أكد الدكتور لطفي علي قشي من كلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة صالح بوبنيدر بقسنطينة، أن سياسة التطبيع التي انتهجها المغرب قد صارت تنعكس في تشويه ترجمة المصطلحات المتعلقة بالقضية الفلسطينية من طرف وسائل الإعلام، حيث قدم دراسة نقدية مقارنة لنماذج من القناة الوطنية الأولى والقناة المغربية الأولى، سعى من خلالها إلى كشف تأثير الأيديولوجيا في القرارات الترجمية.
وأوضح الدكتور لطفي علي قشي، الأستاذ المحاضر بكلية علوم الإعلام والاتصال لجامعة صالح بوبنيدر بقسنطينة، في حديث مع النصر على هامش الملتقى الوطني حول الترجمة الإعلامية، أن المداخلة التي قدمها تتمحور حول دراسة نقدية مقارنة بين القناة الإذاعية الوطنية الأولى والقناة الإذاعية المغربية الأولى، حيث جاءت بعنوان "الترجمة الصّحفية وتحدي الأيديولوجيا"، وأكد أن موضوعها يبحث في تأثير الأيديولوجيا على السياقات الترجمية في المجال الإعلامي، الذي أصبح يتأثر كثيرا بالأيديولوجيا المتمثلة في سياسات أو خطوط تنتهجها المؤسسات الإعلامية، وحتى الصحفي، مثلما قال.
وشملت الدراسة مقارنة بين نماذج من القناة الوطنية الأولى والقناة المغربية الأولى، حيث قال الباحث إنها كشفت عن فروق كبيرة جدا، "بما لا يدع مجالا للشك بأن الأيديولوجيا تلعب دورا كبيرا في التأثير على ترجمة المعاني الصحفية"، مبرزا أن ذلك يتجسد في رؤية القناة الوطنية الأولى للقضية الفلسطينية على أنها قضية فلسطين الدولة ذات الحق والسيادة، وأن الاحتلال الصهيوني ما هو إلا احتلال غاشم ويسعى إلى القضاء على أسس وكيانات الدولة الفلسطينية، بينما يجد الباحث أن التوجه السياسي والأيديولوجي الذي تتبعه القناة المغربية الأولى يختلف تماما، حيث يُنظر فيها إلى الصهاينة على أساس أنهم "إسرائيليون" ويوسم العدوان على أنه "دفاع عن النفس"، كما يوصف المقاومون والشهداء بأنهم "أشخاص قتلوا في معركة أو في مواجهة مسلحة".
واعتبر الباحث أن تأثير الإيديولوجيا على القرارات التَّرجمية في وسائل الإعلام المغربية كان مسجلا خلال السنوات الماضية في البعض منها، لكن السياسة تغيرت في جميع القنوات ووسائل الإعلام المغربية مع بداية التطبيع المغربي بشكل مباشر، خصوصا القنوات الوطنية المغربية العمومية، على غرار القناة الإذاعية المعنية بالدراسة، التي صار فيها هذا النهج السياسي الأيديولوجي واضحا، وبات يدعو إلى عدم المساس بالكيان الصهيوني من الناحية الاصطلاحية، كما صارت الترجمات تحيد عن سياقها السليم والطبيعي إلى سياقات إيديولوجية، مثلما أضاف.
وشرح لنا الدكتور قشي أن الدراسة قد حلّلت ترجمة نموذجين، حيث شمل الأول السياقات الترجمية لمصطلح "الجهاد" الذي قدم له أمثلة من عدة جرائد وقنوات مغربية تتم فيها ترجمة المصطلح على أنه معركة فقط في التعامل مع القضية الفلسطينية، رغم أنه اعتبر أن الجهاد يختلف عن ذلك ويحمل من الناحية اللغوية دلالات القتال في سبيل قضية حقيقية وذات شرعية، في حين أشار إلى أن مفردة "جهاد" قد غيبت تماما من وسائل الإعلام المغربية خلال السنوات الثلاث الماضية في تعاملها مع نفس القضية، بل وصار يُنظر له على أنه مرادف للعمليات الإرهابية والمسلحة الخارجة عن نطاق الشرعية الأمنية.
أما القناة الوطنية الأولى، فقد أكد أنها تتبع السياسة الواضحة التي تسمي الأشياء بمسمياتها، من خلال ترجمة المصطلحات بما يكافئها تَرجميا في تعاملها مع القضية الفلسطينية، حيث تحافظ على مصطلح الجهاد بما يحمله من دلالات الكفاح في سبيل قضية عادلة وحقيقية، فضلا عن حفاظها على استعمال مصطلح الشهداء، لوصف الذين يستشهدون في أرض فلسطين. ولاحظت الدراسة أيضا أن القناة الوطنية الأولى تستعمل عبارة "الكيان الصهيوني"، باعتباره جسما غريبا متغلغلا في غير وسطه الطبيعي ومستبيحا لما ليس له دون وجه حق، بينما لم تعد تُنطق مفردة "الكيان" في وسائل الإعلام المغربية بعد تحول التطبيع في المغرب إلى سياسة عامة وصارت تسمى لديهم "دولة إسرائيل"، رغم أن عبارة "الكيان" كانت تستعمل في بعض الصحف والقنوات في سنوات ماضية.
واعتمدت دراسة الدكتور لطفي علي قشي على نظرية التأثير الإعلامي والأجندة في التأطير النظري للدراسة، بينما اعتمدت في جانب نظريات الترجمة على المقابلة والمكافئ والوصف والمعادلة، مؤكدا أن المترجم يستطيع اللجوء إلى التكافؤ والمعادلة، لكن ذلك يكون في حالة غياب المصطلح المقابل، فيجتهد لتقديم مكافئ بأقرب ما يمكن أن يؤدي الترجمة الصحيحة، بعيدا عن الأيديولوجيا.
سامي .ح

الرجوع إلى الأعلى