كراسك» بوهران نهاية الأسبوع الماضي حول «المسألة الجماعاتية في العالم العربي اليوم»، حيث تم تخصيص جزء هام من الملتقى لمنطقة وادي ميزاب والمسألة الجماعاتية التي تعددت التفسيرات بشأنها ولكن صعب لحد الآن إيجاد فهم عميق لأسباب التناقض الذي تشكل في غرداية اليوم، والمتجسد في الصراعات والنزاعات التي ولدت أزمة أمنية بالمنطقة خلال الفترة الأخيرة ومن جهة ثانية الصفة المميزة لسكان الميزاب التي هي التماسك والوحدة الجماعاتية التي لم تهتز على مدار العصور. وقد أعطى بعض الأساتذة المشاركين تفسيرات مختلفة للأسباب وتصورات أيضا للحلول التي رصدتها النصر على هامش الملتقى.
حيث قال الأستاذ الباحث عبد العزيز خواجة من جامعة غرداية، أن تدخل السياسي في حل الأزمة بالمنطقة هو ضرورة، موضحا أن ما يحدث في غرداية قد يبدو للوهلة الأولى أنه صراع طائفي بين مجموعتين، لكن تاريخيا لم يكن هذا الصراع متشكلا بالوضع الذي هو عليه اليوم لأن المجموعتين كانتا ترسمان بينهما تقسيما للعمل المشترك أنتج نوعا من التعايش والتجارب التاريخية كذلك أظهرت أن تواجد مجموعتين في مكان واحد ليس سببا كافيا للجزم بحتمية الصراع. أما اليوم فحسب الباحث يوجد طرف ثالث حرك الضغائن ونشر الفتن وهو كما أضاف طرف ديني، رجح أنه يتمثل في انتشار «الحركة الوهابية» التي قال أنها هي التي فعلت الصراع في  المنطقة وخلقت نوعا من الاحتكاكات وأنتجت خطابا كراهيا  بين المجموعتين بغرض زرع الفتنة و بعث النزاعات.
وعرج المتحدث على شق الاقتراحات الأكاديمية التي توصل إليها  كحلول لتجاوز ما يحدث في المنطقة، ومن بينها مثلما قال ضرورة تواجد الدولة كطرف موازن وضامن لحماية المواطن، وفي نفس الوقت حسب الباحث يجب معاقبة الذين ثبت تورطهم في خلق الفتنة والنزاع بصرامة حتى تستعاد الثقة بين المواطن والسلطة. أما المقترح الثاني للباحث هو إعادة ترتيب الجغرافية البشرية للمنطقة، بأن تفرغ الأماكن المكدسة ديموغرافيا في فضاءات متجانسة إباضية وأخرى سنية مع إيجاد فضاء مشترك تتركز فيه الإدارات مشيرا أثناء شرحه للمقترح «لا يجب أن تكون لنا عقد في إعادة التوزيع الجغرافي للفضاء لانها طريقة لتهدئة الوضع وخلق سيرورة تعامل مشترك ترعاه الدولة، يحول دون وقوع احتكاكات قد تؤدي في كل مرة لنزاعات». وأشار الأستاذ خواجة أن هذه المقترحات هي حلول متوسطة وبعيدة المدى ولكن الحل الأمني في الوقت الراهن هو المقترح الإستعجالي لإعادة الهدوء للمنطقة والتفكير في رسم معالم إعادة الترتيب مستقبلا.
من جهته، أوعز الباحث قاسم حجاج من جامعة ورقلة، فهم ما يجري في غرداية اليوم للعودة إلى تاريخ الروابط المجتمعية في تركيبة المجتمع الجزائري في كلتا الحالتين السلم واللاسلم، منبها من الخطأ المرتكب والذي يركز حاليا على تحليل الوضع في آنيته اليوم، وهذا حسب الباحث لا يؤدي لنتائج يمكن من خلالها تجاوز الأزمة، بل هي نظرة إختزالية لا تمحص في الأسباب العميقة.
وأفاد الباحث أنه خلال مسيرة بحثه تحصل على وثيقة تاريخية هامة وتحمل إحصائيات متعددة يمكنها أن تكون شعاعا تنويريا في فهم الأزمة، وتتمثل في مخطوط  يؤرخ لفترة تمتد ما بين 1697 إلى غاية 1867 ، أي على مدار 173 سنة، مضيفا أنه استخرج منها أنه في الفترة المذكورة تم تسجيل فقط 31 نزاعا في المنطقة أي غرداية، ويشير التحليل الذي أجراه الأستاذ حجاج، إلى أنه طيلة 173 سنة لم يتنازع الميزاب والعرب سوى 15 مرة والباقي نزاعات بين الأقرباء في كل طرف. مما يعني حسبه أن الصراع ليس مذهبيا ولا عرقيا، بل هناك مسببات أخرى من بينها كما قال الباحث مرحلة الفراغ الإستراتيجي الذي يعيشه العالم ككل وأنتج صراعا وتنافسا للقوى الإقليمية على بعض المناطق، وتساءل الأستاذ في هذا الصدد «هل لدينا محصنات لمواجهة هذا الصراع وهذه القوى؟»، مشيرا أن دور الدولة هنا يكمن في حيادها اتجاه التنوعات الثقافية والمجتمعية، داعيا ضمن مقترحاته أيضا لضرورة أن تكون المواطنة أساس العيش المشترك في إطار الدولة التي هي للجميع، وأنه على السلطات العمومية أن ترعى المصلحة العامة للجميع بإنصاف.
أما عضو فريق البحث التابع لكراسك وهران الباحث نوار فؤاد، فقال أن البحث بدأ سنة 2009 لغاية 2013، أي قبل أحداث الربيع العربي، وأن ما يمكن الوقوف عنده من خلال عملية البحث هو التوصل أن غرداية تكاد تكون نموذجا فريدا من نوعه في كيفية التمسك بالمجموعاتية لمدة يمكن حصرها تاريخيا في 9 قرون خلت، ويمكن كذلك حسب الباحث إرجاع هذا التماسك الجماعاتي لتلازم ثلاثة نقاط هي نظام القرابة شبه المغلق، ووجود عناصر مشتركة للذاكرة الجماعاتية في المنطقة قد تختلف بعض أجزائها عن الذاكرة الوطنية وكذا وجود نظام خاص للعلاقة مع الإقليم والفضاء في تصوره وبنائه.
 بينما يبقى التساؤل حول أسباب بقاء هذه الجماعاتية بهذه المنظومة وتصديها لكل الإستعمارات التي حاولت تفكيكها عبر العصور وبالمقابل تعرضها لهزات وصراعات، قائما قد تجيب عنه نتائج البحث الذي يبقى متواصلا.

هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى