استقطبت الانتخابات التشريعية المقبلة كل الفئات الاجتماعية، وكل الشرائح والمستويات العلمية و الثقافية، حسب ما تظهره بيانات وملصقات الحملة الانتخابية التي انطلقت منذ أيام قليلة، في إقبال جماعي لإشباع رغبة سنوات من التعطش السيّاسي بسبب اللّعبة الانتخابية التي كانت شبه مغلقة في الاستحقاقات الماضية.
وبدا واضحا أنّ النظام الجديد للانتخابات القائم أساسا على نمط القائمة المفتوحة، و منح الاختيار للناخب للتصويت على المترشح الذي يريده والذي يراه مناسبا، قد أغرى الكثير من فئات وشرائح المجتمع التي كانت ترى سابقا في العملية الانتخابية حلقة مغلقة محسومة النتائج  منذ مرحلة ترتيب المترشحين.
وتُظهر قوائم وملصقات الحملة الانتخابية التي شرعت الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة في نشرها، والكشف بالتالي عن هوية المرشحين فيها، أنّ كلّ الفئات الاجتماعيّة تقدمت للانتخابات التشريعيّة المقرّرة في 12 جوان القادم،  مترشحون من مختلف الأعمار وبخاصة الشباب، و بمختلف الشهادات الجامعية و التكوينية، من الأستاذ الجامعي، إلى المعلم، إلى الصحفي، إلى التقني من مختلف التخصّصات، إلى العامل البسيط، إلى مسيري المؤسسات الاقتصادية الخاصّة والعمومية، إلى الإطارات  من مختلف الرتب وغيرهم.
و منح العدد الكبير من القوائم التي سجلت نفسها بشكل غير مسبوق لسباق 12 جوان القادم الفرصة لكل هذا الكم من المترشحين، وأعطى مكانا لممثلي كل الفئات سالفة الذكر التي رغبت في الترشح وممارسة حقها في العمل السياسي هذه المرّة بعدما كانت تنفر منه في وقت سابق لأسباب موضوعية متعددة.
 ويرى أستاذ العلوم السياسية ،بشير شايب، بهذا الخصوص أن عوامل عدة تقاطعت ودفعت هذه الشرائح إلى خوض التجربة السياسية من بوابة الانتخابات التشريعية المقبلة، وتحدث في تصريح "للنصر" أمس أولا عن وجود "حالة تعطش" واضحة لممارسة العمل السياسي عند كل أطياف الشعب عبر الوصول إلى تقلد مناصب سياسية بعد حرمان لفترة طويلة احتكرت فيها العملية السياسية من قبل جهات معينة  تحسب على أحزاب سياسية معنية وأطراف أخرى.
وفي المقام الثاني لعب أيضا العامل النفسي -حسب محدثنا- دورا في تسجل هذا الإقبال الكبير على الترشح للانتخابات، لأن العملية الانتخابية فتحت بشروط محددة ومعينة، بحيث يمكن لأي مواطن اجتياز عقبة جمع التوقيعات وبالتالي تسجيل نفسه ضمن قائمة المترشحين.
فضلا عن ذلك -يضيف الأستاذ شايب- أن النظام الانتخابي الحالي أحسن بكثير من السابق القائم على القائمة المغلقة الذي كان يحسم الانتخابات والنتائج بمجرد ترتيب المترشحين في القوائم، بحيث يصبح الفائزون المحتملون معروفين مسبقا وبنسبة كبيرة.
 أما  نظام القائمة المفتوحة المعمول به في هذه الانتخابات فقد حوّل أعضاء القائمة بمجرد تشكيلها إلى متنافسين فيما بينهم وبالتالي يصعب التكهن بالنتائج من أي كان، ويرى فيها كل مترشح- بعملية حسابية بسيطة- أن حصوله على ألف أو ألفين صوت سيجعل منه نائبا في البرلمان، وهو ما يعني أن كل المترشحين لديهم نفس  الأمل في الفوز،  و هذه النقطة هي التي شكلت للكثيرين دافعا للترشح منذ البداية.
و يخلص محدثنا في المقابل إلى أن غياب التنشئة السياسية خلق نوعا من التجني على الحقل السياسي الذي يتطلب معارف مسبقة وتكوينا سياسيا معينا، وهو ربما ما دفع إلى استباحة العمل السياسي دون وجود الكفاءة المطلوبة وشجع الكثير من الأطياف على الترشح بهذه القوة.
و بالإضافة للأسباب التي عددها الأستاذ شايب فإن الفتح الذي عرفه المجال السياسي والاجتماعي منذ شهور، والفرصة التي منحت للمجتمع المدني منذ بداية العهدة الرئاسية، والتأكيد على دعم الشباب وتشجيعه للمساهمة في العمل السياسي والتي ترجمت في شكل مواد وبنود وأحكام في قانون الانتخابات الجديد، والقرارات الأخرى ذات الصلة به، قد ساهمت بشكل كبير في خلق هذا التدافع الملاحظ اليوم في الترشح للانتخابات التشريعية.
إذ بعد سنوات كانت فيها اللعبة الانتخابية مغلقة خاصة مع تدخل المال والفساد الذي أنهك الكثير من الأحزاب السياسية، يرى المواطن  أو المناضل العادي اليوم أن هناك نقطة ضوء ربما يستطيع من خلالها تقديم نفسه للناخبين ولم لا الوصول إلى قبة البرلمان، لأن النظام الانتخابي الجديد يمنح هذه الفرصة لمن يقرنها بعمل ميداني حقيقي يطلب من خلاله ود الناخب وفق المعايير المقبولة.
 والأكيد أن هذا الإقبال من أطياف وفئات متعددة على الترشح سيكون له الأثر الواضح على تركيبة المجلس الشعبي الوطني القادم.                             إلياس -ب

الرجوع إلى الأعلى