خطوات متسارعة لترقية الأمازيغية  تسد الطريق أمام الحسابات الإيديولوجية
تمر 38 سنة على أحداث الربيع البربري في العشرين أبريل من العام 1980 والدولة الجزائرية قد قطعت أشواطا كبيرة وهادئة في سبيل ترقية الأمازيغية، بدءا من جعلها لغة وطنية في سنة 2002، ثم ترسيمها بعد التعديل الدستوري للسابع فبراير من العام 2016، وأخيرا إقرار إنشاء أكاديمية خاصة بها وتعميم تدريسها.
عندما تعود كل سنة ذكرى 20 أبريل من سنة 1980، التاريخ الذي شهد ما يعرف بالربيع البربري، تعود الكثير من الأسئلة لتطرح حول مكانة الأمازيغية في الحياة الوطنية العامة، باعتبارها عنصرا  من عناصر الهوية الوطنية كما هو موضح في الدستور، ويختلف الناس في تقييم هذا الوضع انطلاقا من اعتبارات سياسية  وإيديولوجية وثقافية ولغوية.
لكن هذا لا بد ألا يكون أبدا على حساب المجهود الذي قامت به الدولة، وبخاصة في السنوات الأخيرة من أجل ترقية الأمازيغية، وهو أمر واضح لا يمكن إنكاره أو القفز عليه، فقد قامت الدولة في المدة الأخيرة بخطوات أقل ما يقال عنها أنها شجاعة وجريئة في سبيل ترقية الامازيغية والتكفل بها باعتبارها أحد مكونات الهوية الخاصة بالجزائريين كما هو مبين في الدستور الذي يحكم البلاد ويحكم بين الجميع.
وكما سبق الذكر وبعيدا عن الحسابات والاعتبارات السياسية والإيديولوجية والثقافية واللغوية يمكن القول بوضوح إن رئيس الجمهورية   عبد العزيز بوتفليقة عمد في سنة 2002 إلى جعل الأمازيغية لغة وطنية في الدستور، و بذلك نزع أنذاك هذه المسألة من أياد مختلفة كانت تستعملها سجلا تجاريا لأهداف ربما تكون شخصية وربما تكون غير معلومة، وهذا لا يعني أبدا أنه لم يكن هناك من كان يطالب بترقية الأمازيغية من منطلق ترقيتها.
وكان ذلك في خضم الأحداث التي عرفتها منطقة القبائل والتي سميت "ربيعا أسود"، الذي ما لبث أن حاولت أطراف متعددة استغلاله سياسيا إلى أبعد الحدود من خلال تنظيمات عديدة منها حركة العروش بمختلف فروعها، فضلا عن الأحزاب والجهات التقليدية التي حاولت الاستثمار فيه.
وكان جعل الأمازيغية لغة وطنية وفي الدستور خطوة معتبرة في سبيل ترقيتها على أسس صحيحة ووفق مسار غير متسرع، يأخذ في الحسبان كل العوامل الوطنية الأخرى، بعيدا عن الغلو والتطرف والتسرع الذي حاولت بعض الأطراف فرضه في ذلك الوقت بالاتكاء على حرارة الأحداث التي كانت تعرفها منطقة القبائل.
وأخذت بعد ذلك الأمازيغية مسارها في التعليم بعدما أصبحت لغة وطنية، حيث توسعت دائرة تدريسها من منطقة إلى أخرى وفق منهجية دراسية وبيداغوجية معينة أيضا، ولا يمكن لأحد مهما كان أن ينكر أن إقرار الأمازيغية لغة وطنية لم يساهم بشكل كبير في انتشار تدريسها  بعد 2002.
وبعد هذه السنوات قامت الدولة أيضا بخطوة أكثر جرأة من الأولى عندما قررت في التعديل الدستوري الذي أقره الرئيس بوتفليقة عبد العزيز في السابع فبراير من العام 2016 جعل الأمازيغية لغة رسمية، وهو القرار الذي خلق ارتياحا كبيرا ليس فقط لدى المطالبين بذلك من مناضلي التيار البربري بل لدى عامة الجزائريين لأنه سيؤدي إلى تقوية اللحمة الوطنية و غلق كل منفذ للتفرقة والفتنة.
 و أقر دستور السابع فبراير 2016 أيضا إنشاء أكاديمية خاصة بالأمازيغية، وهو القرار الذي ترجم  في اجتماع  مجلس الوزراء في الـ 27 ديسمبر من العام الماضي، هذه الأكاديمية تكون مهمتها العمل على ترقية الأمازيغية بشكل هادئ من الناحية الأكاديمية واللغوية واللسانية وغيرها.
واللافت أن الدولة تلجأ في كل مرة إلى التدرج في التعامل مع هذه المسألة انطلاقا من حساسيتها لدى بعض الجهات، وأيضا لتفادي الوقوع في أخطاء قد تكون عواقبها وخيمة، وبخاصة وأن الكثير من الأطراف تترصد فقط مثل هذه الهفوات لإعلان حروبها.
وقبل أيام فقط أعلنت الحكومة عن أنها استكملت المشروع التمهيدي للقانون العضوي المتعلق بالمجمع الجزائري للغة الأمازيغية، كما اجتمعت على مستوى الحكومة قبل أيام قليلة أيضا لجنة خاصة مكلفة بإعداد مشروع إنشاء الأكاديمية الخاصة بالأمازيغية، وهي كلها مشاريع تسير بالتدرج والهدوء في سبيل إيجاد أفضل السبل المؤدية إلى ترقية حقيقية للأمازيغية بعيدا عن كل حسابات وتدخلات وضغوط.وهذه الآليات هي التي ستخوض المعركة الأكاديمية الخاصة بترقية الأمازيغية على مستوى حروف الكتابة، و تجميع اللهجات والكلمات، وانتقاء المصطلحات وتوحيدها، وهي مهمة خاصة بالباحثين والأكاديميين والخبراء فقط، وعلى مستوى التدريس فإن وزارة التربية الوطنية تشير اليوم إلى أن الأمازيغية تدرس كلغة وطنية على مستوى 38 ولاية، وهي في طور التوسع من عام لآخر.
ولا يمكن الحديث عن الجهود التي قامت وتقوم بها الدولة في هذا الموضوع دون الحديث عن الخطوات التي سبقت سنة 2002 والمتمثلة في إنشاء المحافظة السامية للأمازيغية في تسعينيات القرن الماضي، وإنشاء قناة وطنية ناطقة بالأمازيغية قبل ذلك، والاهتمام بالتراث  الأمازيغي على اختلاف ألوانه ومكوناته.واليوم وبعد كل هذه الخطوات يبقى على الجميع أن ينظر إلى كل ما تحقق ويعمل على مواصلة المسيرة بعيدا عن الإشكالات الجانبية التي قد تعيق أكثر مما تساعد، على غرار الحرف الذي يجب أن تكتب به وغيرها من المسائل الهامشية، التي دون شك ستؤثر على الجوهر والهدف الأسمى.                         
إلياس -ب

الرجوع إلى الأعلى