أكدت مديرة الدراسات بالمجلس الأعلى للبحث العلمي والتكنولوجيات حليمة بن بوزة، في حوار «للنصر» توفر الجزائر على الكفاءات من تقنيين ومهندسين لتسيير البنك الوطني للبذور، من أجل الحفاظ على الأصناف النباتية الموجودة بالجزائر وتحسينها، لرفع مستوى الإنتاج الفلاحي، عبر تكييف البذور جينيا مع التغيرات المناخية، وصولا إلى تحقيق الأمن الغذائي.
uكيف تلقيتم قرار إنشاء بنك وطني للبذور لأول مرة في الجزائر؟
لقد كنا من المطالبين بإنشاء بنك وطني للبذور منذ سنوات، مع ضرورة استحداث ملحقات جهوية تابعة له، على غرار ما هو موجود بدول متقدمة، تخصص للبذور وللميكروبات الدقيقة وتكون مراكز لحفظ البكتيريات والفيروسات النافعة في المجال الزراعي، فنحن بحاجة على الأقل إلى ملحقتين كبيرتين تحسبا لحدوث كارثة طبيعية قد تضر بالمقر المركزي، كالزلازل أو الفيضانات.
ويمكن أن تكون الملحقتين نسختين طبق الأصل للبنك الوطني الكائن مقره بالعاصمة، لأن هناك بعض الدول التي تلجأ إلى إنشاء بنوك للبذور خارج ترابها للحفاظ على ما يوجد به من بذور وجينات نباتية.
uهل نحن مستعدون تقنيا لتجسيد هذا المشروع فعليا دون الاستعانة بخبرات من الخارج؟
أكيد نستطيع ذلك، لدينا عدة تقنيين ومهندسين على مستوى المدرسة العليا للفلاحة إلى جانب مهندسين فلاحيين تخرجوا من معاهد أخرى، وكذلك من درسوا البيولوجيا يمكن إخضاعهم إلى تكوين لحوالي ثلاثة أسابيع فقط، لأن بنك البذور لا يحتاج إلى تقنيات دقيقة، باستثناء بعض المجالات من بينها الزراعة خارج التربة، وهي تقنيات يمكن أن تتولاها مراكز البحث المختصة.
ولدينا في الجزائر العديد من أصناف البذور وكذا النباتات التي تتكاثر عن طريق الشتلات يجب الحفاظ عليها، وحمايتها من القرصنة البيولوجية في ظل عدم وجود نصوص قانونية صريحة تحمي الثروة النباتية، وتمنع إخراج بذور أو نباتات دون ترخيص من قبل مصالح وزارة الفلاحة.
uهل دخلت الجزائر مرحلة تحقيق الأمن الغذائي بتجسيد هذا المشروع؟
إن إنشاء بنك للبذور من شأنه أن يضمن الأمن الغذائي بالنسبة للإنسان وكذا الحيوان، فضلا عن الحفاظ على النوع النباتي الذي تزخر به البلاد، وكذا تحسين الأصناف النباتية الموجودة وأنواع البذور المحلية عن طريق عملية التهجين في إطار اتفاقيات دولية تحمي الثروة النباتية الوطنية، وأذكر على سبيل المثال البحوث التي يمولها الاتحاد الأوروبي لتطوير النباتات وجعلها أكثر مقاومة للجفاف وملوحة المياه من أجل الزيادة في حجم المحاصيل الزراعية بما يتناسب مع التغيرات المناخية.
uهل تملك الجزائر ما يكفي من الأصناف النباتية
و السلالات الحيوانية لإنشاء بنك وطني للبذور ؟
لقد ثمنا القرار الذي انتظرناه لسنوات، وأنا بصفتي باحثة بمركز البحث البيوتكنولوجي بقسنطينة سابقا، بادرت إلى إنشاء بنك جهوي للبذور خاص بمنطقة الشرق فقط، وخلال عملنا الميداني مع الطلبة اكتشفا عديد النباتات والأنواع غير المصنفة، لذلك كنا ندعو إلى إنشاء بنك وطني للبذور على غرار عدة بلدان، لا سيما وأن الجزائر بلد قارة فيه الكثير من الأنواع والأصناف النباتية.
وضمان الأمن الغذائي ليس بالأمر المستحيل لكنه ليس بالسهل، لأنه يتطلب وضع برنامج واستراتيجية، لأن الأمن الغذائي لا يعني فقط كل ما يتعلق بالمنتجات الفلاحية، وإنما أيضا يقصد به الموارد المائية والحيوانية والصناعة التحويلية الغذائية، التي يجب العمل على تطويرها.
والجزائر لديها ما يكفي من المنتجات الفلاحية يبقى فقط وضع استراتيجية لتثمينها، من أجل بلوغ هدف تحقيق الأمن الغذائي، في إطار ضمان الأمن الطاقوي والمائي وترشيد استعمالهما في المجال الزراعي.
وأجدد التأكيد على أن قرار إنشاء بنك وطني للبذور هو خطوة جد إيجابية تحتاج إلى استمرارية، وتتطلب تكوين العنصر البشري، وكذا إنشاء ملاحق جهوية، وهو مكسب كبير بالنسبة للجزائر وجد مهم، وهو يعد إطارا مناسبا للتبادل والتعاون مع بلدان أخرى، لأن من يريد الحصول على أصناف أو أنواع من النبات والبذور قصد تهجينها أو دراستها عليه التواصل مع البنك الوطني للبذور.
كما سيؤدي البنك الوطني للبذور إلى إحداث قفزة نوعية في المجال الفلاحي، لأن الفلاح بدوره يمكنه الاستعانة بالخبراء والمختصين على مستوى هذه الهيئة لتطوير أنواع نباتية كما ونوعا.               حاورتها لطيفة بلحاج

الخبير الاقتصادي نور الدين جوادي: محطة للانتقال نحو الفلاحة المقاولاتية


أكد البروفيسور والخبير الاقتصادي نور الدين جوادي أن البنك الوطني للبذور يضمن الحماية للثروة النباتية وللأراضي الفلاحية، والمرافقة العلمية للفلاحين، من خلال الحد من تهريب وإدخال الجينات النباتية، كما سيشجع الفلاحين الذين ينشطون بطريقة موازية إلى الانخراط في القطاع الرسمي.
ويعد القطاع الفلاحي وفق البروفيسور نور الدين جوادي من بين القطاعات الاستراتيجية التي تعول عليها الدولة للنهوض بالاقتصاد الوطني، إلى جانب قطاع المحروقات، إذ تقدر المداخيل السنوية التي يتم تحقيقها سنويا من خلال مختلف الأنشطة الفلاحية بحوالي 25 مليار دولار، لذلك يمكن اعتبار إنشاء البنك الوطني للبذور قرارا تاريخيا.
ويؤكد المتحدث «للنصر» بأن أهمية تجسيد هذا المشروع تكمن في شساعة الأراضي الفلاحية المقدرة إجمالا على مستوى الوطن بأكثر من 40 مليون هكتار، يتم زراعة 8 ملايين هكتار منها فقط، ناهيك عن التنوع البيولوجي و وفرة العديد من الأصناف من النباتات، التي سيسهر البنك الوطني للبذور من أجل الحفاظ عليها، بما سيجعل الجزائر تحتل موقعا جيدا ضمن الخريطة الزراعية العالمية.
وتعد المرافقة العلمية للفلاحين وفق الخبير الاقتصادي أساس ضمان جودة المنتجات الفلاحية، من خلال البنك الوطني للبذور الذي سيوفر أيضا مادة خام للجامعات والمعاهد المختصة لإجراء البحوث العلمية ذات الصلة بالنشاط الفلاحي، كما يعد البنك مرجعا للمستثمرين الراغبين في تحسين جينات البذور والفسائل لتحقيق مستوى إنتاج رفيع، لا سيما و أن الكثير من الجامعات تفتقد إلى المادة الأولية للقيام بالبحوث.ويواجه العالم بأسره مشاكل عدة بسبب الآفات التي تضرب المحاصيل الزراعية، على غرار الجزائر التي تواجه إلى جانب ذلك، مشاكل تهريب وإدخال الجينات والفسائل بطريقة غير شرعية، مما قد يؤثر بشكل سلبي على الجينات المحلية و إنتاجها، وكذا على نوعية الأراضي الفلاحية.
ويضيف المصدر بأن البنك الوطني للبذور سيوفر حماية للثروة النباتية وللأراضي الفلاحية، ومن الناحية الاقتصادية سيعمل على تطوير القطاع الفلاحي من خلال ضمان المرافقة العلمية للمستثمرين والمنتجين، لذلك يمكن وصف استحداث هذا البنك بالقرار الهام لا سيما وأن الملف كان مغلقا لسنوات عدة.ويشاطر الدكتور جوادي رأي الخبراء والمختصين الذين يطالبون بضرورة إصدار قرارات إضافية لمرافقة البنك الوطني للبذور، من أجل إعطائه بعدا أكبر، عبر توسيع سياسة الدعم الفلاحي لتشجيع المستثمرين على القيام بمجهودات أكبر لتحقيق الاكتفاء الذاتي.ويضيف المتحدث بأن استحداث البنك الوطني للبذور يتطلب ضرورة تجاوز الفلاحة التقليدية والانتقال إلى الفكر المقاولاتي، لأن الفلاح البسيط قد لا يلجأ إلى البنك لطلب الاستشارة أو تحسين نوعية الفسلات، عكس المهندس الفلاحي الذي يملك مستثمرة فلاحية.ويتوقع الخبير الاقتصادي أن يساعد استحداث البنك الوطني للبذور في القضاء على النشاط الفلاحي الموازي، عبر احتواء الفلاحين غير الرسميين، ومنحهم المساعدات والمرافقة التقنية والعلمية التي يوفرها البنك خدمة للقطاع الفلاحي الذي يعد القطاع الوحيد الذي حقق نموا بحوالي 280 مليون دولار منذ بدء جائحة كورونا.         
لطيفة بلحاج

الاتحاد الوطني للفلاحين يثمّن الإجراء: يجب القيام بخطوات أخرى للتحكم في جميع وسائل الإنتاج  
أكد طاهر كرامي أمين وطني بالاتحاد العام للفلاحين الجزائريين بأن استحداث البنك الوطني للبذور سيساهم في الحفاظ على الأصناف النباتية والسلالات الحيوانية المحلية، إلى جانب التخلص من التبعية في إنتاج المواد الفلاحية الاستراتيجية في مقدمتها الحبوب.
وأوضح المتدخل «للنصر» بأنه في ظل الأوضاع الدولية غير المستقرة التي يعيشها العالم، والخشية من حدوث أزمة غذاء عالمية، لا بد من الاعتماد على النفس من أجل تحقيق منتوج فلاحي محلي يلبي الاحتياجات، موضحا بأن تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الحبوب، يجب أن يسبقه التحكم في وسائل الإنتاج من بذور وأسمدة وعتاد وقطع غيار.
ويرى عضو الأمانة الوطنية للاتحاد العام للفلاحين الجزائريين بأن الحفاظ على السيادة الوطنية مرهون بضمان الأمن الغذائي، والتحكم التام في وسائل الإنتاج، مثمنا قرار إنشاء بنك وطني للبذور، لكنه أكد بأن تحقيق هذا المشروع يجب أن يكون بمرافقة من الجامعات ومعاهد البحث المختصة في تطوير السلالات الحيوانية والأنواع النباتية.
ويزخر الجنوب الكبير للجزائر بمساحات فلاحية شاسعة، يمكن استثمارها عن طريق تطوير أنواع البذور وتكييفها مع المناخ الصحراوي وملوحة المياه عن طريق التحسين الجيني للبذور، وهو الدور الهام المنوط بالبنك الوطني للبذور، يؤكد المتدخل.
كما يفرض التغير المناخي الذي تعيشه مختلف دول العالم على المعاهد المختصة تطوير تقنيات تحسين نوعية البذور، لأن تحقيق هذا الهدف سيخفف من التبعية إلى الاستيراد وفق تأكيد عضو الأمانة الوطنية لاتحاد الفلاحين، قائلا إنه في السابق كان بإمكان أي دولة استيراد متى وكيف ما تشاء، لكن في ظل أزمة تخزين المواد الغذائية على مستوى العالم، أصبحنا ملزمين بالاعتماد على النفس.
ويوضح المصدر، بشأن الحفاظ على الأصناف النباتية والحيوانية من القرصنة البيولوجية بأن اليقظة مطلوبة من كافة المتدخلين، فضلا عن الاطلاع على القوانين الدولية التي تجرم هذه الممارسات، وأعطى على سبيل المثال السلالة الحيوانية لأولاد جلال التي تعد من بين أحسن السلالات في العالم التي يجب الحفاظ عليها، إلى جانب دقلة نور التي تعد من أرقى أصناف التمور، وهي تباع في الخارج على أساس أنها منتجة في بلد آخر غير الجزائر.
وتوقع السيد كرامي أن يحقق البنك الوطني للبذور أهدافه في غضون بضع سنوات فقط، في حال تم التنسيق مع الجامعات والمعاهد المختصة في البحوث ذات الصلة بالقطاع الفلاحي، لا سيما في مجال تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الفلاحية الاستراتيجية، التي تعد مهمة الجميع.
كما شدد على أهمية التحكم في وسائل الإنتاج من أجل تحقيق السيادة التامة في مجال الأمن الغذائي، بتوفير الأسمدة محليا بدل استيرادها من الخارج، إلى جانب تصنيع آلات الإنتاج أي الوصول إلى مكننة فلاحية جزائرية مائة بالمائة وكذا توفير قطع الغيار محليا.
ويضيف من جهته عضو التنظيم ورئيس فيدرالية منتجي البطاطا أحسن قدماني بأن البنك الوطني للبذور يهدف بالأساس إلى تحقيق السيادة الوطنية في مجال الأمن الغذائي، من خلال إنتاج البذور محليا والتخلي التدريجي عن الاستيراد، مما يؤكد على إرادة الدولة للعودة إلى القطاع الفلاحي، عبر استغلال الثروات الفلاحية والقدرات التي تتمتع بها مختلف أنحاء التراب الوطني.
وقد بادرت وزارة الفلاحة يقول السيد قدماني، قبل حوالي عشر سنوات بتطوير بذور البطاطا وصولا إلى توفير 80 بالمائة من الاحتياجات الوطنية محليا، من خلال استحداث مخابر خاصة بتحسين بذور البطاطا، وهي التقنية التي سيتم تعميمها على باقي الأصناف النباتية من خلال البنك الوطني للبذور.      
لطيفة بلحاج

الرجوع إلى الأعلى