تمر اليوم، الذكرى الثانية للحراك الشعبي الأصيل الذي أطاح بمنظومة حكم فاسدة استمرت طيلة 20 سنة، وتمر الذكرى بحصيلة إيجابية لمسار نضالي سلمي بامتياز صنع الاستثناء وأعاد عبر 53 أسبوعا من التظاهر الحضاري تحت حماية الجيش الوطني الشعبي البلاد إلى سكتها الصحيحة، منقذا بذلك  الدولة الوطنية، إلا أن هذا النجاح لم يمنع من محاولات اختراق متواصلة لاستهداف استقرار البلاد، و عشية هذه المناسبة أعلن الرئيس عن جملة من القرارات التي تأتي تنفيذا للالتزامات التي قدمها للشعب الجزائري بتجسيد كل المطالب التي رفعها الحراك المبارك.
كان تاريخ 22 فيفري 2019، لحظة فارقة في حياة الجزائريين، إذ قرروا النزول إلى الشارع لغاية سياسية محضة، وبالعاصمة الجزائر، كسر المواطنون قانون حظر التظاهر، آنذاك، واضطرت القوات الأمنية إلى إخلاء الطريق أمام الآلاف من المحتجين الرافضين لاعتزام بوتفليقة حينها، الترشح لولاية رئاسية خامسة.
قبل ذلك أعلن حزب «جبهة التحرير الوطني، في العاشر من فيفري من السنة ذاتها، ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، في انتخابات كان مقررا تنظيمها في 18 أفريل 2019. وأخذت المسيرات الشعبية والاحتجاجات التي بدأت من خنشلة وخراطة وجيجل ومدن أخرى في الاتساع لتشمل جميع الولايات، واتسمت بالسلمية وباتت حاضرة في النشرات الرئيسية للتلفزيون العمومي.
وخلال تلك الفترة، رفع المتظاهرون شعارين أساسيين، عبرا بوضوح عن رفض العهدة الخامسة لبوتفليقة، أو تمديد العهدة الرابعة، بعد قراره إلغاء انتخابات 18 أفريل، وأيضا مطلب محاسبة المتورطين في الفساد. وفي الثاني من أفريل 2019، استجاب بوتفليقة لمطالب الحراك بضغط من المؤسسة العسكرية، وقدم استقالته من منصبه، للمحكمة الدستورية.
وحرصت المؤسسة العسكرية على الالتزام بالخيار الدستوري الذي أوصل البلاد إلى تنظيم انتخابات رئاسية في ديسمبر 2020، بعد فترة انتقالية قادها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، وأفرزت الرئاسيات فوز عبد المجيد تبون، الذي قرر تخليد تاريخ 22 فبراير بجعله «يوما وطنيا للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية»، ودسترة الحراك بإدراجه في ديباجة الدستور أين تمت الإشارة إلى أن هذه الوثيقة السامية تعكس «عبقرية الشعب ومرآته الصافية التي تعبر عن تطلعاته إصراره و نتاج التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي أحدثها».
محاولات لضرب الحراك وإجهاض مسيرته
وقال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال اجتماع للحكومة والولاة، أن الحراك الشعبي السلمي يمثل «إرادة الشعب التي لا تقهر»، مذكرا أن هذا الحراك «المبارك» جاء «طلبا للتغيير و رفضا للمغامرة التي كادت تؤدي إلى انهيار الدولة الوطنية و أركانها و العودة إلى مأساة التسعينيات».
ولعل أحد الانتصارات التي حققها الجزائريون هي مواجهة مخططات التقسيم الممنهج التي تنطلق من منصات التواصل الاجتماعي وتجد سندا ودعما لها في عواصم أجنبية تحركت مؤخرا بشكل علني من مبنى البرلمان الأوروبي، غير أنها اصطدمت بهبة شعبية ورسمية منقطعة النظير تمكنت من إفشالها.
فنجاح الحراك الشعبي في إسقاط منظومة حكم فاسدة استمرت طيلة 20 سنة، وبدعم من المؤسسة العسكرية التي انتصرت للشعب و وقفت إلى جانبه لتحقيق طموحاته، لم يكن يعني إطلاقا نهاية «الدسائس ومحاولات استهداف استقرار الوطن»، حيث عملت أطراف داخلية بدعم من جهات أجنبية على إذكاء نار التفرقة ودس السم في العسل وتحريك أطراف مناوئة لضرب استقرار الوطن.
وذكرت مجلة «الجيش»، اللسان المركزي للمؤسسة العسكرية، في افتتاحيتها، أن «أطرافاً دبلوماسية تقوم بتحركات مشبوهة وتصرفات منافية تماماً للأعراف الدبلوماسية، وتقوم أطراف أجنبية بتحركات أقل ما يقال عنها إنها مشبوهة ويائسة تستهدف المساس بالبلاد وزعزعة استقرارها، في محاولة مفضوحة للتدخل السافر في شؤوننا الداخلية وهو ما ترفضه بلادنا جملة وتفصيلاً».
ودعت المجلة القوى السياسية والمدنية إلى وضع مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار، عشية الذكرى الثانية لمسيرات الحراك الشعبي الذي بدأ في 22 فبراير 2019، وحثت الأحزاب السياسية والمجتمع المدني على لعب دورها في هذه الظروف وتحمل مسؤولياتها والمساعدة لسد الفراغ الكامن في مجال تأطير المجتمع بغية خلق ثقافة نضال حقيقي يعود بالنفع على البلاد والعباد ويدفع مختلف فئاته للمشاركة في الحياة السياسية، وثم المساهمة بفاعلية في بناء الجزائر الجديدة».
الرئيس يفي بوعده ويستجيب للحراك “الأصيل”
ويحتفي الحراك الشعبي بحصيلة إيجابية ، حيث تمكن خلال عامين من تغيير نظام حكم بطريقة سلمية من خلال إصراره على تطبيق المواد 7، 8 و102 من الدستور بمرافقة القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي. و تجسد هذا المطلب من خلال النجاح في تنظيم أول انتخابات رئاسية تحت إشراف سلطة وطنية مستقلة للانتخابات. وصولا إلى تعديل الدستور في انتظار إرساء مؤسسات انتخابية لا تحوم حولها أية شبهة ولا شكوك.
واختار الرئيس تبون موعد الذكرى الثانية للمسيرات الشعبية التي أوقفت مسار انهيار البلاد، للإعلان عن جملة من القرارات الهامة والتاريخية، وأخرى سيتم الإعلان عنها مستقبلا في إطار التغيير الجذري الذي طالب به الحراك “الأصيل والمبارك” وذلك من خلال “حلول مؤسساتية ودائمة”. والتي أظهرت إصرار الرئيس على الذهاب بعيدا في تجسيد المطالب التي رفعها الجزائريون قبل عامين والتوجه نحو جزائر جديدة لا سيادة فيها إلا للقانون ولا فيصل إلا بالصندوق الانتخابي الشفاف.
وأقر الرئيس تبون عفوا رئاسيا لمعتقلي الحراك الشعبي شمل ما يقارب 60 ناشطا صدرت في حق بعضهم أحكام نهائية، وما زال البعض الآخر قيد التحريات والطعون، أعلن الرئيس تبون عن قراره بحل المجلس الشعبي الوطني والمرور مباشرة إلى انتخابات تشريعية “تكون خالية من المال الفاسد أو غير الفاسد، تفتح المجال للشباب” الذي دعاه إلى “اقتحام المؤسسات السياسية” وسيتم ذلك بتشجيع من الدولة من خلال “التكفل بجزء كبير من تمويل الحملة الانتخابية”، معتبرا في هذا الصدد “إشراك الشباب في الحياة السياسية سيمكن من ضخ دم جديد في أجهزة الدولة،وجاءت تلك القرارات تنفيذ لالتزامات قدمها الرئيس تبون في تصريحاته أمام وسائل الإعلام، حيث أكد في مناسبات عديدة على التزامه باستكمال تحقيق مطالب الحراك، مشيرا إلى أن « هناك مطالب تحققت وهناك ما يتحقق آنيا وهناك آفاق سياسية أخرى» ، مشددا على « تجسيد كل المطالب المتعلقة بتعديل الدستور والقوانين وتعديل جذري لأسس الديمقراطية في الجزائر وبناء ديمقراطية حقة ومحاربة الإقصاء بكل أوجهه ومحاربة الفساد وأخلقة المجتمع».
ع سمير

الرجوع إلى الأعلى