يسلط كتاب « قضية الصحراء الغربية.. الحصيلة والآفاق (1884 - 2025) من الاستعمار الاسباني إلى الاستعمار الاستيطاني المغربي» الصادر حديثا للأستاذين أحمد عظيمي، أستاذ الإعلام والاتصال وخبير أمني واستراتيجي، و مصطفى صايج، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية كليهما بجامعة الجزائر، الضوء على القضية الصحراوية من جوانبها التاريخية والقانونية والسياسية، ويرسم سيناريوهات ثلاثة لمآل القضية في المستقبل.

يعيد هذا الكتاب الأكاديمي قراءة تاريخ الصحراء الغربية منذ بداية الاحتلال الاسباني إلى الاحتلال الاستيطاني المغربي، ويتناول كل الأحداث الكبرى التي عاشها إقليم الصحراء الغربية منذ 1884 إلى الآن، مع نظرة استشرافية حتى سنة 2025، و قد جاء عبر ستة فصول دقيقة تحمل الكثير من المعلومات التاريخية الموثقة التي تقدم صورة حقيقية عن وضع هذه القطعة الترابية، وتزيل الكثير من اللبس الناتج عن الدعاية والأكاذيب وتحريف الحقائق التاريخية ولعبة المصالح.
ويسجل المؤلفان في المقدمة أن هذا الكتاب جاء في هذا التوقيت بالذات لأن معظم الكتب التي صدرت حول المسألة الصحراوية باللغة العربية قديمة تعود إلى ما قبل مطلع القرن الحالي وأغلبيتها من تأليف مغاربة، وهي تفتقد للموضوعية وتتجنب قول الحقيقة، أما المؤلفات التي صدرت باللغات الأخرى فهي أيضا قديمة وجلها لا يتناول القضية  من بداية الاحتلال الاسباني إلى الآن، فضلا عن غياب الدراسات التنبؤية بمستقبل الصراع وكيف ستكون مآلاته.
يتناول الفصل الأول ثلاثة عناصر هي « البعد التاريخي لقضية الصحراء الغربية» وفيه يتطرق المؤلفان للمسؤولية التاريخية والقانونية لاسبانيا في النزاع
(1884 - 1975)، ثانيا اتفاق مدريد السري والمسؤولية التاريخية والأخلاقية للاستعمار الاسباني، وأخيرا موقف دول الجوار من الاحتلال الاسباني ومآلات تصفية الاستعمار.
لا دلائل تاريخية على سيادة المغرب على الصحراء الغربية
وبهذا الخصوص يؤكد المؤلفان أن الحقائق والوقائع التاريخية تثبت قبل التقسيم الاستعماري في مؤتمري برلين أن الصحراء الغربية لم تكن يوما خاضعة لسيادة المغرب، وهو ما يشير إليه الكم الهائل من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومنها المعاهدة الموقعة بين السلطان المغربي محمد بن عبد الله و شارل الثالث ملك اسبانيا يوم 18 مارس 1767 حيث نصت المادة الثامنة منها «سلطان المغرب يعلن تحفظه فيما يخص رغبة الملك الكاثوليكي بإيجاد مؤسسة له جنوب وادي نون لأنه- أي السلطان- لا يمكنه تحمل المسؤولية اتجاه الأحداث التي ستقع هناك أو المآسي  التي ستحدث،لأن سيادته لا تصل إلى تلك المنطقة، ولأن السكان هناك خطيرين ومتوحشين والذين تسببوا على الدوام في مآسي لسكان جزر كناريا بل واستعبدوهم».
و يقدم الكتاب معاهدات أخرى تؤكد جميعها أن سيادة السلطان المغربي لا تتعدى وادي نون جنوبا، منها المعاهدة الانجليزية المغربية المؤرخة في 9 ديسمبر 1856 والمعاهدة الاسبانية المغربية  المؤرخة في 20 نوفمبر 1861 في مادتها الـ 38.
وانطلاقا مما كرسه مؤتمر برلين 1884 - 1885 الذي قسم  نفوذ الدول الأوروبية في إفريقيا وغيرها فقد أقرت الدول الأوروبية  بسيادة اسبانيا على منطقة الصحراء الغربية وهو ما يثبت مسؤولياتها التاريخية والسياسية والقانونية والأخلاقية على ما حصل بعد ذلك لهذا الإقليم.
 لكن اتفاق مدريد السري يثبت التواطؤ الفعلي بين الأمير خوان كارلوس  وملك المغرب الحسن الثاني ليتم استبدال الاستعمار التقليدي للصحراء الغربية باستعمار استيطاني مغربي جديد  بدعم غربي أمريكي- فرنسي بالأساس، حيث نسق خوان كارلوس في آخر أيام فرانكو مع الحسن الثاني والولايات المتحدة الأمريكية بشأن المسيرة الخضراء الاحتلالية.
أما بشأن موقف دول الجوار ومآلات تصفية الاستعمار الاسباني سواء عبر اللقاءات الثلاثية – الجزائر- المغرب- موريتانيا، أو اللقاءات الثنائية الجزائر – المغرب والجزائر - موريتانيا، أو المغرب- موريتانا التي عقدت في سبعينات القرن الماضي، فقد أكدت كلها على حق تقرير المصير للشعب الصحراوي.
ويتناول الفصل الثاني من الكتاب «الاستعمار الاستيطاني المغربي كنموذج للاستيطان الصهيوني في فلسطين» في جوانبه المتعلقة (بالسلوك والأدوات والحماية) وفي هذا الفصل يسجل احمد عظيمي ومصطفى صايج بحسب الكثير من المتابعين للأحداث في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط التشابه الكبير بين طبيعة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والاحتلال المغربي للصحراء الغربية، من حيث الخلفيات والدوافع والمناورات القانونية.
فكلا الاستعمارين الاستيطانيين قاما بفرض سياسة استيطانية بطرد السكان الأصليين وإبادتهم- مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي العربية و مخيمات اللاجئين الصحراويين في الأراضي الجزائرية- وعمل الاحتلالان على فرض سياسة الأمر الواقع بعد إقامة جدران عازلة تفصل الشعبين عن أرضهم وذويهم تجنبا للمقاومة، واعتمادهما على القوى الأوروبية  والغربية الاستعمارية وحماية اللوبي الصهيوني لهما في رسم القرار في القوى الكبرى.
ويتطرق الفصل للمناورة القانونية المغربية ومسيرة الاحتلال سنة 1975، و دوافع المغرب لاستفتاء محكمة العدل الدولية حول سيادته على الأراضي الصحراوية، حيث قدمت المحكمة رأيها الاستشاري في 16 أكتوبر من العام 1975 والذي أكدت فيه «عدم وجود أي روابط سيادة إقليمية  بين أرض الصحراء الغربية من جهة  والمملكة المغربية أو المجموعة الموريتانية من جهة أخرى».
وبأن «لا المغرب ولا موريتانا يحملان صفة دلالة السيادة على إقليم الصحراء الغربية» و هو ما يفتح المجال لتطبيق اللائحة 1514 المتعلقة بتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية.
 ومن هذا المنطلق فالمسؤولية السياسية والقانونية اتجاه تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية لا تزال ملقاة على عاتق  الدولة الاسبانية باعتبارها الإدارة التي تضطلع بإنهاء الاستعمار سيما وأن 2020 تصادف السنة الأخيرة من العقد الدولي الثالث للقضاء على الاستعمار.
المسيرة الخضراء- تواطؤ اسباني ودعم غربي
لكن وردا على قرار محكمة العدل الدولية لجأ الحسن الثاني إلى حيلة ومناورة سياسية لفرض الأمر الواقع بتنظيم ما سمي بالمسيرة الخضراء لاحتلال الصحراء الغربية، ويتطرق الفصل هذا للدوافع السياسية والجيوسياسية و الإقليمية و الدولية  للاحتلال المغربي للصحراء الغربية والتي من أهمها الحفاظ على العرش الملكي والبحث عن الإجماع الوطني لإضعاف القوى السياسية المعارضة وإبعاد المؤسسة العسكرية خارج لعبة القصر الملكي.
هذا فضلا عن الدوافع الاقتصادية ورهانات النفط والسمك والفوسفات والمجال الحيوي الأطلسي، وكيف قام المغرب بدور الوظيفة الأمنية والدبلوماسية من أجل التطبيع مع إسرائيل، و كيف لعب ورقة الحرب الباردة لإدارة  و دعم احتلاله للأراضي الصحراوية، وكيف لعب دور الوكيل للمصالح الفرنسية في شمال وغرب إفريقيا.
 وفي الفصل الثالث من الكتاب يتطرق المؤلفان  لموقف المجتمع الدولي من تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، وفصل فيما تعلق بموقف الدول العربية والإسلامية في موقف الأنظمة الملكية خاصة الخليجية منها الداعم للمغرب لعدة اعتبارات.
أما الموقف الأمريكي فقد تأرجح  منذ البداية بين دعم المملكة المغربية والفتور في الاهتمام بالنزاع، وكذا رفض الاعتراف بمغربية الصحراء، غير أن الموقف الأمريكي تغير نهاية سنة 2020 في نهاية عهدة ترامب الذي عقد صفقة سياسية مع الملك المغربي  تقضي بإقامة علاقات علنية مع إسرائيل مقابل إصدار مرسوم يعترف فيه بمغربية الصحراء.
 وجاء موقف فرنسا داعما ومساندا بشكل مطلق للمغرب ولولاها لما نظم المغرب ما يعرف بالمسيرة الخضراء حسب مراقبين، وعلى الرغم من أن باريس لا تعترف نظريا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية إلا أنها تسعى خاصة من خلال مواقفها في مجلس الأمن إلى إدامة وضعية الأمر الواقع، وتعقيد المسألة أكثر من خلال توريط الاتحاد الأوروبي في نهب ثورات الشعب الصحراوي.
 ويظل موقفا روسيا والصين متدحرجين  بين المصالح الاقتصادية مع المغرب  والمواقف المبدئية المتعلقة بحق الشعوب في تقرير مصيرها، أما مواقف الهيئات الدولية خاصة الأمم المتحدة والاتحاد  الإفريقي وقبله منظمة الوحدة الإفريقية فهي تعتبر النزاع مسألة متعلقة بتصفية الاستعمار.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي للصحراويين داخل الأراضي المحتلة تضمنه الفصل الرابع من الكتاب، وفيه تمت الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من الثروات التي تزخر بها الأرض الصحراوية ( الفوسفات- الحديد- صيد السمك السياحة والاكتشافات الأخيرة للمحروقات على طول الساحل) غير أن السكان الأصليين لا يتمتعون بخيرات بلدهم التي تقدر في الوقت الحالي بـ 4.5 مليار دولار سنويا يجنيها البلد المحتل.
ويرى مراقبون إنه لا يمكن تحقيق أي تقدم اقتصادي في ظل الاحتلال، كما تمثل البطالة بين الصحراويين نسبة كبيرة خاصة بين أوساط الشباب المتعلمين.
 أما وضعية حقوق الإنسان داخل الأراضي المحتلة فهي متدهورة جراء القمع المغربي المسلط على المدافعين عن حقوق الإنسان من الصحراويين من خلال التعذيب والقمع الممنهج والاعتقال والاختفاء القسري والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية وما وقع للمناضلة الصحراوية المعروفة اميناتو حيدر أحسن مثال على ذلك.
 وقد نبهت وحذرت الهيئات الدولية ومنظمات حقوقية دولية في أكثر من مناسبة إلى ضرورة تحسين وضع حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة، في ظل تواصل السياسة القمعية المغربية وغياب أي موقف دولي يسعى لحماية المواطنين الصحراويين العزل من كل ذلك.
كما لفت الكتاب الانتباه إلى وضعية السجون والمساجين الصحراويين في سجون الاحتلال المغربي التي كشفت شهادات ناجين منها أنها من أسوأ المعتقلات في العالم خاصة منها « السجن لكحل» بالعيون، حيث يتعرض المساجين إلى التعذيب ،  في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
أما الفصل الخامس من الكتاب فقد تناول  «قضية الكركرات والعودة إلى الحرب»، ويعود هذا الفصل إلى خلفيات  معبر الكركرات وأهميته بالنسبة للمغرب، وكيف استغلت المملكة سكوت المجتمع الدولي لتقوم تدريجيا بجعل الكركرات معبرا تجاريا نحو إفريقيا، رغم أن المنطقة ووفقا لاتفاق السلام لسنة 1991 تعتبر منطقة عازلة منزوعة السلاح خالية من أي وجود عسكري للمغرب وموريتانيا وللبوليساريو.
لكن الوضع الاقتصادي المتدهور للمغرب دفعه إلى فرض سياسة الأمر الواقع وفتح المعبر بالقوة العسكرية.
المستقبل..العودة للحرب.. استمرار الوضع القائم أو نموذج تيمور الشرقية
ويرصد الفصل السادس والأخير من الكتاب سيناريوهات المستقبل التي قد تفرض نفسها على القضية الصحراوية في ظل المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية، وفيه رسم المؤلفان ثلاثة سيناريوهات يمكن أن يؤول إليها الوضع في الصحراء الغربية.
 أولها السيناريو الثوري أو سيناريو «ما بعد الكركرات» والذي قد يؤدي إلى تحريك الرمال الراكدة بعدما أعلنت الجمهورية العربية الصحراوية رسميا وقف العمل بوقف أطلاق النار، وهو ما يعني بلغة أدق إعادة إحياء المقاومة بكل أشكالها بما فيها الخيار المسلح، والذي تكون نتيجته الإسراع في تصفية الاستعمار في إفريقيا.
ثانيا السيناريو الاتجاهي 2020 - 2025 وهو الذي يتصور إبقاء القضية في نفس المنحى البياني الخطي بتكريس منطق السلوك الاستعماري القائم على تقاسم النفوذ والمصالح على حساب استعباد الشعوب ونهب ثرواتها بتواطؤ داخل مجلس الأمن الراعي للسياسة التوسعية المغربية.
ثالثا سيناريو «تيمور الشرقية» ويركز على تنامي دور القوى المجتمعية الدولية لمساندة لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره مع تزايد مكاسب عناصر القوة الأخلاقية والسياسية لصالح خيار الاستقلال والذي من مؤشراته قرار المحكمة الأوروبية القاضية برفض اتفاقيات الصيد البحري واعتبار المغرب دولة محتلة وناهبة لثروات الشعب الصحراوي.
 ومن هذا المنطلق تبدو تجربة «تيمور الشرقية» بارزة في إعادة تصحيح المسار الاستعماري واعتراف اسبانيا بمسؤوليتها التاريخية والسياسية والأخلاقية، وهو السيناريو المستقبلي المرغوب فيه- حسب مؤلفي الكتاب- لبناء الاستقرار الإقليمي والعودة لحلم التكامل المغاربي.
« قضية الصحراء الغربية .. الحصيلة والآفاق 1884-2025» كتاب مهم يجد فيه القارئ العادي والمختص، تفاصيل عن الأحداث الكبرى التي عرفها إقليم الصحراء الغربية و يدحض الكتاب تاريخيا الادعاءات المغربية بسيادته على الإقليم، ويقدم بالصور والوثائق والخرائط دلائل ثابتة على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، و يبرز المسؤولية القانونية والأخلاقية لاسبانيا في الوضعية التي تعيشها الصحراء الغربية اليوم، كما يرسم صورة عن لعبة المصالح بين القوى الدولية والإقليمية التي كانت دوما على حساب حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
إلياس- ب

الرجوع إلى الأعلى