دعا مختصون لمواصلة العمل لاسترجاع كافة الموروث الثقافي والتاريخي المادي والمعنوي المستحوذ عليه من قبل الاستعمار الفرنسي، واقترحوا تشكيل لجان عليا مشتركة بين الجزائر وفرنسا لاستعادة الأرشيف، وكل ما يضمه من تسجيلات صوتية ومرئية، إلى جانب الآثار المحوّلة إلى المتاحف الفرنسية، من بينها القلم الذي وقّع به الأمير عبد القادر على معاهدة التافنة.
وأكد في هذا الشأن الدكتور قوي بوحنية أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة تقرت «للنصر»، بأن الذاكرة المرتبطة بالحقبة الاستعمارية تحمل ملفات جد ملحة، واسترجاع الأرشيف الوطني بكل ما يحمله من رأس مال مادي ومعنوي أصبح أكثر من ضرورة من أجل بناء المستقبل، مع ضرورة العمل على استعادة الآثار التاريخية المنهوبة، من بينها المدافع التي كانت تحمي العاصمة التي سرقت من الجزائر بعد دخول فرنسا، إلى جانب الآثار العثمانية التي اختفت بشكل شبه تام من الجزائر، لأن الاحتلال الفرنسي كان استيطانا سلب من الشعب الجزائري رأسماله المادي والمعنوي.
واقترح عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة تقرت وضع أجندة مضبوطة الأهداف لتحقيق المطالب المتعلقة بالذاكرة، على أن يسهر على تنفيذها مختصون في التاريخ وباحثون وأكاديميون لاسترجاع الأرشيف والتراث الذي سلبه الاحتلال الفرنسي، مع تشكيل فريق آخر يتكون من مختصين لتحرير التاريخ برؤية نقدية موضوعية محايدة ومتجردة، دون تدنيس أو تقديس، عبر كتابة تقوم على استقراء الماضي والتنبؤ بالمستقبل بعيدا عن التجريح والتخوين.
ويؤكد المصدر بأن الجماجم المتواجدة بفرنسا التي تعود لشهداء المقاومة الشعبية والثورة يفوق عددها 600 جمجمة، ما يؤكد على أهمية وثقل الملف وضرورة استحداث لجان عليا مختلطة بين الجزائر وفرنسا، لكتابة التاريخ والمصالحة على أن تضم مختصين في المجال، قائلا إن استعادة الرأسمال المادي والمعنوي المستحوذ عليه من طرف الاستعمار الفرنسي أصبح ضرورة ملحة، حتى وإن استدعى الأمر شراءه على غرار ما فعلت دول عدة، مع الاستعانة بأساتذة في علم الآثار والطب الشرعي لتفحص الرفات والقطع المسترجعة والتأكد من أنها تعود بالفعل للجزائر.
وتوقع الدكتور بوحنية أن تتواصل عملية استعادة أرشيف الثورة، لا سيما في ظل الضغط الشعبي، قائلا إن الإرادة السياسية متوفرة، وعبرت عنها بوضوح المؤسسة العسكرية من خلال الجيش الوطني الشعبي إلى جانب رئاسة الجمهورية، وكانت ثمارها استعادة 24 جمجمة لرموز المقاومة الشعبية، فالموضوع فتح ولن يغلق في انتظار وصول باقي الرفات والجماجم لتحظى بالتكريم، مؤكدا أيضا أن المطالب المتعلقة بالذاكرة أصبحت اليوم أولوية قصوى واستراتيجية، وبناء المستقبل لا يمكن أن يتحقق دون تاريخ.
على الشعب أن يتبنى المطالب المتعلقة بالذاكرة
وأضاف من جانبه رئيس جمعية مشعل الشهيد محمد عباد في تصريح «للنصر» بأن تنظيمه كان من بين المطالبين باستعادة الجماجم، ونظم لأجل ذلك منتدى في سنة 2016 توج بالتوقيع على عريضة من قبل نواب ومنتخبين إلى جانب العلامة والمجاهد محمد الطاهر آيت علجت تطالب باسترجاع أرشيف الجزائر وتراثها التاريخي، لتتحقق الأمنية اليوم باستعادة الرفات ال24 وتوارى الثرى بمربع الشهداء في جو مهيب، قائلا إنه يرفع هذا المطلب بصفته مواطنا وليس ابن شهيد، لان ملف الذاكرة يعني كل الشعب الجزائري وليس الأسرة الثورية أو فئة محددة من المجتمع فحسب.
ويصر رئيس جمعية مشعل الشهيد بدوره على استعادة كل الموروث الثقافي والتاريخي الذي استولت عليه فرنسا قبل أن تغادر الجزائر، من بينه مدفع بابا مرزوق الذي طالبت وما تزال تطالب به الجمعية، ومفاتيح مدينة الجزائر العاصمة التي تعود إلى العهد العثماني كرمز من رموز الدولة الجزائرية، إلى جانب القلم الذي وقع به الأمير عبد القادر على معاهدة التافنة، وهو موجود حاليا بإحدى المتاحف الفرنسية.
ويؤكد محمد عباد بأن استعادة أرشيف الثورة يعد مبدأ من مبادئ جمعية مشعل الشهيد، التي تؤيد استمرار المفاوضات لاستعادة كافة الأرشيف المادي والمعنوي، لا سيما المتعلق بالثورة التحريرية، من بينها التسجيلات الصوتية والمرئية لتلك الحقبة الفاصلة في تاريخ الجزائر المستقلة، داعيا  الشعب لتبني هذه المطالب إلى جانب المجتمع المدني، كاشفا في هذا السياق عن التحضير لتنظيم منتدى حول مساهمة المجتمع المدني في استرجاع الذاكرة خلال هذا الشهر الجاري بحضور مختصين ومؤرخين.        لطيفة بلحاج

الرجوع إلى الأعلى