أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أمس الأربعاء أن مشروع مراجعة الدستور سيكون جاهزا مطلع الصيف كأقصى تقدير . موضحا أنه بعد مصادقة البرلمان على النص سيتم عرضه لاستفتاء شعبي في أقرب وقت ممكن.
ففي حديث خص به اليومية الفرنسية لوفيغارو صرح رئس الدولة « سيكون لنا دستورنا مع مطلع الصيف كأقصى تقدير و سنعمل على تنظيم الاستفتاء في أقرب وقت ممكن».
و قبل ذلك سيكون مشروع المراجعة الدستورية موضوع مناقشة واسعة للفاعلين في الحياة السياسية و المجتمع المدني
و أوضح في هذا الخصوص أنه سيتم تسليم نسخة أولية لحوالي 600 طرف من أحزاب  و جمعيات  و نقابات و هيئات ..الخ ... و سيكون لديهم شهر لمناقشتها بكل حرية قبل أن يعود أمام لجنة الصياغة».
و كان رئيس الجمهورية قد قرر في الـ 8 يناير الماضي إنشاء لجنة من الخبراء مكلفة بصياغة اقتراحات من أجل مراجعة دستورية بهدف تجسيد إحدى  الالتزامات  التي وضعها على رأس أولويات عهدته في رئاسة الجمهورية و المتمثل في تعديل الدستور . حيث أكد بالقول « لقد أعطيت لمختصين توجيهات ووضعت حدودا سيما تلك التي تمس بالهوية الوطنية أما  الباقي فقابل للتفاوض.
كما وصف المراجعة الدستورية بأولوية الأولويات مؤكدا أن الصيغة النهائية ستسلم إلى البرلمان بغرفتيه ثم الاستفتاء الشعبي
و أضاف ان الاستفتاء الشعبي سيكون حاسما من اجل الحصول على دستور توافقي موضحا أن قراره بإحالة مشروع المراجعة الدستورية على الاستفتاء الشعبي ينم عن إرادته في عدم وضع تصوري الخاص للتغيير الدستوري
و فضلا عن مسار مراجعة الدستور الذي شرع فيها في مطلع السنة فان رئيس الجمهورية قد أعلن عن فتح ورشة مراجعة القانون المتعلق بالنظام الانتخابي. في هذا الصدد أكد رئيس الدولة أن الورشة الثانية ستكون تلك الخاصة بالقانون الانتخابي الذي من شأنه تحسين موئساتنا المنتخبة.
مؤكدا أن البرلمان الجديد سيتمكن من لعب دور أكبر  .  لكن من اجل ذلك هو بحاجة إلى أكثر مصداقية و لا يشوبه أي نقص في الشرعية من حيث التمثيل و أضاف أن الشروط الأساسية لذلك هو فصل المال عن السياسة
و في معرض تطرقه للمظاهرات التي تنظم كل يوم جمعة فان الرئيس تبون قد أكد انه حتى و أن كان هناك في  كل جمعة تواجد مواطنين في  الشارع الا أن الأمور بدأت تتجه نحو التهدئة.
و أضاف في هذا الصدد عديد الجزائريين قد فهموا بأنه لا يمكن إصلاح و ترميم و معالجة ما تم تهديمه مدة عقد من الزمان  في ظرف شهرين.
و تابع قوله لقد أديت القسم الدستوري في 19 ديسمبر لكنني أتقبل أن يطلب مني بالإسراع  و ذلك يعني أن الناس يحدوهم الأمل في التغيير.
و أضاف  « لقد حصل الحراك تقريبا على كل ما يريد حيث لم تكن هناك عهدة خامسة و لا حتى تمديد للعهدة الرابعة. ثم استقال الرئيس كما أن الوجوه الأكثر بروزا في النظام السابق قد ذهبوا كذلك  و تم الشروع في مكافحة أولئك الذين دمروا الاقتصاد و يبقى بالنسبة إليه  « الإصلاحات السياسية « حيث أكد انه جعلها من أولوياته   حيث أكد "انا عازم على الذهاب بعيدا في التغيير الجذري من أجل إحداث قطيعة مع الممارسات السيئة وأخلقة الحياة السياسية وتغيير نمط الحكامة".
وفي رده على سؤال حول الدور الحقيقي للجيش قال رئيس الجمهورية أن هذا الأخير "يضطلع بمهامه الدستورية ولا يهتم لا بالسياسة ولا بالاستثمارات ولا بالاقتصاد، فهو موجود من أجل المحافظة على الوحدة الوطنية وحماية الدستور والجزائريين من أي تسلل إرهابي وكل محاولة لزعزعة استقرار البلاد".
مضيفا "أنكم لن تجدوا أي أثر لتدخله في حياة المواطن الا عند الخدمة الوطنية".
مقرا في ذات السياق انه ليس "مدينا" إلا للشعب الذي انتخبه "بكل حرية وشفافية".
أن "الجيش قد دعم ورافق المسار الانتخابي، لكنه لم يحدد أبدا من سيكون رئيسا، وإذا كنت قد شاركت في الانتخابات الرئاسية فذلك لأنني كنت أشعر بان هناك عملا غير مكتمل، فأنتم تعرفون في اي ظروف غادرت رئاسة الحكومة" يضيف رئيس الجمهورية لذات الصحيفة التي ذكرت بان السيد تبون قد اقيل من مهامه في 2017 في أقل من ثلاثة اشهر من تعيينه وزيرا اولا لكونه اعلن الحرب على قوى المال.
وتابع قوله "بما أن بلادي كانت تعاني من صعوبات فقد فكرت في تقديم قيمة مضافة حتى وان كنت على علم بان تلك تضحية على حساب عائلتي ونفسي، انه الواجب".  
الجمهورية يجب أن تقوم على أسس سليمة
أما فيما يخص إحدى مطالب الحراك المتعلقة "بدولة مدنية وليست عسكرية" فقد اوضح الرئيس تبون ان "هذا الشعار يعود الى 19يونيو 1965" تاريخ وصول الرئيس بومدين الى سدة الحكم.
وعن سؤال حول تحييد "المافيا السياسية و الاقتصادية"، حيث يقبع عديد وجوهها الان في السجن، رد رئيس الجمهورية بان "الفساد و تكديس المال الفاسد لا يزول بمجرد جرة قلم".
مضيفا أن "رأس المافيا قد قطعت لكن الجسد لا زال موجودا، وأن المال الفاسد لازال متداولا، حيث يمثل كل يوم مسؤولون جدد ورجال أعمال مزيفين أمام العدالة".
كما أشار إلى أن اسس الدولة الجزائرية "يجب أن تكون سليمة" معتبرا في هذا الصدد ان "ما ينتظرنا أكبر من أعمال سيزيف".
وتابع يقول "نحن بصدد إعادة البناء، لكن ذلك سيأخذ بعض الوقت، حيث لا توجد دولة حديثة بنيت خلال جيل واحد، فالجمهورية الخامسة في فرنسا بدأت في سنة 1958 من القرن الماضي، فلنبدأ بتسطير معالم دولتنا الجديدة على المستوى الدستوري ثم المؤسساتي ليعقبها الاقتصادي".
وأكد رئيس الجمهورية في هذا الصدد على "ضرورة اخراج الجزائر من التبعية للمحروقات معتبرا ان هذه "الثروة الالهية القابلة للنضوب" يجب "ان تعود علينا بثروات أكثر استدامة".
كما أكد "أن الجزائر تزخر بموارد اخرى من اهمها الشباب المتعلم، لقد ظل جيلي متقوقعا لكن الشباب هم في اتصال مع العالم باسره، حيث ان شبابا متكونين في مقاعد المدرسة الجزائرية أصبحوا مطلوبين من اجل نشاطهم و مهاراتهم في كل انحاء العالم، في الولايات المتحدة و في اوروبا".وتابع يقول رئيس الجمهورية "في ظل هذا التصور المعولم ومن خلال تنافس سليم وعصري سنقوم ببناء صرح اقتصادي جديد يقوم على تثمين الانتاج الوطني واقتصاد المعرفة والانتقال الطاقوي".واضاف الرئيس تبون أن "الشركات الناشئة والمؤسسات المصغرة والمؤسسات الصغيرة و المتوسطة حجر الزاوية في هذا الصرح".
كما أكد باننا "سنقوم بالتفكير في تثمين أمثل لمنتجاتنا الفلاحية دون وضع أنفسنا في وضعيات غير عقلانية من الانتاج المفرط والندرة"، متأسفا لكون "شركاء الجزائر ينظرون اليها على أنها سوق استهلاكية".
وأشار في هذا الخصوص إلى أن "مشاكلنا تأتي من الاستيراد غير المضبوط و المنطوي على تضخيم الفواتير التي تعتبر مرتعا  للفساد الذي تسهله عديد البلدان الأوروبية حيث تتم العمليات النصرفية و تضخيم الفواتير و استثمار الأموال المحولة بطرق غير مشروعة و ذلك قد أضر بالاقتصاد الوطني و أعلن في نفس السياق على وقف استيراد اجزاء تركيب السيارات. حيث تساءل رئيس الدولة أن مصنع رونو الموجود هنا لاعلاقة له بما هو موجود في المغرب فكيف يمكن خلق مناصب شغل في حين أنه لا يوجد أي إدماج ولا مناولة؟"
وبخصوص المادة63  (51 سابقا) من الدستور التي تحرم الجزائر من العديد من الكفاءات كونها تمنع مزدوجي الجنسية من تقلد مناصب سامية في الدولة، أوضح الرئيس أن هذه المادة سيتم تغييرها و أكد أن المهاجرين من أصل جزائري بالخارج لهم مكانة كاملة هنا، و نحن نسعى لأن لا يكون هناك فرق بين المواطنين المهاجرين و من هم في البلد فلهم نفس الحقوق و الإمكانيات سواء كانت هجرتهم مؤقتة أو نهائية الى الخارج يبقى بلدهم الأصلي هو الجزائر و مرحب بهم في المقابل. و أكد رئيس الدولة أن بعض المناصب الحساسة جدا والتي تمس بالأمن الوطني لا يمكن أن تكون متاحة لأي كان، و فيما يتعلق بمسألة الذاكرة كشف الرئيس تبون عن اتصالات مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يحاول تسوية هذا المشكل الذي يسمم العلاقات بين البلدين، مشيرا الى أنه (الرئيس الفرنسي) يتعرض أحيانا بسوء فهم و أحيانا أخرى لهجمات لاذعة من قبل لوبيات قوية جدا. وتابع يقول: هنالك لوبي انتقامي يحلم بالجنة الضائعة ويتحدث عن خيانة ديغول و أمور أخرى...استقلالنا مضى عليه حوالي 60 سنة و من الغريب أن تعود الجزائر في كل مرة الى واجهة الاحداث السياسية الفرنسية، وعندما يصل الامر الى اصدار قانون يمجد الاستعمار فنحن بعيدون عما ننتظره.
من أجل علاقات سليمة مع فرنسا قائمة على الاحترام المتبادل
أكد رئيس الدولة أن الجزائر من أجل «علاقات سليمة مع فرنسا قائمة على الاحترام المتبادل» معتبرا أنه يجب في وقت ما النظر الى الحقيقة مباشرة، الخطوة الأولى هي الاعتراف بما وقع والخطوة الثانية هي إدانته، و اعتبر الرئيس تبون انه لابد من الشجاعة في السياسة، مضيفا ان هناك لوبي آخر ترتكز سياسته بالإجمال على كبح الجزائر.
و أوضح أنه لوبي بصلات اقتصادية واجتماعية ويخاف من الجزائر. وحتى لما تتدخل الجزائر لاقتراح تسويات سلمية لأزمات يحاول هذا اللوبي التدخل بحجة انه معني أيضا.
و ردا عن سؤال حول الجهود التي يجب ان تبذلها الجزائر لتفادي الاستغلال السياسي لضغينة ما تجاه فرنسا قال الرئيس من جانبنا ليس هناك أي حقد أو ضغينة موضحا ان هناك ردود فعل على اعمال البغض وكراهية الأجانب وكراهية الإسلام، التي تتجلى من الجانب الاخر. هذا ما شرحته للرئيس ماكرون.
وأفاد رئيس الدولة بهذا الخصوص: الجزائريون لا يريدون التدخل في شؤونهم متسائلا كيف يمكن اقتراح مرحلة انتقالية بالجزائر أو التدخل في خيار شعبها؟
وأبرز: يحق للجزائريين وحدهم تسوية هذه القضية و على الاخرين ان يستوعبوا أننا غيورون بشدة على سيادتنا التي استرجعناها مقابل ثمن باهظ و ذكر السيد الرئيس: عندما أرى شبابا أمام أعين متفرجة بل متواطئة للشرطة الفرنسية يضربون أشخاصا مسنين أقبلوا على قنصليتهم للانتخاب خلال الاستحقاقات الرئاسية الجزائرية الأخيرة، نتساءل هل نحن حقا في دولة ديمقراطية؟ مضيفا ان الكثير من الجزائريين في فرنسا كانوا يريدون الذهاب  للتصويت لكنهم كانوا خائفين، بالنسبة لنا القضية لم تطو بعد، والتحقيق متواصل  
 ومن جهة أخرى، وبخصوص الوضع في مالي وهل فرنسا تبحث عن دعم الجزائر، قال رئيس الجمهورية أن الأمر كذلك بالنسبة للرئيس ماكرون، بينما الأمر مخالف لسابقيه، واسترسل يقول : "لو ترك الأمر لنا لكان المشكل المالي قد سوي منذ زمن بعيد، فالجزائر طرحت حلولا على الماليين منذ 1962: وفي ذات السياق أكد الرئيس: "إنهم اخوة، مشاكلهم هي مشاكلنا، لقد كان اتفاق الجزائر بالكاد مثاليا، وكان السبيل الوحيد الممكن ليندمج جنوب مالي مع شماله في هياكله ومؤسساته لكن فرنسا الرسمية أرادت تسوية المشكل عسكريا، انسحبنا وانظروا ما يحدث في الميدان"، مذكرا بأن الحلول العسكرية لم تحل أبدا المشاكل بل على العكس في حالتنا تعقد الأوضاع وتفتح الطريق للإرهابيين مشددا على ضرورة العودة إلى اتفاق الجزائر.
وبخصوص مجموعة الخمس لدول منطقة الساحل، اعتبر السيد تبون أن هذه القوة ليس لها القدرات العسكرية لمكافحة الإرهاب بفعالية، وحول الأزمة الليبية ذكر رئيس الدولة أن الجزائر منذ 2011 قالت أن المشاكل لا تحل بهذه الطريقة مضيفا لو كان القذافي يشكل مشكلا، يقع على عاتق مواطنيه أن يقرروا مصيره، اليوم لا بد من دفع الليبيين نحو الحوار وإعادة بناء دولتهم.
واستطرد يقول :» لو منحنا مجلس الأمن الأممي الصلاحيات نحن قادرون على إحلال السلم سريعا في ليبيا، لأن الجزائر وسيط صادق وموثوق ويحظى بالقبول لدى كل القبائل الليبية».
وشدد الرئيس تبون « لا يجب خوض حروب بالوكالة لابد من الالتزام بعدم بيع أسلحة ووقف جلب مرتزقة»، مشيرا إلى أن الجزائر «تقدم لليبيين الأغذية والأدوية وليس الأسلحة للاقتتال».
وحذر قائلا: « إذا تواصل تفكك الدولة في ليبيا لسنة أو سنة ونصف، سيكون لأوروبا ومنطقة حوض المتوسط صومال آخر على حدودها مع ما يترتب عن ذلك من عواقب وخيمة على استقرارها وأمنها، الحظوظ الحالية لليبيا تكمن في كون قبائلها الكبرى لم تحمل السلاح وهي كلها مستعدة للقدوم إلى الجزائر لصياغة مستقبل مشترك معا، موضحا نحن الوحيدون الذين اقترحوا حلولا سليمة دون انتظار مقابل لكننا لم نترك لفعل ذلك مع أن الجزائر ليس لها أهداف هيمنة أو أطماع في ثروات هذا البلد الشقيق الذي فتح لنا أبوابه خلال حربنا التحريرية.
واج

الرجوع إلى الأعلى