90 بالمائة من الطلبة الأجانب في الجزائر ينحدرون من دول إفريقية
دعا أول أمس أساتذة باحثون في مختلف المجالات السوسيو أنثروبولوجية والتاريخية، لضرورة إنشاء معهد للدراسات الإفريقية بالجزائر حتى تكون لها نظرة واسعة ومخزون معرفي حول ما يجري في القارة السمراء لرسم علاقات مبنية على أساس أن الجزائر تنتمي لإفريقيا وليست معزولة عنها، إلى جانب ضبط إستراتيجية لإثراء البحوث وترقية الأفكار التي تهدف لإيجاد حلول لتجاوز ما يحدث في دول الساحل وإنعكاساتها  على الحدود الوطنية. كما أجمع الباحثون على أن الجزائر لم تتخلى عن إلتزاماتها الإفريقية بل بالعكس فحتى في شدة أزماتها إتخذت خطوات جريئة ولعبت أدوارا رئيسية في عدة مواقف أهمها المتعلقة بالجانب الأمني الذي نسجت بوادره من بداية الألفية الثالثة ومع أول عهدة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عن طريق مبادرة «نيباد».
حيث أوضح الأستاذ الباحث في التاريخ حسن رمعون في تصريح للنصر على هامش اللقاء الذي نظمه مركز «كراسك» وهران أول أمس لإحياء اليوم الإفريقي، أن الدول الإفريقية التي تتميز بالهشاشة بعد أن تبخرت الأحلام التي رافقت الثورات التحررية في إفريقيا للتأسيس للدول الوطنية و بناء مستقبل شعوبها، عليها اليوم أن تتبنى مشاريع مجتمع تنجز عن طريق دراسات تشرف عليها النخبة في كل المجالات، لأن الإكتفاء بمكافحة والتصدي لإنعكاسات الأزمة في منطقة الساحل ليس كافيا لتحصين المنطقة والقارة، مشددا على إلزامية الوعي بخطورة الوضع الحالي في منطقة الساحل، وضرورة التنسيق والعمل المشترك والتضامن بين كل الدول المعنية سواء في إفريقيا أو حتى الدول الأوروبية التي لها علاقة بالوضع لتجاوز المسارات المتقلبة والأخطار المحذقة بشعوب المنطقة خاصة التصعيد الإرهابي بها، وهذا يكون حسب الأستاذ الباحث في إطار هيئة تجمع الجميع وتدرس الحلول التي تناسب الجميع، لأن البحث عن الحل بصفوف متفرقة لن يكون مجديا بل سيعمق الأزمة وفق محدثنا الذي أضاف أن التعامل مع المهاجرين والرعايا الأفارقة بإعادتهم لبلدانهم، ليست بالحل الناجع على المدى الطويل، بل يجب على دولهم التفكير في حلول إدماجية إنسانية تسمح لهؤلاء المهاجرين بالإستقرار وفق نموذج المجتمع الواجب تسطيره في كل دولة من دول الساحل وليس في دولة واحدة فقط بمعزل عن الدول الأخرى، مشيرا أن هؤلاء الرعايا فروا من تدهور الوضع الأمني والإجتماعي ومعاناتهم مع الفقر والأمراض وإنعدام شروط الحياة الكريمة، مبرزا أيضا أنه بعد نصف قرن من خلق المستعمر الفرنسي للدويلات الإفريقية في منطقة الساحل، لم تتطور الأوضاع بالطريقة الإيجابية التي كانت منتظرة، وهذا بسبب الأنظمة الإفريقية المهيمنة والنظام الإقتصادي المنتهج والتابع للغرب، مما ساهم في تغيير وجهات نظر الأجيال الحالية مقارنة بالإلتزام الكبير الذي كانت تعكسه مواقف الحكام والشعوب الإفريقية خلال سنوات الخمسينات والستينات حين كان يوحدها الدافع الثوري والحروب التحررية، لكن اليوم الرؤى بدأت تتغير بفعل عدة عوامل مؤثرة منها أساس كما أبرز الأستاذ رمعون إنتصار النيوليبيرالية وهيمنتها على تلك الدويلات الهشة.
وفي هذا الإطار، استعرض الباحث منصور قديدر حركية الإنتشار الإسلاماوي في إفريقيا مستثمرا في هذه الهشاشة، مما خلق حركات راديكالية أنتجت الإرهاب، رغم أن تراكمات حركية علماء المسلمين في الدول الإفريقية قديما التي جمعت مثلما قال بين الأسلمة وتبادل المعرفة، أنتجت سدا منيعا حال دون وصول المستعمر إلى عمق المجتمعات، مما إضطر هذا المستعمر في مختلف الدول الإفريقية لإستعمال القوة لتجريد تلك الشعوب من ثقافتها، وتحدث المحاضر على النخبة المثقفة الإفريقية وعن دورها في ترسيخ الوعي بضرورة التآزر بين جميع القوى الحيوية في القارة من أجل خلق مبادرات واعدة تساهم في التنمية وتغيير واقع الشعوب ونهضتها.
وفي شق آخر، ركز الأستاذ محمد ملياني على الدور الإفريقي للجامعة الجزائرية التي استقطبت الطلبة الأفارقة منذ بداية الإستقلال حيث تعد الجزائر حاليا 8053 طالب أجنبي من 59 دولة يدرسون في مختلف الجامعات الوطنية، و يشكل الطلبة القادمين من دول إفريقية 90 بالمائة، وعلى سبيل المثال 137 طالب من كينيا، 194 من جمهورية الكونغو و400 طالب من موريتانيا و الباقي طلبة من عدة دول إفريقية أخرى، وعرج المحاضر على ضرورة خلق حركية تنقل بين الأساتذة الجامعيين في الدول الإفريقية وهي المبادرة التي سبق تجريبها، مستذكرا في هذا السياق التجربة التي قام بها هو شخصيا خلال السنوات الماضية حيث أشرف على تقديم محاضرات بإحدى الجامعات الموريتانية، وهنا أضاف الباحث نوار فؤاد ذكر تجربة تواجده ضمن فريق بحث من «كراسك» وهران بإحدى جامعات السنيغال، وهي عينات من التبادل الإفريقي في مجال التعليم العالي والبحث العلمي الذي لم يتطور لعدة أسباب إستعرضها الأأستاذ ملياني ولخصها في ضرورة إحداث تغيير وإصلاحات على الجامعة الجزائرية لتلعب دورها المناط بها إفريقيا وهو الدور الذي من شأنه مواكبة المجهودات والعمل السياسي والديبلوماسي.
وكان لدور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية دور كذلك لترقية الوعي الإفريقي والبحث عن حلول لشعوب القارة من خلال عدة مبادرات تحت قيادة جمعيات ومنظمات إفريقية مثلما تطرقت له الأستاذة الباحثة رحو يمينة، ولكن جاءت إنتقاذات الحضور في «كراسك» وهران، تصب في خانة تمويل هذا المجتمع المدني الذي ينشط بفضل مصادر مالية تنقسم لقسمين، الأول حكومي مما يجعلها تابعة للأنظمة، والثاني أوروبي يربطها بالقوى الغربية في غياب مصادر تمويل إفريقية عن طريق رجال الأعمال والصناعيين وأرباب العمل من القارة ذاتها.
بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى