«عملية بريد وهران» و إشكالية توحيد مصطلحات تاريخ الثورة  
شكلت مسألة توحيد المصطلحات التي لها علاقة بتاريخ الثورة الجزائرية وضرورة العمل على إصدار قاموس خاص بالمصطلحات والكلمات التي ترتبط بالثورة التحريرية، إجماع المتدخلين يوم الأربعاء المنصرم على هامش أول محاضرة إفتتح بها مركز البحث في الإنثروبولوجيا الإجتماعية والثقافية «كراسك» بوهران سنته الأكاديمية ، وكانت المحاضرة للباحث عمار محند عامر وتمحورت حول «العملية المسلحة للمنظمة الخاصة ضد بريد وهران في 5 أفريل 1949».
حيث قال  المحاضر عمار محند عامر، أنه بصفته باحث في التاريخ لا يمكنه تغيير المصطلحات التي وردت في المراجع التي اعتمد عليها وهي مؤلفات للمجاهدين الذين فارقوا الحياة وهم أحمد بن بلة، حسين آيت أحمد وأحمد بوشعيب، الذين أطلقوا على عملية بريد وهران،  مصطلح العملية المسلحة، وهو أيضا الخيار الذي تبنته المنظمة الخاصة لتفعيل نشاطها ضد المستعمر بعد أحداث 8 ماي 45، مضيفا أن الصحافة الاستعمارية حينها اعتبرتها عملية سطو إجرامية عادية نفذتها مجموعة أشرار ، فيما أشارت إحدى الباحثاث بالكراسك، أن المؤرخ محمد حربي اعتبرها عملية لصوصية،  وبهذا الخصوص، رد المحاضر أنه شكلا العملية تبدو عبارة عن سطو ولكن لم يقم به لصوص لأغراض ما، بل مناضلون فكروا  وخططوا ودبروا بعد اجتماعات سياسية ، وهذا ما جعل الباحث عمار محند يصفها بالعملية الثورية، وأفاد متدخل آخر ، أنها حتى لو كانت عملية سطو فهي عبارة عن استرجاع لأموال الجزائريين التي سلبت منهم منذ 1830 ، ووسط هذا النقاش طالب الأستاذ بوشيخي الشيخ المختص في تاريخ الجزائر المعاصر ، بضرورة تكثيف الجهود لإصدار قاموس خاص بهذه المصطلحات ، معتبرا عملية بريد وهران «هجوما مسلحا» وليس سطوا أو لصوصية.     
وبالعودة لمحور المحاضرة، أردف الدكتور محند عامر أن المنظمة الخاصة إختيارت بريد وهران لتنفيذ العملية ، كون مؤسسة البريد بالنسبة للمستعمر الفرنسي لها أبعاد إيديولوجية و سياسية و تاريخية، ولكن فشلت العملية في الهجوم الأول الذي كان في الفاتح مارس 49،  بسبب التعطل المفاجئ لسيارة الطاكسي التي كانت ستنقل منفذي الهجوم المسلح ، وهو الإشكال الذي تم تجاوزه في المحاولة الثانية التي كانت ناجحة ونفذت يوم 5 أفريل 1949، وتمكنت المجموعة من الحصول على 3 ملايين فرنك فرنسي حينها، في الوقت الذي لم يستطع المنفذون فتح الخزانة المصفحة التي كان بداخلها 27 مليون فرنك فرنسي، وفي نفس السياق أوضح الباحث بن قادة أن 3 ملايين فرنك فرنسي تم إخفاؤها في مهد المولودة التي لم تكن تجاوزت 4 أشهر وقتها وهي ليلى حمو بوتليليس التي أصبحت لاحقا طبيبة ونائبة في البرلمان، وهي ابنة الشهيد البطل حمو بوتليليس الذين كان ضمن طاقم العملية، وأشار المتحدث أنه بعد ثلاثة أيام عن الهجوم تم نقل المبلغ إلى العاصمة. وأضاف المتحدث ، أن الاختيار جاء أيضا بناء على تواجد أحد أعضاء المنظمة الخاصة جلول نميش ضمن عمال هذا المركز البريدي، مما سهل التحريات وجمع المعطيات الكافية، مشيرا أنه حينها كان بوهران عدة مؤسسات مالية منها بنوك.
وأكد المحاضر الباحث عمار محند، أن عملية بريد وهران تعد من أبرز النشاطات العسكرية المسلحة للمنظمة الخاصة التي جاءت في وقت مفصلي من تاريخ المقاومة الجزائرية ضد المستعمر ، وهذا كونها أعقبت أحداث 8 ماي 1945، و ما انجر عنها من تغييرات و تجاذبات وسط تركيبة الحركة الوطنية التي كانت تجمع أبطالا وشخصيات كبيرة ، حيث كانت الاقتراحات متعددة لانتقاء خيارات جديدة لمواجهة المستعمر ، ومنها خيار الكفاح المسلح الذي تبنته المنظمة الخاصة، ولعل عملية بريد وهران هي أهم محطة لهذا التنظيم لإثبات فعالية خياره ، مثلما أبرز المحاضر الذي استرسل في شرح و توضيح العوامل الجيوساسية التي سبقت وأحاطت بالعملية ، مذكرا الحضور بالتحولات السياسية والحزبية التي شهدتها الحركة الوطنية وتداعيات أحداث 8 ماي 45، التي غيرت إستراتيجية التعامل مع المستعمر خاصة وسط مجموعة الشباب المقتنع والملتزم بخيار تحرير البلاد من الإستدمار الفرنسي، كما قال الباحث محند عامر أن عملية بريد وهران مازالت لغاية اليوم لم يتم تناولها بشكل تفصيلي، وأنها تحمل بين طياتها عدة معطيات تاريخية تساعد على فهم المسار التحرري للجزائريين ، بينما أفاد الباحث بن قادة أن الحقيقة المطلقة لحادثة بريد وهران دفنت مع أبرز منفذيها جلول نميش.
للتذكير ، فإنه اليوم وبعد ترميمه منذ سنتين، مازال مركز بريد وهران يحاكي تلك الفترة الزمنية من تاريخ الجزائر ، خاصة بعد أن وضعت السلطات المحلية الخزانة المالية التي كانت معنية بالعملية وسط قاعة انتظار زبائن بريد الجزائر، حتى تبقى رمزا مهما من رموز الكفاح ضد الظلم و الاستبداد.
بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى