البعد الفلسفي لأعمال مفدي زكريا أعمق من فكر مالك بن نبي
 نشط أول أمس البروفيسور سليم خزندار، أستاذ الرياضيات بجامعة قسنطينة 2، و باحث في مجال الفلسفة، ندوة حول علاقة الأدب بالفلسفة، ضمن سلسلة الندوات التي ينظمها أسبوعيا نادي الأدب بالمدرسة العليا للأساتذة ، حيث أكد في مداخلته، بأن نسيجا متينا يربط  التخصصين، بالرغم من أنه لا يبرز إلا نادرا في الأعمال الأدبية الجزائرية.
 الباحث قال بأن الجزائري الوحيد الذي قدم أعمالا ذات اتجاه  فلسفي لغوي، هو الكاتب الراحل محمد ديب، فقد كان، حسبه، أديبا كثير التأثر بالفلسفة، و تتسم إصداراته بالعمق و التحليل، و هو بعد سيطر بوضوح على كتاباته الأخيرة، على غرار «ثلاثية الشمال»، أما في ما يخص الكتاب المعاصرين، فيمكن أن نحصرهم كما عبر بتحفظ  ، في عمل واحد هو رواية « التفكك»، للكاتب رشيد بوجدرة. بالمقابل يؤكد المتحدث، بأن هناك شاعرا جزائريا، يتمتع بغزارة أدبية و فلسفية و سياسية لم يسبقه إليها مبدع جزائري آخر، ألا و هو مفدي زكريا، الذي تناول بشكل كبير علاقة الإنسان بالمقاومة و شرح مفاهيم كالأمة و الوطنية، و عرف كيف يمزج بين الأدب و السياسة في خطابه الموجه للفرد و للمجتمع و للفكر الإنساني عموما، وأشار خزندار، إلى أن كل القراءات السابقة لأمهات أعمال شاعر الثورة، على غرار النشيد الوطني «قسما»، و «إلياذة الجزائر»، و نشيد «نحن طلاب الجزائر» و غيرها، أغفلت البعد الفلسفي لهذه الأشعار، ولم تحاول فهمه و لم تعطه حقه من التمعن ، ما يتطلب قراءة أخرى، كما قال، خصوصا وأن أعمال مفدي زكريا لمن يدرك قيمتها، تعد أعمق بكثير من فكر مالك ابن نبي مثلا، فرغم أن لديه طرحا فلسفيا واضحا في كتابه « رسالة الإسلام»، لكنه مع ذلك يبقى أقل تغلغلا في المنهج الفلسفي من الشاعر، حتى أن بعض أفكاره غير مقبولة تماما ، بل خاطئة حسب رأي المتحدث، الذي أضاف     « القول مثلا، بأن هنالك قابلية للاستعمار لدى شعوبنا هو طرح غير منطقي، وإلا لما كنا تحررنا، بل على العكس تماما، أقول أن لدينا قابلية للتحرر و المقاومة» .
مع ذلك أكد الباحث، بأن فهم البعد الفلسفي لأي عمل أدبي، سواء كان لكبار الفلاسفة و الأدباء كجون بول سارتر و أمبيرتو إيكو و رولان بارت و غيرهم، مرهون بالتحكم في اللغة و مطالعة الأعمال بلغتها الأم، لأن الترجمات في الغالب لا تخدم العمل بقدر ما تشوهه، حتى أن هناك ترجمات قد تكون خاطئة كليا، حسبه، و منها ما هو مغرض أيضا، مشيرا إلى أنه سبق له و أن وقف على أمر مماثل، من خلال اطلاعه على إحدى الترجمات المصرية لكتاب « لذة النص لرولان بارت».
 و أضاف المتحدث، بأن تحرير الفكر و العقل و حتى السياحة و المنهج مرتبطان بإتقان اللغات، و أن الفرد مطالب على الأقل بإتقان ثلاث لغات، كما أن دراسة الفلسفة، حسبه، لا تشمل التخصص فحسب ، فالبعد الفلسفي في  رأيه، من شأنه أن يسمو بالفكر، ففي النهاية ، كما عبر، الفلسفة لا تزال موجهة للعلوم بدرجة كبيرة، « مثلا في فرنسا، يقولون بأنهم يكتبون التاريخ بمفاهيم فلسفية، لأن أول اكتساب للتاريخ هو اكتساب تأويلي، و الحديث عن التأويل يجرنا للحديث عن الفلسفة»، مردفا « حتى الأفكار الاجتماعية حسب روادها، ما هي إلا نتاج لأفكار فلسفية تسيست».
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى