أكد أساتذة جامعيون، في ندوة للنصر، أن سوق العمل أصبح يدفع بالطلبة لاختيار التخصصات الجامعية التي تضمن لهم فرصة التوظيف وأن كثرة الطلب عليها جعلهم يعتقدون أنها الأنسب، مشددين على ضرورة اختيار المسار الجامعي الذي يتوافق مع قدرات و ميول الطالب، باعتبار ذلك من أهم القرارات التي تحتاج إلى تفكير وتخطيط مسبق.

 أعدت الندوة: لينة دلول

* أستاذة الأنثروبولوجيا الدكتورة بودليو حورية
اختيار التخصص الجامعي يتحدد برغبة الطالب و مؤهلاته  
تؤكد أستاذة الأنثروبولوجيا، بكلية العلوم الاجتماعية و الإنسانية، الدكتورة بودليو حورية، أن قضية اختيار التخصص تبقى من الأمور المهمة في حياة الطالب الجامعي، ومن أهم محددات مستقبله، والتي تتدخل فيها عدة عوامل من بينها الرغبة الشخصية في دراسة تخصص ما، وكذا المؤهلات المعرفية والنفسية، مشيرة إلى أن الاختيار يجب أن يكون بطريقة منطقية و عقلانية خاصة وأن بعض الطلبة ليس لديهم القدرة على دراسة تخصص معين، كالطب مثلا الذي يتطلب من صاحبه 7 سنوات من الصبر و الاجتهاد.   و تدعو الدكتورة إلى ضرورة تدخل الأولياء في مساعدة أبنائهم على اختيار التخصص الذي يتوافق مع  قدراتهم و مؤهلاتهم لكي لا يجدوا صعوبة في إكمال مسارهم الجامعي ويحققوا النجاح المنشود. و بحسبها، فقد أصبح من الضروري العمل على نشر الوعي الأكاديمي»التعليمي والمهني» بين الطلبة والذي يسهم في توعيتهم بأهمية بعض التخصصات وأن تحصيل الشهادة لا يعني بالضرورة إخراجهم إلى سوق العمل بل هي تؤهلهم فقط لذلك ولإقامة مشروع في قطاع من القطاعات. من بين التخصصات الجديدة بكلية العلوم الاجتماعية و الإنسانية والتي تحتوي على أربع فروع مهمة وهي التاريخ، علم الآثار،  علم الاجتماع، الفلسفة، تقول الدكتورة إن الأنثروبولوجيا توجه جديد في الكلية بدأ تدريسه منذ 2016  في مرحلة ليسانس،  وقبل ذلك كان في مرحلة الماستر فقط وهو حسبها مجال مهم جدا لثرائه بمعلومات ومقاييس قيمة.
وأكدت الدكتورة، أن الكلية تشترط معدل 10 من 20 في شهادة الباكالوريا للدخول إليها، إضافة إلى علامات مقبولة في مادة التاريخ والفلسفة وذلك باعتبارها وحدات أساسية، مشيرة في ذات السياق إلى أن باقي المواد الأخرى لا تدخل في معايير القبول.
وبخصوص المعدل الموزون الذي يجمع بين معدل شهادة البكالوريا وعلامات بعض المواد الأساسية المحصل عليها، أكدت الأستاذة، أن هذه التعليمة الجديدة فيها جانب من الإيجابية  بالنسبة للتخصصات التقنية والعلمية، وذلك لأنها تعمل على توجيه الطلبة بحسب قدراتهم وإمكانياتهم العلمية وكفاءاتهم.
 وتضيف الدكتورة بودليو، أنه رغم إيجابيات هذا القرار إلا أنه أثر سلبا على بعض الطلبة المجتهدين الذين لا يحالفهم الحظ في بعض المواد الأساسية خلال الامتحان رغم تفوقهم فيها طيلة السنوات الدراسية، لذلك فبمجرد حصولهم على نقطة ضعيفة في أحدها يحرمون من اختيار التخصص الذي يريدونه، ملحة في هذا الإطار على ضرورة احتساب كل المواد الأساسية في المعدل الموزون وليس مادة واحدة فقط  لأنها تؤثر على اختيارات الطالب.

* أستاذة فلسفة العلوم نبيلة عبودي
أحـــكام اجتماعية تحـــدد اختيارات الطلبـــة و عـــزوف عن تخصصات هامـة
أكدت أستاذة فلسفة العلوم بجامعة قسنطينة 2 عبد الحميد مهري الدكتورة نبيلة عبودي، أن عملية اختيار المسار الجامعي أصبحت تتدخل فيها الأحكام المسبقة الاجتماعية التي تحدد التخصص الذي يريده الطالب، بالإضافة إلى ميولات الأسرة التي توجه أبناءها إلى اختيار التخصصات العلمية، خصوصاً الطب والمدرسة العليا للأساتذة وذلك بسبب أن سوق العمل يحتاج لمثل هذه التخصصات.
وأكدت الأستاذة، أن الشعب المذكورة سابقا أصبحت تسجل إقبالا كبيرا عليها، في حين توجد تخصصات أخرى ذات قيمة علمية أيضا لكنها لا تحظى بنفس الإقبال، مرجعة ذلك إلى نظرة الشاب إلى الوظيفة وضعف رغبته في دراسة التخصصات التي لا تحظى بشهرة وبمستقبل عملي.
وتقول عبودي في ذات السياق، إن الفلسفة من أكثر التخصصات التي تعرف عزوفا، رغم أنها مجال ممتع، موضحة أن السبب في ذلك يعود للفكرة المسبقة التي يأتي بها الطالب من الثانوية والتي تنفره من هذا التخصص على أنها صعبة وتحتاج لمجهود كبير وذاكرة قوية. ويلعب سوق العمل من وجهة نظر الدكتورة، دورا كبيرا في توجيه الطالب نحو تخصص معين دون الآخر، مشيرة إلى أن الطلبة دائما يسألونها عن الميادين التي بإمكانهم العمل فيها بعد التخرج غير آبهين للرصيد المعرفي الذي سيجنونه من تلك التخصصات مستدلة بأمثلة عن العلوم السياسية، الأنثروبولوجيا الفلسفة....إلخ.
وتضيف المتخصصة في فلسفة العلوم، أنه قبل اختيار المسار الجامعي يجب على الطالب أن يحدد ويختار أهم التخصصات التي يرى أنها تتناسب مع إمكانياته وقدراته وميولاته، بالإضافة إلى مجال العمل الذي يرغب به مستقبلًا. وتشير الأستاذة، إلى أن الشهادة تعني الرصيد المعرفي الذي يؤهل الطالب للحياة و ليس تشغيله لأن ذلك حسبها من صلاحيات مؤسسات أخرى.

* بوعريوة نبيل أستاذ علم الآثار بجامعة قسنطينة 2
يجب تكييف بعض التخصصات «المهمشة» مع سوق العمل
أكد الأستاذ في علم الآثار بوعريوة نبيل، أن ظروف الطالب المعيشية هي التي تدفع به إلى اختيار تخصص دون الآخر وتجعله محصورا بين تخصصات لا تتوافق مع ميولاته ولكنها تضمن له فرصة العمل، داعيا إلى ضرورة تكييف بعض التخصصات «المهمشة» مع سوق العمل.
و يؤكد المتحدث، أن فرع علم الآثار أصبح من بين التخصصات التي تسجل عزوفا كبيرا من قبل الطلبة، وهذا ليس وليد اللحظة بل قديم كون له خلفيات اجتماعية و ثقافية تتدخل في ذلك أهمها اهتمام المجتمع والعائلة بتخصصات دون الأخرى.  ويشير إلى أن جهل الناس ببعض التخصصات و قيمتها العلمية يجعلهم ينفرون منها مباشرة دون محاولة الاطلاع عليها مؤكدا أن الجيل الحالي أصبح يبحث عن التخصص الذي يضمن له راتب محترم في المستقبل.
ومن الأمور التي نفرت الطلبة من بعض التخصصات بحسبه، أنه ليس لديهم فرصة المشاركة في مسابقات التعليم التي تفتحها الوزارة لذلك فإن فرص العمل في تلك التخصصات محدودة ومحصورة على غرار علم الآثار الذي يعمل خريجوه في المتاحف و بعض المناصب المعينة في قطاع السياحة.  وأوضح الأستاذ، أن الجانب الاجتماعي أصبح يقلل من مكانة بعض التخصصات الإنسانية و يرفع من قيمة العلمية كما هو ملحوظ بشكل كبير في الطب والمدرسة العليا للأساتذة، وهو ما يوضح حسبه أن التخصص في بعض الأحيان ليس إلا مكانة اجتماعية.

* المختصة في التوجيه المهني سلمى بكوش
فرص العمل متاحة حتى في التخصصات الأقل إقبالا
تؤكد المدونة المتخصصة في التوجيه المهني سلمى بكوش، أن الطلبة في السنوات الأخيرة أصبحوا يسألونها في كل موسم عن كيفية الاختيار بين التخصصات العلمية والتقنية، موضحة أن ارتفاع معدل بعض التخصصات هو الذي يجعل المتفوقين يعتقدون أنها الأحسن، وأن اختيارهم مقتصر عليها، لافتة إلى أن الارتفاع يدل على كثرة الطلب وليس على أنه أنسب تخصص لأصحاب المعدلات الممتازة.
ولفتت، إلى أن هناك تخصصات أخرى غير الطب والإعلام الآلي و غيرها من التخصصات المطلوبة بكثرة، والتي يمكن أن يتفوق فيها الطلبة، غير أن الالتحاق بكلية الطب مثلا يبقى مجرد سعي لمكانة اجتماعية ليس إلا، وبضغط تساهم فيه الأسرة والمحيط الاجتماعي.
أما دراسة الإعلام الآلي، بحسب المتحدثة قد أصبح يطغى عليه «الترند» و»الموضة» أكثر مما هو قناعة بالتخصص إذ أن الطالب أصبح طموحه هو الدخول إلى المدارس العليا رغم أن تلك التخصصات موجودة بالجامعة.
وأكدت المتحدثة، أنها تحرص في كل مرة على استقبال ضيوف من تخصصات أخرى على غرار العلوم السياسية، علم نفس، لغات، فندقة، تسويق رقمي، محاسبة ومالية وكذا التعريف بمميزاتها وآفاقها وإنجازات أصحابها في المجال المهني والأكاديمي، عبر قناتها في اليوتيوب. وترى بكوش، أن فرص العمل متاحة حتى في التخصصات الأقل إقبالا وأن المنح الدراسية ليست محصورة على التخصصات التقنية بل تشمل جميع المجالات.
 وتقول المختصة، إن الأحكام المسبقة والصور النمطية عن بعض التخصصات أصبحت تؤثر على عملية اختيار المسار الجامعي، لهذا يوجد الكثير من الطلبة يصدمون بعد الالتحاق بالتخصص ويقررون التغيير سواء خلال السنة الأولى أو بعد التخرج.
أما بالنسبة لأكثر التخصصات المطلوبة في العمل، فقد أوضحت بكوش، أن التطورات التكنولوجية المتسارعة وثورة الذكاء الاصطناعي غيرت من معادلة وآلية التوظيف في المؤسسات بشكل جذري إذ أن هذا المجال أصبح لديه حظوظ أكثر في سوق العمل، لأنه واسع جدا و يشهد منافسة شديدة.
وتطالب في ذات السياق، من الطالب أن يكون على دراية تامة بأن أي تخصص لا يضمن له النجاح الأكاديمي والمهني مستقبلا دون مواصلة التعلم الفردي ومواكبة ما يحدث في عالم التكنولوجيا. وأشارت المتحدثة إلى أهمية الدمج بين التخصصات عن طريق الاطلاع على كل ما هو جديد و التواصل مع أهل الاختصاص وتنمية الفضول وعدم الاكتفاء بما تقدمه الجامعات مضيفة أنه يمكن للطالب أن يثري رصيده العلمي وسيرته الذاتية من خلال الالتحاق بتربص نادي الجامعة والمشاريع التطوعية وكذا المشاركة في المؤتمرات والأنشطة التي تحسن من مستواه.

* الأستاذ في الميكروبولوجيا التطبيقة دهيمات العيد
على الطالب أن يفهم كل ما يتعلق بالتخصص الجامعي قبل أن يختاره
أكد عميد كلية علوم الطبيعة والحياة بجامعة منتوري قسنطينة 1 الأستاذ في الميكروبولوجيا التطبيقة، دهيمات العيد، أنه يجب على الطالب الجامعي قبل أن يختار الكلية التي يرغب فيها، التقرب أولا إلى الأبواب المفتوحة التي تنظمها الكليات لإعطائه كل التفاصيل عن التخصص و تجارب طلبة الدفعات السابقة، وكذا الشرح الكافي والوافي عن كيفية الاندماج في الجامعة.  و ذكر المتحدث، أنه من الضروري اخبار الطالب بأن الجامعة مربوطة بمحاضرات وأعمال تطبيقية و تقيمية وكذا فردية وتوجيهية، والتي بها يحدد مصيره العلمي ومستقبله المهني. وبخصوص النجاح في المسار الجامعي، أشار المتحدث في ذات السياق إلى أن الحرص على التواجد بالجامعة في الأوقات المحددة وفق رزنامة وجداول زمنية أسبوعية، وأن يكون الطالب على دراية بما يجري في المحاضرات و يدرس باستمرار من أهم العوامل التي تؤهله ليكون من الناجحين في نهاية السنة. وأفاد دهيمات، أن كلية العلوم الطبيعية والحياة بها فريق بيداغوجي  وإداري يعمل على مرافقة الطالب والأبعد من ذلك فريق الوساطة البيداغوجية الذي يسهل عملية إدماج الطبلة خلال السنوات والتقليل من الصعوبات التي تواجههم خلال مسارهم الجامعي . وأضاف الدكتور، أن كلية العلوم الطبيعة والحياة تحتوي على عدة تخصصات ذات علاقة مباشرة بالوسط الاجتماعي والاقتصادي، مطالبا في سياق آخر من الراغبين في الالتحاق بالكلية الاتصال مباشرة بمصالحهم، وذلك لأن لديهم فريق مكون من مؤطرين يساعدون في  عملية الاختيار وتجنب الأخطاء التي يمكن أن يقعوا فيها كعدم فهمهم للتخصصات. وأكد المتحدث، أن على الطالب أن يختار التخصص الذي يراه يتناسب  مع ميولاته و رغباته وقدراته الفكرية، وأن يكون على دراية بالمعدل الذي يطلبه ذلك الفرع و كيف يتم احتسابه مع المعدل الموزون.

الرجوع إلى الأعلى