الـواقع العـربي يرهـن "العيـش معا" سينمـائيا
اختار مهرجان وهران للفيلم العربي في طبعته  11 التي ستختم فعالياتها اليوم الثلاثاء، شعار «العيش معا في سلام»، وهو الشعار الذي ولد بالجزائر واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة وتمت المصادقة عليه والإحتفال به لأول مرة في 16 ماي المنصرم في مختلف دول العالم.
 ولعل 38 فيلما سينمائيا شارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، عكس أو اقترب من تجسيد مفهوم الشعار، فالسينما مثلما يعرفها صناعها العالميون،  شحنة عواطف وغالبا ما تبتعد عن الواقعية، لذا فأفكار العيش معا والمحبة والتسامح و تشاركية المجتمعات في ما بينهم وغيرها، هي عوامل وجدت مع السينما ولا يمكن أبدا فصلها عنها، ولكن هل الواقع العربي خاصة والعالمي عموما، اليوم حافظ على تلك الصلة بين السينما وأهم ركائزها و هو  «العيش معا»؟ اقتربت النصر من بعض صناع السينما و رصدت هذه الآراء..

المنتج المصري محمد العدل


الفن والرياضة عاملان أساسيان في العيش معا
قال المنتج المصري محمد العدل، أن مناطق الإتفاق بين الفوارق في الدول العربية، يجب أن يحملها الفن والرياضة، فهما الرافدان اللذان يسمحان بأن نكون معا، فالفن مثلا عليه أن لا يعمق الاختلافات،  بل يساعد العالم على فهم الآخر، مشيرا أيضا إلى أن المنطقة العربية كلها، تسعى لإيجاد سبل كيفية الإختلاف و ليس الإتفاق، فهنا خلافات بين المسلمين والمسيحيين، السنة والشيعة وحتى بين فرق كرة القدم وفي كل المجالات تقريبا، حتى على أبسط الأمور، لذا يجب ألا نظلم الآخر و نقول أنه ينظر إلينا بسلبية، مثلما أفاد المتحدث، مضيفا أن كتاب السيناريو مثلا يضعون رقيبا لهم أثناء الكتابة، و يحاولون إرضاءه من خلال مراعاة الكلمات التي يخطونها، فواقع المجتمع شيء والواقع المترجم فنيا شيء آخر، لأن نقل الواقع للشاشة أمر صعب تتدخل فيه عدة عوامل، فلو كان المجتمع يعيش واقعيا بسلام في يومياته، يمكن أن نجد عملا فنيا يبرز العكس، والمؤسف أنه اليوم في مصر كل فئة من فئات المجتمع تضع نفسها موضع الذي لا يخطئ، رغم أن الطبيعة الإنسانية تقول أنه يوجد الإنسان الخيًر والشرير، وهذا ما يتم اليوم رفضه من طرف المجتمعات العربية خاصة، وأبرز أنه حتى ولو كانت مساحة الإختلاف كبيرة في دولة من الدول، يجب السعي لإيجاد مناطق التعايش معا، حتى يفهم الناس أنفسهم ويتعايشون مع الآخر.
وفي شق ثاني، أوضح السيد محمد العدل، أن تراجع الإنتاج السينمائي في مصر، مرده قلة وسائل العرض، ما عدا قاعات السينما، وأن استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في الدراما التلفزيونية، جعلها تقترب من الإبهار السينمائي وتشد الجمهور الذي أصبح لا يكلف نفسه عناء النزول إلى قاعات السينما، وبالتالي فإذا أرادت السينما أن تخرج من هذاالمأزق، عليها تناول مواضيع لا يمكن طرحها في الدراما التلفزيونية، منها مثلا أفلام الخيال العلمي التي تعتبر صعبة على التلفزيون.

لوي كريستيان ريني  مؤلف الموسيقى التصويرية لأفلام عالمية


الأوروبيون أيضا يعيشون معا بصعوبة
أكد لوي كريستيان ريني ، مؤلف الموسيقى التصويرية لأفلام عالمية للنصر، أن العيش معا في سلام، الحب والإنسانية هي أسس السينما وجيناتها المولودة معها، والتي تجعلها تتبنى الديمقراطية في أعمالها، فلا يمكن الحديث عن السينما بمعزل عن مفهومي العيش معا و الحب، وأضاف المتحدث أن البشرية تعيش اليوم وضعا خطيرا جدا، والسينما من شأنها أن تكون وسيلة للدعاية والترويج للأفكار المهدئة والداعية للسلم والعيش معا، وهذا عن طريق كتاب السيناريو الذين تقع على عاتقهم هذه المهمة، يجب أن يبرزوا في أعمالهم كيف يمكننا الإلتقاء بالآخر وإيجاد فضاءات التشارك.
و تابع المتحدث أن العيش معا بسلام، أصبح صعبا في ظل الظروف التي يمر به الوطن العربي، ورغم أن الوضع في أوروبا هادئ، إلا أن المسألة مطروحة، فهناك حركات وطنيىة وشعبوية بدأت تطفو على السطح وتجعل العيش معا في أوروبا أكثر صعوبة وتعقيدا، والسينما قادرة على امتصاص الضغط الموجود اليوم في المجتمع الأوروبي وأن تحدث تقدما في تحسين العلاقات.

المخرج العراقي محمد الدراجي


الإرتقاء بالإنسانية هو أساس العيش معا بسلام
من جهته، أوضح المخرج العراقي محمد الدراجي، أنه قد يكون سهلا أن تعكس شعار العيش معا بسلام في السينما، لكن يجب تجريد الشخصيات من الخلفيات وأن تسمو بالإنسانية، بعيدا عن أية حسابات، مبرزا أنه في فيلمه «الرحلة» طرح هذه الفكرة «هل ممكن أن نعيد الإنسانية للمتطرفين والانتحاريين في لحظات مهمة من عملياتهم الإرهابية؟» لأنه في الأصل كل الأديان والأطياف والأفكار تهتم بالإنسان وكيف يعيش بأمان ومع الآخر، فلا يمكن أبدا العيش دون أن نكون معا في سلام، وفي العراق اليوم أصبح العيش معا قناعة وضرورة بين ما كان يسمى قبل 2008، بالطائفية التي مزقت المجتمع، بين السني والشيعي، قومي كردي أو قومي عربي، مسيحي أو مسلم، يزيدي أو صابئي أو ملحد ويساري...، وهذا هو الخطأ الذي تداركه العراقيون، مثلا «اليوم في المظاهرات اختفت الأسئلة الطائفية و أصبحت مصلحة الوطن تجمعنا»، كما أكد.

المخرج المصري خالد يوسف


على العرب تجاوز الصراعات الموجودة في واقعهم ليتعايشوا مع أنفسهم و مع الآخر
أكد خالد يوسف، أن حالة التطاحن والحروب الموجودة في الوطن العربي خاصة، تفرض على الفنانين أن يتصدوا لهذه الظواهر التي تفشت في النفوس مثل العنصرية والتعصب والعنف وغيرها، لأنها أمور غير موجودة في الإنسان العربي الذي أصبح لا يقبل بني جلدته، فما بالك بالآخر المختلف، مشيرا إلى أن هناك قوى إقليمية ودول لها مصالح في تأجيج هذه الصراعات في الدول العربية، والحل الأفضل ، حسب المتحدث، هو البحث عن الخلل في الواقع العربي وفي نفوس البشر بما يساعد على الإصلاح والتخلص منها،  فالأزمات التي يتخبط فيها العرب ليست مختلقة ، لكن لها أسبابها الموضوعية.
 وهناك جهات من مصلحتها تأجيج هذه الصراعات التي هي موجودة في النفوس أصلا، ويجب الاعتراف بها، مثلما أكد خالد يوسف، والاعتراف بها هو السبيل الأمثل لإصلاح الأوضاع، وقال المخرج المصري، أنه لا يمكن للشخص أن يفهم نفسه، إلا إذا فهم الآخر، ولن يفهم الآخر إلا إذا تخلص من الصراعات التي يتخبط فيها، مركزا على أن الإنسان هو الذي صنع الفوارق الدينية والجنسية والعرقية والطبقية وغيرها، وبالتالي فعليه أن يتجاوزها كي يعيش في سلام مع الجميع.
و أشار المتحدث إلى  أن فيلمه «كارما» الذي عرض في افتتاح الطبعة 11 لمهرجان وهران للفيلم العربي، يندرج في مسار ضرورة إصلاح الخلل الذي صنعه الإنسان من خلال وضع الفوارق ، معتقدا أنها ستجعله يسعد بالحياة، لكن تلك الفوارق ساهمت  في إبعاد البشر حتى عن الإنسانية وقيمها.  ب/خ

إنقطاع الكهرباء يؤثر على عرض فيلم ياسمين شويخ
 "إلى آخر الزمان".. حينما يصنع الموتى خبز الأحياء
شكل إنقطاع الكهرباء لمدة قاربت الساعة من الزمن، الحدث البارز في آخر سهرة لعروض أفلام الطبعة 11 لمهرجان وهران للفيلم العربي، وتزامن الإنقطاع مع عرض فيلم «إلى آخر الزمان» للمخرجة ياسمين شويخ.
فبعد ساعة من العرض، تفاجأ جمهور قاعة سينما المغرب بإنقطاع الكهرباء و توقف عرض الفيلم، فثار بعض الحضور منددين بسوء التنظيم وبأن هذا الإنقطاع هو تتويج لسلسلة الفضائح التي رافقت أيام الطبعة 11 من المهرجان، خاصة وأن خلل تقني سجل في آخر لقطات الفيلم الوثائقي العراقي «الناجون من ساحة الفردوس»، والذي سبق عرضه «إلى آخر الزمان»،  فتدخل المدير الفني للمهرجان ليعلم الجمهور بأن الإنقطاع خارج عن إرادة المنظمين لأنه يشمل وهران كلها، مما ساهم في التهدئة وتمت إعادة العرض بالإستعانة بالمولد الكهربائي لقاعة السينما وتنفس الحاضرون الصعداء، وتابعوا بقية الفيلم إلى أن عاد الإنقطاع مرة ثانية ليسارع أغلب الجمهور لمغادرة القاعة، ويتدخل مرة ثانية المدير الفني علال محمد ويشرح أن ما حدث في المرة الثانية هو قطع التيار من مولد القاعة وإعادة الربط بالشبكة العادية لأن الكهرباء عادت لوهران، وأخيرا تمكن من ظلوا في القاعة من إنهاء مشاهدة الفيلم.
أما بخصوص العمل السينمائي للمخرجة الشابة ياسمين شويخ، فقد تفاعل معه الجمهور كونه جمع بين الدراما والكوميديا السوداء، من خلال واقع قرية يعيش سكانها من «فضل» الموتى، فالبطلة جميلة عراس أو «جوهر» في الفيلم تعيش من ما تركته أختها المتوفية، وتعيش نسيمة من فضل الكسكسي الذي تحضره للمعزيين في الجنائز وتقبض ثمنه، وعلي البطل أوجيلالي بوجمعة يعيش أيضا من مهنة حفر القبور وتغسيل الموتى وحراسة المقبرة، والإمام يعيش بفضل قراءة القرآن للموتى، ويعيش لخضر على تزيين القبور ويعيش حميدة من مشروع إستثماري لإقامة الجنائز، وهكذا كان للموتى فضل في إبقاء سكان قرية «بولقبور» على قيد الحياة، فحتى حين أراد نسيمة ولخضر تحقيق حلمهما في الزواج تفاجأ جميع السكان الذين فقدوا كل معاني الفرح، ولكن في الأخير جاء الفرح وعاد الأمل في العيش بعيدا عن الجنائز وتغيرت حياة العديد من السكان منهم حتى البطل علي الذي غادر القرية تاركا وراءه كل المآسي والألم الذي تسببت فيه «جوهر» التي رفضت الزواج به.
فيلم روائي طويل ينافس على الوهر الذهبي في مهرجان وهران، ولكن بعض المختصين في السينما إعتبروا أن القصة لم تكن بحاجة بأن تطول أحداثها لأنها لم تكن مبررة سينيمائيا ويبدو وفقهم أن المشكل في السيناريو الذي كتبته المخرجة نفسها في أول عمل روائي طويل لها الذي يظهر من خلاله أنها لم توفق في الإبتعاد عن الأفلام القصيرة التي سبق لها إخراجها.
بن ودان خيرة 

الرجوع إلى الأعلى