الشهيد الثائر « الشريف عمار بن قدّيدة»، الذي تم استرجاع رفاته رفقة 23 شهيدا من قادة المقاومة الشعبية في الجزائر من متحف التاريخ الطبيعي بالعاصمة الفرنسية باريس،  يعتبر من الشهداء الأوائل الذين تصدوا للاستعمار الفرنسي في بداياته بمنطقة تبسة.
الشهيد بن قدّيدة، شخصية جهادية تاريخية، غير معروفة من قبل، وأغلب سكان ولاية تبسة، يجهلونها ولا يعرفون عنها شيئا، نظرا لعدم توفر المراجع التي تتحدث عنه، وعدم تداول اسمه على غرار أسماء قادة المقاومة الجزائرية كالمقراني، وبوبغلة، وبوزيان وغيرهم، ولم تنل حظها من الدراسة والبحث.
الشاب» بن قدّيدة»، كما تقول بعض المراجع القليلة التي عثرنا عليها،   استطاع تجنيد جماعة تنتمي لقبيلتي الفراشيش وأولاد سيدي عبيد بإقليم تبسة وآخرين من منطقة الجريد التونسية، وتقدم بهم إلى نواحي تبسة، حيث وصل يوم 6 نوفمبر 1853، وحط الرحال ببكّارية، أين كان ينوي تجنيد أشخاص آخرين من القبائل المجاورة، بغرض الهجوم على مدينة تبسة، غير أن الاستعمار الفرنسي تفطّن لتحركاته، بفعل زرعه بعض المرتزقة و الخونة.
يقول التقرير العسكري الفرنسي عن المعركة :” كنا سمعنا منذ شهر أكتوبر عن تحركات مشبوهة يقودها المتدين المتطرف الشريف سي عمار بن قديدة و في يوم 6 نوفمبر حطّ رحاله بالقرب من بكارية”، و يضيف التقرير :” لما اقتربنا منهم رأينا قائدهم منتصبا على بعد 50 مترا من خيمته كان يرتدي درعا جلديا و خوذة نحاسية و بجانبه جوقه الموسيقي”، كانت معركة غير متكافئة وسقط الشريف عمار بن قديدة شهيدا عند سفح جبل بورمّان إلى جانب 11 فردا من جيشه وعمره لم يتجاوز 30 سنة.
ثم يقول :” غنمنا إلى جانب خيمة الشريف 5 رايات كبيرة دينية من الحرير و 300 علم صغير، كان سيوزعها في الغد على القبائل المجاورة لتجنيدها و خوذات نحاسية ورِماح.
ويضيف:”كان تدخلنا سريعا و لو أعطيناه وقتا أكثر لتمكن من الدخول في أرضنا أكثر من ذلك و بالتالي كان باستطاعته تحريض القبائل الأخرى ضدنا وخاصة قبيلة النمامشة المشاغبة التي لا تتأخر عن المشاركة ضدنا في كذا عمل، وبذلك تصعب مهمتنا و لا نستطيع حتى الخروج من تبسة،  لكن هذه المرحلة الصعبة مرت بسلام، ومنذ ذلك الحين وإلى غاية 1871 والأمن يخيّم على مدينة تبسة الجديدة”.
قوات الاحتلال، وبعد انتهاء المعركة، عمدت وبكل وحشية إلى قطع رأس الشاب الشهيد” بن قديدة”، والتي تم تحويلها مع مجموعة من جماجم القادة في ذلك الوقت بوبغلة قائد ثورة الزعاطشة، وبوزيان، إلى جانب مجموعة أخرى  من الجماجم موزعة من تبسة إلى غاية مغنية، وتم وضعها في متحف التاريخ الطبيعي بباريس.
وتشير المعطيات التاريخية إلى أن المدعو فيكتور كوستون ريبو ساهم في وصول رفات الجزائريين إلى متحف باريس، وأرفق كل رأس برقم تسلسلي وملصقة تتضمن تاريخ القتل وختم المكتب السياسي الفرنسي لقسنطينة، وتوقيع العقيد دونوف وتوقيع آخر لغريسيلي، وهم أصدقاء لفيتال، فقد حمل رأس الشيخ بوزيان، قائد مقاومة الزعاطشة، رقم 5941، بينما حمل رأس بوبغلة رقم 5940، وحمل الشريف بوقديدة رقم 5943، بعد أن استشهد في معركة تبسة، كما يوجد ضمن السلسلة رأس عيسى الحمادي، رفيق درب بوبغلة ومساعده، فضلا عن ابن الشيخ بوزيان الحسن وموسى الدرقاوي “حاج موسى”، رفيق درب بوزيان، ومختار بن قويدر التيطراوي وابنه، وهما من أشراف قبيلة أولاد البخاري بالمدية.
هذه الرؤوس وغيرها وضعت في متحف قسنطينة، مع غنائم الغارات الفرنسية، وتعاون ريبو مع روني هونوران فيتال شقيق أدموند فيتال على جمع سلسلة من الرؤوس التي تم تحنيطها وحفظها بمادة مسحوق الفحم لتفادي تعفنها، وسلم فيتال رؤوس القادة الجزائريين لرينو،  ، لتحوّل إلى المتحف الوطني للتاريخ بباريس.     
ع.نصيب

الرجوع إلى الأعلى