يعيش سكان ميلة حالة خوف، بعد الهزتين الأرضيتين اللتين وقعتا الجمعة الماضي، ولا تزال آثارهما تبعث الرعب في النفوس، فالهزات الارتدادية لم تتوقف، وتستمر رقعة التشققات والتصدعات الأرضية في الاتساع، كما يمكن سماع أصوات تفكك مواد البناء على مستوى البنايات، وأمام استمرار الخطر، زادت شكاوى المتضررين ، من الوضعية التي يوجدون عليها، حيث تبيت الكثير من العائلات داخل الخيم، وبأعداد كبيرة، وبعضها في العراء، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وخطر انتشار عدوى فيروس «كوفيد 19»، فيما تعمل السلطات والمجتمع المدني، جاهدة على احتواء الوضع.
وقد تجولت النصر، أمس، بين الأحياء المتضررة وكذا مكان إيواء العائلات المنكوبة والتي تضررت منازلها، كما تحدثنا إلى المواطنين، ومختلف الفاعلين في عملية مساعدة المتضررين، وحاولنا نقل صورة عن انعكاسات زلزال الجمعة الماضي.
فرق الرقابة منتشرة والجميع يطالبون بمعاينة المساكن
تنتشر فرق الرقابة التقنية عبر شوارع الأحياء المتضررة، غير أن معظم السكان يشتكون عدم وصولها إليهم، ويستعجلون ذلك، كما أن بعض السكان الذين مر عليهم عناصر هذه اللجان يطالبون بعودتها إليهم، لتفقد وضعية البناية مرة أخرى، بعد الضرر الذي لحق بها من جديد، من أجل تغيير الخانة التي صنفتها فيها الفرقة التقنية عند المعاينة الأولى، وهي أمور حاولنا التأكد منها، حيث شاهدنا أضرارا إضافية، لحقت ببعض البنايات، بعد يومين من وقوع الكارثة.
السكان يريدون ضمانات من السلطات
في ميلة وحسب ما وقفنا عليه، لسان حال الجميع، يشتكي مما يسمونه بالنقائص الكثيرة المسجلة في التكفل بالعائلات المنكوبة، فسكان الأحياء المتضررة متذمرون ويشتكون من عدم اتصال المسؤولين المحليين بهم، حتى أن بعض المحتجين من سكان حي الخربة منعوا، نهار أمس الأحد، مسؤولين مشرفين على فرق الرقابة التقنية من مغادرة نقطة تواجدهم بجوار أول مسكن منهار لمدة ثلاث ساعات، وإلى غاية تدخل كل من رئيس الدائرة والبلدية، وتقديمهم لكل الضمانات بأن انشغالاتهم ستؤخذ بعين الاعتبار، وقد طمأنهم رئيس الدائرة بمنع تسلل غير المتضررين للاستفادة من أية إعانة قررتها الدولة لصالحهم، طالبا منهم الصبر، متعهدا بأن لجان الرقابة التقنية ستقوم بتغطية ومسح وتشخيص كل البنايات والأحياء المتضررة.
تشكيل أمني حول بنايات الأحياء المتضررة ومركز العبور
وسط الأحياء المتضررة، التقينا شبابا يتجولون بين الشوارع، فبمنطقة الخربة وحي 240 مسكنا، رأينا شبابا يرتدون صدريات وحاملين للعصي يتفقدون كل شخص يدخل الحي أو يخرج منه، مؤكدين بأنهم يريدون تقديم المساعدة في ضمان الأمن بالأحياء المتضررة، ومنع دخول الغرباء إليها، وكذا السهر على بقاء أحيائهم أمنة.      
وفي سياق متصل، نفى المكلف بخلية الاتصال والعلاقات العامة بأمن ولاية ميلة، تلقي مصالح الشرطة لأي بلاغ أو شكوى، تفيد بتعرض العائلات أو البنايات للسرقة، مثلما يروج له البعض في الشارع أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مؤكدا بأن عناصر الشرطة باللباسين الرسمي والمدني، منتشروة وفق التشكيل الأمني الميداني المعمول به حاليا، والذي يمنع دخول الغرباء للمناطق المتضررة أو لمركز العبور، باستثناء سكان هذه المناطق.
نشاط كبير بالخيمة الطبية وتخوف من انتشار الوباء
داخل الخيمة الطبية، على مستوى مركز العبور، لاحظنا نشاطا كبيرا، وعددا كبيرا من المرضى، خاصة من كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة، وسط تكفل ضمن الإمكانيات المتاحة، من قبل الطاقم الطبي والشبه الطبي الذي يعمل بالمكان.
وقد أوضح طبيب الحماية المدنية النقيب سمير بخوش، المشرف على تسيير الخيمة الطبية والنفسية، رفقة نظراء له من الصحة الجوارية، وأطباء متطوعين من الهلال الأحمر الجزائري، أن نشاط الخيمة والعيادة الطبية المجهزة بالوسائل الضرورية، في مقدمتها غاز الأكسجين، كان كبيرا أمس الأحد وأول أمس السبت، حيث تم حسبه، الكشف في اليوم الأول على 75 مريضا من نزلاء المركز، من مختلف الأعمار وفي اليوم الثاني، و حتى الساعة الخامسة مساء، تم الكشف عن 60 مريضا ، معظمهم يشتكون من بعض الأمراض المزمنة كضغط الدم و السكري و الحساسية، إضافة إلى حالات الهلع، التي أصابت الكثيرين.
وقد أشار محدثنا إلى أن هذه الأمراض هي الشائعة في مثل هذه الحالات، كما أن هؤلاء المرضى قدمت لهم وصفات طبية، إضافة للكمامات، فيما أبدت ممثلة الصحة الجوارية التي التقينا بها بمركز العبور، تخوفها من ظاهرة تهاون نزلاء المركز في ارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد بينهم، لمنع انتشار فيروس كورونا.
572 عائلة بمركز العبور و بعض الخيم تضم 6 أسر
على مستوى مركز العبور، أين يتم إيواء العائلات التي انهارت أو باتت مساكنها على وشك السقوط، بملعب بلقاسم بلعيد، كان الاكتظاظ واضحا، حيث وجدنا مواطنين ومواطنات يطالبون بالحصول على خيم، مؤكدين أنهم قضوا ليلتهم في العراء، وقد شاهدنا بينهم امرأة حامل، كانت تبكي وتشتكي من عدم حصولها على فراش تستلقي عليه، وقد بدا التعب والإحباط باديين عليها.
وقد كان رئيس البلدية أحمد برجم، حاضرا بعين المكان، حيث أكد للجميع، بأن مصالح الدولة مجندة في سلسلة مترابطة لمواجهة هذه الكارثة التي حلت بالبلدية، وأن اتخاذ قرار إيواء العائلات المتضررة بمركز العبور، لا يعود له، وإنما جاء بعد تلقي توصية، من فرق الرقابة التقنية العاملة بالميدان، مضيفا بأن هذه اللجان هي التي تحدد أسماء العائلات التي يحق لها السكن بمركز العبور، إن لم يكن لها قريب تلجأ إليه، بناء على وضعية السكن ومخاطر البقاء فيه.
وأشار في السياق لتواجد حتى صباح أمس الأحد 572 عائلة بمركز العبور الذي يضم حاليا 124 خيمة منها اثنان وعشرون خيمة غير مسكونة، إضافة لخيمة مستعملة كعيادة طبية ونفسانية، علما وأن الخيمة الواحدة تضم حتى ست عائلات مجمعة، ولا يمكن إدخال عائلات أكثر خوفا من انتشار وباء كورونا، مع الإشارة أن عملية توزيع الكمامات قائمة يوميا، نافيا تجاهل بعض الحالات، منها النساء الحوامل، مؤكدا أنهن يجدن كل الرعاية بالمركز، وحول سؤال متعلق بدعم هذا المركز، بملعب حي صناوة مثلا، رد محدثنا أن الملعب المذكور يفتقر للإنارة والأمن.
الهلال الأحمر يعد بمساعدات جديدة ابتداء من اليوم
من جهته رئيس مكتب الهلال الأحمر الجزائري بولاية ميلة، أكد بأن أول مهمة له رفقة زملائه، هي التدخل العاجل في حال وقوع مثل هذه الحوادث، مضيفا بأنهم ساعدوا بالتنسيق مع المسؤولين في إسكان العائلات المتضررة بمركز العبور، كما ساهموا في العمل النفسي عبر الفرق المختصة، إضافة لضمان الأكل وتوزيع الوجبات الغذائية، مع تثمين الهبة الشعبية للمواطنين المحسنين، كاشفا أن رئيسة الهلال الأحمر الجزائري السيدة سعيدة بن حبيلس، ستزور ولاية ميلة اليوم الاثنين، رفقة فرق وعناصر متطوعة لهذه الهيئة الإغاثية، من عدد من ولايات الوطن لتقديم يد العون والمساعدة، حاملين معهم إعانات مادية،  أما محليا فأفاد بأن جمعيات عدة تنشط بميلة متواجدة هي الأخرى بالميدان مثل جمعية نجدة و الترقية والمواطنة.
قوافل التضامن بدأت تصل تباعا للولاية
شرعت قوافل التضامن، تصل تباعا لولاية ميلة محملة بالإعانات والهبات، مثلما صرح به مدير النشاط الاجتماعي للنصر، حيث تم استقبال حتى عشية أمس قوافل من الجزائر العاصمة و سطيف وكذا المسيلة وجيجل ، وتم توجه الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية كالسميد، الفرينة والحليب، وكذا الأغطية والأفرشة لمركز القطاع برجاص، أما الماء والمواد الغذائية الواجب استهلاكها في حينها خوفا من تلفها فتوجه مباشرة للقاعة المتعددة الرياضات المجاورة لمركز العبور، وفيها تستقبل كذلك تبرعات المواطنين، كل حسب مقدرته، حيث يتم جردها في السجل الخاص الذي فتح من قبل إطارات قطاع الشباب والرياضة، الذين إضافة لمهامهم الأخرى، أوكلت لهم مهمة تلقي الهبات الفردية والجماعية بالقاعة الرياضية.
كما دخل مواطنون آخرون مثلما وقفنا عليه في حي الخربة على نفس خط التبرع بنقلهم وجبات الغذاء للمتضررين الماكثين هناك مباشرة دون المرور على الخلية المكلفة بالإطعام، فيما يشرف عناصر الجمعيات المتطوعة بمركز العبور على مهمة توزيع  مياه الشرب  وبعض المواد الغذائية سريعة التلف، حسب ما أوضح رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه بميلة.
الكشافة الإسلامية حاضرة بقوة في الميدان
بدورهم يتواجد أفراد الكشافة الإسلامية بكثرة في الميدان، مقدمين خدماتهم، على قدر المستطاع، وقد أوضح قائدهم للنصر، أن تواجدهم كان مع بداية الأزمة، حيث شرعوا مباشرة بعد الهزة، في توزيع الماء والغذاء، قبل التحول لملعب الشهيد بلقاسم بلعيد، لتقديم الدعم لرجال الحماية المدنية والمساهمة في نصب الخيم معهم، وبعدها المشاركة في عملية الترحيل مع دعم أبناء الكشافة القاطنين بميلة، بإخوانهم من البلديات المحيطة، كما كشف محدثنا عن عملية أخرى تقوم بها الكشافة، وهي فرز العائلات المقيمة حاليا بالمركز، حسب عنوان ومقر السكن بالأحياء المتضررة لمنع تسرب العائلات، التي لا تقطن بهذه الأحياء، والتي تقول بعض الشائعات أنها احتلت موقعا لها بمركز العبور بالملعب.  
إبراهيم شليغم

الرجوع إلى الأعلى