يخوض مهنيو الصحافة المكتوبة في الجزائر تحديات ومصاعب حقيقية، في سبيل أداء واجبهم المهني ولعب دورهم المحوري، في هذا الظرف الصعب الذي تمر به البلاد منذ بداية تفشي وباء كورونا كوفيد 19.
على غرار العديد من المنتسبين لقطاعات أخرى، وجد الصحفيون والعاملين في قطاع الصحافة المكتوبة، أنفسهم في الجبهة الأمامية لمواجهة فيروس كورونا المستجد منذ أن بدأ بالتفشي في بلادنا قبل أسابيع، وقد ازدادت ظروف عملهم صعوبة وقساوة مع القرارات التي اتخذتها السلطات العمومية و الصحية لتفادي انتشار الوباء.
ويواجه العاملون في قطاع الصحافة العمومية تحديات في هذا الظرف الصعب، فهم بين سندان الظروف والتعليمات التي قررتها الدولة، ومطرقة الواجب والضمير المهني ولعب دورهم في إيصال المعلومة والتحسيس والتوعية بخطورة هذا الوباء.
وقد عمدت الجرائد العمومية والخاصة على السواء إلى تكييف مخططات عملها مع الظروف الحالية، سواء تعلق الأمر بتقليص عدد العمال وتسريح أغلبهم، أو اعتماد العمل عن بعد وأداء المهمة عبر وسائل الاتصال الحديثة، وهذا لتقليل الحضور في قاعات التحرير والتركيب، إلى أقصى حد ممكن لتفادي نقل وانتشار الفيروس.
إصرار على إيصال الرسالة و المساهمة في محاربة كورونا
وحول ظروف العمل في جريدة "المساء" العمومية يقول "محمد بوسلان" نائب رئيس التحرير إن المسؤولين في الجريدة قرروا إعفاء 50 من المائة من العمال والصحفيين طبقا لتوصيات السلطات العليا في هذا الجانب وأبقوا على أقل عدد ممكن من الصحفيين والعمال، وحاليا لا يوجد في التحرير سوى المدير العام، ونائب رئيس التحرير ورئيس القسم الدولي، وعدد قليل من أعوان التصفيف والتركيب والمسؤول عن الموقع الإلكتروني، أما رئيسة التحرير وبحكم كونها أما لأطفال صغار فهي تقوم بدورها من البيت، وعموما فإن 25 من المائة فقط من العمال يتنقلون إلى مقر الجريدة.
ويضيف محدثنا في تصريح "للنصر" أمس قائلا عن طبيعة العمل دائما في هذا الظرف الصعب والاستثنائي" نواكب المستجدات والمعلومة الرسمية في هذا الظرف سواء عبر وكالة الأنباء الجزائرية أو عبر البيانات الرسمية، وهذه تأخذ ما نسبته 60 بالمائة من المادة بالنظر للظرف الحساس، و الحيز الباقي يخصص للحوارات مع الخبراء في ميدان الصحة والتجارة و تكنولوجيات الأعلام والاتصال، أي المجالات التي لها علاقة بالوضع الحالي، أما المواضيع التحليلية أو الأعمدة فهي قليلة و تكون غالبا موجهة للتوعية والتحسيس بخطورة الوباء".
أما عن كيفية التعامل مع الوقت و ظروف الحجر وحظر التجول فيقول نائب رئيس تحرير "المساء" إن المادة الكلية للجريدة تكون شبه كاملة ومحضرة في حدود السادسة مساء، وهو التوقيت الذي يغادر فيه الجميع مقر الجريدة عدا المدير العام وعون مخصص للتركيب اللذان يظلان هناك إلى الثامنة مساء لإضافة الأخبار المستجدة أن وجدت.
وعن التحديات والرهان الذي يجب على الصحافة المكتوبة رفعه في هذا الظرف يقول ذات المتحدث" الرهان هو إيصال رسالة السلطات الصحية على وجه الخصوص والسلطات العمومية بصفة عامة للمواطن، والمساهمة في التوعية والتحسيس، وأن نكون من موقعنا جنودا رفقة بقية جنود القطاعات الأخرى الموجودين في الجبهة الأمامية لمحاربة هذا الوباء، لابد علينا كصحفيين أن نكون حاضرين ونعمل على إيصال ما يمكن إيصاله للمواطن في هذا المجال لتفادي الوصول إلى حالة كارثية كالتي رأيناها في دول أخرى.. التحدي اليوم هو أن تقوم بدورك وتساهم مع الموجودين في الجبهة الأولى".
 من جهتها تؤكد نورية بوريحان مدير نشر جريدة "أوريزون" الناطقة بالفرنسية أنه منذ الوهلة الأولى لبداية تفشي هذا الوباء طبقت الجريدة قرارات رئيس الجمهورية وتعليمات وزارة الاتصال، فقامت بتحرير 50 من المائة من العاملين في كل مصالح الجريدة لتجنب أي اكتظاظ  في قاعات العمل وفي وسائل التنقل.
 وتضيف محدثتنا في تصريح "للنصر" أمس " الصحفيون يعملون من بيوتهم عبر وسائل الاتصال المعروفة، وبالنسبة لعملية التنظيف اتخذنا كل الاحتياطات اللازمة من حيث التنظيف الدوري والتعقيم لكل المكاتب وقاعات الجريدة ووفرنا المواد الضرورية لهذه العملية ونقوم كل يوم خميس بتعقيم شامل للمقر".
ومن موقعها كمسؤولة عن جريدة عمومية ترى أن الصحافة لابد أن تعلب في هذا الوقت دورا هاما وتقوم بالتعبئة" نحن في حالة حرب ولدينا دور مهم في التحسيس والتوعية ومرافقة عمل السلطات العمومية لمكافحة هذا الوباء، نحن واعون بتخوف المواطن ولدينا دور مهم في طمأنته الشعب برمته وإعطائه جرعة أمل في هذا الوقت العصيب".
 وتضيف في ذات السياق" الصحافة لابد ألا تزول في هذا الظرف، ألا تسمى مهنة المتاعب، نحن في وقت المتاعب وهنا يجب على الصحفي أن يظهر دوره الحقيقي في مساعدة السلطات وإيصال المعلومات للمواطن عن طريق التوعية، والأمل بأننا نستطيع التغلب على هذا الوباء".
أما عن توزيع الجريدة فترد بأن هناك بعض الاضطرابات في بعض الولايات، وفي بعضها الآخر التوزيع يتم بشكل عاد، لكن الجريدة حاضرة عبر النت وحيث يمكن أن تباع.
قاعات التحرير شبه فارغة والأنترنت يربط بين الجميع
في الصحف الخاصة لا يختلف الوضع كثيرا حيث كيفت جميعها ظروف عملها مع المستجدات التي خلفها تفشي وباء كورونا، وفي هذا يقول عبد السلام سكية صحفي بجريدة الشروق" تم تكييف العمل في جريدة الشروق مع ما يتناسب والوضع المستجد بسبب فيروس كورونا، حيث تم التحول إلي هيئة تحرير إلكترونية، مع ضمان المداومة في مقر الجريدة إلى الحد الأدنى تماما، وهذا لاستمرار صدور الجريدة بشكل عادي  ويومي، ولو في 16 صفحة فقط".
 ويضيف أنه وعلى هذا الأساس، تم استحداث مجموعة داخلية في "واتس اب"، تضم جميع الصحفيين، يتم من خلالها تقديم مقترحات العمل اليومية بين الزملاء، لضمان عدم تكفل أكثر من صحفي بنفس العمل، على أن يقدم رئيس التحرير الموافقة على المقترح، مع بعض التوجيهات في كيفية العمل، وتم التأكيد على ضرورة أن يتم إرسال المادة في حدود الثانية ونصف زوالا على أقصى تقدير.
ويواصل أنه وللتكيف مع الإجراءات الحكومية الخاصة بالحجر الصحي، تم إصدار تراخيص التنقل لبعض مسؤولي هيئة التحرير ولمنتسبي القسم التقني والإداري.
 من جهته يقول "حسان واعلي" مدير تحرير جريدة "ليبرتي" الناطقة بالفرنسية أن هذه الأخيرة وعلى غرار بقية الصحف قلصت الحضور إلى المقر ليقتصر على المسؤولين فقط، أما الصحفيين فيعملون عن بعد، من بيوتهم، ويتم التواصل معهم يوميا خلال اجتماع التحرير، كما تم تقليص العاملين في المصلحة التقنية والسائقين أيضا تبعا لذلك.
محدثنا الذي قال إنهم تكيفوا مع الوضع المستجد كبقية القطاعات الأخرى، أوضح بأن الجريدة لا تعتمد في الوقت الحاضر على المبيعات لأن أغلبية الأكشاك مغلقة وحتى المواطن لم يعد يهتم بشراء الصحف، وهي تركز بشكل أساسي على الاشتراكات.
  والمتجول في شوارع المدن يرى بكل سهولة غياب الجرائد بشكل شبه تام، في أيدي المارة من المواطنين أو في الأكشاك التي ظلت مفتوحة على قلتها، بسبب إجراءات الحجر وقرارات الغلق التي مست العديد من المنشآت والمحلات، ويقول " شريف. ز" صاحب كشك بشارع ديدوش مراد بالعاصمة إن الجرائد لم تعد تأتيه منذ بداية الحجر الصحي، عدا جريدتي "الوطن" و"الخبر" لأن شركة التوزيع تابعه لهما، وقد فضل الاستغناء عن بيع الجرائد في الوقت الحالي بشكل تام  في غياب الطلب عليها من قبل المواطن إلى حد بعيد.
في هذه الظروف، يكافح مهنيو الصحافة المكتوبة من أجل البقاء في الميدان والمساهمة من موقعهم في محاربة هذا الوباء الخطير، و القيام بدورهم كاملا رغم الصعوبات والمخاطر.
 إلياس -ب

الرجوع إلى الأعلى