تجردت شوارع قسنطينة من حركتها المعتادة واختفى الراجلون والسائقون في أول أيام الحجر الجزئي الذي انطلق ليلة أمس الأول من الساعة السابعة، بحظر تجول لم تشهده المدينة منذ عقود تكاد تتلاشى من الذاكرة، وأعاد أجواءها الفيروس غير المرئي «كوفيد 19»، بينما استفردت قوات الشرطة والدرك الوطني بالأرصفة والطرقات من خلال مكبرات الصوت التي تردد إنذارات ودعوات التحصن بالمنازل للوقاية من الوباء، في مشهد بدا مسترقا من أفلام الخيال العلمي وأدب الكوارث. وقد طاردت مصالح الأمن المتجولين خلال الحظر وضبطت عددا منهم، حيث سيلقون مصير المتابعة القضائية، باستثناء الفئات المهنية المرخص لها من أصحاب الوظائف الضامنة لاستمرار التموين بالأغذية والأدوية والخدمات الحيوية مثل المصالح الطبية والحماية المدنية، أو حالات التنقل للضرورة القصوى.  
وانطلقنا مع سيارات الشرطة حوالي السابعة وبضع دقائق من مقر مديرية الأمن لولاية قسنطينة بكدية عاتي بوسط المدينة، حيث ردد أعوان الشرطة نداءات من سياراتهم بمكبرات الصوت تدعو المواطنين إلى عدم الخروج خلال ساعات حظر التجول وتذكرهم أن الإجراء يندرج ضمن تدابير الوقاية من الإصابة بوباء كورونا، وعند وصول موكب سيارات الشرطة إلى نقطة الدوران المعروفة باسم «لابيراميد»، توقفت المركبة الأولى لتصد الطريق القادم من شارع بلوزداد المعروف باسمه القديم «سان جان» بعد أن ضبطت سائق سيارة في الطريق حوالي الساعة السابعة وعشرين دقيقة، حيث تقرب منه نائب مدير الأمن الولائي وسأله عن سبب خروجه، وعندما لم يقدم حجة مقنعة أو رخصة تتيح له التنقل، سحب منه وثائق المركبة ورخصة السياقة وطلب منه أن يتقدم في اليوم الموالي من المديرية، بينما أخذ السائق يصرخ ويحتج على تواجد الصحافة، كما ظل يطالب باسترجاع وثائقه.
سائقون يخرقون حظر التجول بوسط المدينة
وتوقفت سيارة سياحية ثانية تكفل أعوان بتنفيذ الإجراءات مع صاحبها، بينما واصل الموكب سيره عبر شارع عبان رمضان أين تم ضبط عدة سائقين مخالفين لحظر التجول، منهم من سحبت منهم الوثائق، بينما أعفي بعضهم الآخر بسبب تقديمهم حججا مقنعة لخروجهم على غرار مركبة تحمل ترقيم ولاية مجاورة قال صاحبها لعون الأمن إنه من خارج قسنطينة، كما ضبط المعني في الاتجاه المعاكس لنهج بودربالة. وضبطت مصالح الشرطة عدة سيارات على مستوى شارع عواطي مصطفى المعروف باسم «طريق سطيف»، حيث قام نائب مدير الأمن بسحب وثائق أحد السائقين بالقرب من فندق «بروتيا»، الذي يضم جزائريين في حالة حجر احترازي بعد أن أُجلوا من الخارج.
ولم تظهر أي حركة للسيارات بعد مغادرتنا وسط مدينة قسنطينة إلى غاية وصولنا إلى طريق «ميموزة»، أين لاحظنا عددا قليلا من المركبات القادمة في الاتجاه المعاكس، في حين اختفت حركة الراجلين تماما من الطريق العام قبل أن تقف قوات الشرطة في الموكب حوالي الساعة الثامنة مساء، على شخص يمشي وسط الظلام على ضفة الطريق الوطني رقم 27 باتجاه مدخل حي بوالصوف، حيث توقفت السيارات وانطلق نحوه رئيس مصلحة الأمن العمومي بأمن الولاية، فطلب وثيقة الهوية الخاصة به وذكّره بحظر التجول الذي يبدأ من الساعة السابعة مساء ويمنع فيه التنقل بالمركبة أو مشيا على الأقدام، بينما استظهر الشاب بطاقة الهوية وفسر خروجه بأنه عائد إلى مسكنه بحي بوالصوف من العمل، واضطر إلى المشي بسبب غياب وسائل النقل. وقد سحبت بطاقة المعني وطلب منه التقرب في اليوم الموالي من مديرية الأمن.
تأخر إصدار الرخص أوقع الكثيرين في ورطة
وتشكل رتل من المركبات السياحية والنفعية خلف موكب سيارات الشرطة المختلفة، التي كانت تسير بسرعة منخفضة نحو الحاجز الأمني لحي بوالصوف، وكانت التحذيرات والإنذارات بالمتابعة القضائية لمن يخرج في ساعات الحجر الجزئي تتردد من مكبرات الصوت في سماء المدينة المظلم وشوارعها الخالية، قبل أن نصل إلى الحاجز الذي وجدنا فيه عددا من المركبات التي أوقفت، بالإضافة إلى المركبات التي سارت خلفنا.
وقامت عناصر الشرطة بالحاجز وضباط الشرطة الآخرون، بسحب مجموعة من الوثائق لسائقين ضبطوا في حالة تنقل دون مبرر شرعي، في حين وجد الكثيرون أنفسهم في ورطة وسحبت منهم وثائقهم بسبب تأخر مصالح الولاية في إصدار الرخص الاستثنائية بالتنقل خلال نهار اليوم الأول من بداية الحظر، وهم من المضطرين للعمل في الساعات المسائية، حيث أخبرنا أحدهم أن وثائقه سحبت منه ومنح وصلا للتنقل، وعندما فسر سبب المشكلة التي وقع فيها بتأخر الرخص طلبت منه مصالح الشرطة إحضار الرخصة في اليوم الموالي من أجل الحصول على وثائق سيارته وإلا ستطبق عليه الإجراءات القانونية.
وقد لجأت قوات الشرطة على مستوى الحاجز الأمني في بوالصوف إلى سد الطريق تماما باستعمال المتاريس، بالإضافة إلى جميع الحواجز الأخرى التابعة لمديرية الأمن، على غرار حاجز زواغي، في حين كانت الحواجز تفتح لمرور المركبات المرخص لها فقط، على غرار صاحب مركبة تحمل ترقيم ولاية الجزائر العاصمة تقرب منه مدير الأمن الولائي مع رئيس مصلحة الأمن العمومي وتأكدا من وثائقه فأخبرهما أنه يحمل العدس، لكن رئيس المصلحة طلب منه فتح خلفية الشاحنة وصعد إليها للتأكد بنفسه من أحد الأكياس الذي يحمل مادة العدس، قبل أن يعيد إليه وثائقه ويأمر الأعوان بفتح الحواجز، كما ضبطت شاحنة أخرى تحمل رمز «وعاء هيجيا» الذي يمثل الصيدلة وقدم سائقها الوثائق التي تثبت أنه يعمل مع شركة أدوية، ليسمح له بالمرور لأنها ليست ضمن الحالات التي يشملها الحظر مثلما أكده لنا مدير الأمن الولائي.
وكان الضباط والأعوان المشاركون في العملية يتقدمون من مدير الأمن الولائي، لاستشارته في حالات بعض أصحاب المركبات الذين يقدمون حججا لخروجهم خلال ساعات الحجر الجزئي، على غرار شاحنة تبريد قال سائقها إنه متوجه نحو ولاية مستغانم لحضور جنازة، بينما أمر ملازما بإعداد وصل سحب وثائق لأحد السائقين لكي يتقدم في اليوم الموالي لمديرية الأمن الولائي، كما أوضح لنا أن المخالفين لتدابير الحجر سينجز في حقهم ملف إجراءات جزائية عن قضية خرق حظر التجول وتحال ملفاتهم على العدالة للفصل في أمرهم.
وصرّح رئيس أمن ولاية قسنطينة، المراقب الأول عبد الكريم وابري، للصحافة أن إجراءات الحجر الجزئي انطلقت بنداءات للمواطنين عبر مكبّرات الصوت، موضحا أنه تم سحب وثائق سبعة وعشرين سائقا وشخصا واحدا ضُبط يمشي على قدميه إلى غاية وقت تواجدنا معهم حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء، بعد أن خالفوا تدابير حظر التجول، فيما أوضح المعني أن عدد السيارات التي جابت الشوارع في اليوم الأول ليست كثيرة، كما تواصلت العملية طيلة الليل إلى غاية نهاية ساعات الحجر الجزئي.
و ذكرت مصالح الأمن للنصر، أن التدخلات أسفرت عن اعتراض 95 مركبة بالاضافة إلى توقيف دراجة نارية و 10 أشخاص .
الدرك الوطني يضبط مخالفين للإجراءات
تركنا مصالح الشرطة واتجهنا صوب نقطة الدوران بمدخل حي زواغي للاطلاع على نشاط الدرك الوطني في تطبيق إجراءات الحجر الجزئي في ليلتها الأولى، حيث أوقفنا عناصر الأمن على مستوى حاجز غير اعتيادي نصب على مستوى شارع علي زعموش على الطريق الوطني رقم 3، وسألونا عن سبب خروجنا خلال ساعات الحظر قبل أن يسمحوا لنا بالعبور بعد أن أخبرناهم أننا صحفيون ونقوم بروبورتاج حول التدابير الأمنية لإجراءات الحظر، في حين خلت طرقات قسنطينة وشوارعها من الحركة كما لم تخلُ من قبل أبدا، وكان من النادر جدا رؤية مركبة، حتى أن أحد الكلاب الضالة أخذ يلاحق السيارة محاولا مهاجمتها عند الطريق المؤدي إلى زواغي.
وصادفنا عند بلوغنا نقطة الدوران بحي زواغي، حاجزا أمنيا لقوات الدرك الوطني التي ضبطت بدورها مجموعة من المخالفين على مستوى النقطة المذكورة وفي ضواحي المدينة التابعة لإقليم اختصاصها، مثلما أكدته لنا المكلفة بالاتصال بالمجموعة الاقليمية، حيث أشارت إلى أن مصالح الدرك ستجري إجراءات المتابعة القضائية في حق المخالفين، لكن تكييف التهمة يبقى من اختصاص الجهات القضائية.
وقد ضبط عون درك أحد السائقين قبل أن يستظهر بطاقته المهنية التي تتيح له التنقل إلى مكان عمله ليتم إعفاؤه من سحب وثائقه، في حين وجد آخرون في حالة تجول غير مبرر لتتخذ الإجراءات في حقهم، حيث أشرف قائد المجموعة الإقليمية بنفسه على تنفيذها، مؤكدا في تصريح للصحافة أن جميع مصالح الدرك الوطني تحرص على تنفيذ إجراءات الحجر الجزئي عبر إقليم الولاية، فيما نبه أن العملية تستهدف حماية المواطنين وتسهيل العمل على الأطقم الطبية، مضيفا أن المواطنين ملتزمون بالإجراءات من أجل محاربة الوباء والحد من انتشاره.                 س.ح

الرجوع إلى الأعلى