تسفيه أدب العشرية الحمراء إساءة للجزائر
صرح أمس الكاتب سعيد خطيبي من قسنطينة أن تسفيه الأدب الذي يتحدث عن العشرية الحمراء إساءة للجزائر، مؤكدا على ضرورة تفسير سنوات الحرب والإرهاب أدبيا، فيما قال لقرائه أنه كتب عن سراييفو في روايته الأخيرة بحنين إلى مدينة قسنطينة، التي تراجعت وتحولت إلى ما سماه “ثكنات سكنية”.
ونزل خطيبي ضيفا على المقهى الأدبي الذي تنظمه مكتبة “نوميديا” بالمركز التجاري “لاكوبول” بعلي منجلي، حيث نشط الكاتب مراد بوكرزازة الجلسة الحوارية، وأثار العديد من النقاط حول رواية “حطب سراييفو”، من بينها نقطة الكتابة عن العشرية الحمراء، التي أبدى فيها سعيد امتعاضه مما سماه “حملة” لتسفيه النصوص التي كتبت من طرف العديد من الأدباء الجزائريين حول هذه المرحلة، واعتبر ذلك إساءة إلى الجزائر. وقال “إنه ليس أول من كتب في هذا الموضوع، لكن النصوص الأدبية لتلك المرحلة كتبت بشكل سيء وببُعد محلي”، حيث شدد على ضرورة التوجه بها إلى الآخر لأن ما وقع في الجزائر آنذاك حدث عالمي، بحسبه، مضيفا أن “حطب سراييفو” مقارنة بين تاريخين.
وعاد نفس المصدر إلى روايته السابقة “أربعون عاما في انتظار إيزابيل”، حيث اعتبر أن التاريخ الذي وضعته السلطة الجزائرية بعد الاستقلال ذكوريٌّ وقد مجد أشخاصا وألغى آخرين، من بينهم إيزابيل إيبرهارت التي تعرضت لضغط كبير من الاستعمار الفرنسي ودافعت عن حق “الأهالي” في الحياة في كتاباتها الصحفية، كما أشار إلى أن الأمر وصل بالبعض إلى أن يكيلوا لها نفس تهمة الجوسسة لصالح الألمان، التي وجهها لها الاستعمار الفرنسي أيضا. و قال، في نفس السياق، أن الرواية لا تؤرخ، ولكنها تعمل على تفسير ما حدث في الحروب وحالة الانهيار لكي يُتجنب مستقبلا. وضرب الكاتب المثال بالحرب الأهلية التي وقعت في لبنان وحرب إسبانيا الأهلية، اللتين ما يزال يُستثمر فيهما أدبيا رغم مرور فترة زمنية طويلة منذ وقوعهما.
كتبت عن سراييفو بحنين إلى قسنطينة  
وتحدث الكاتب عن التشابه الكبير بين مدينة قسنطينة وسراييفو من حيث العمران والهندسة، حيث عبر عن ذلك بالقول “لقد كتبت عن سراييفو بحنين إلى قسنطينة”، لكنه نبه إلى أن سراييفو واصلت مسار البناء، بينما توقف الأمر في قسنطينة، مشيرا إلى أن “كل ما يبنى حاليا ما هو إلا عبارة عن ثكنات سكنية، ما يجعل الجزائريين في حنين دائم إلى الشكل القديم الذي كانت عليه مدنهم”، مثلما قال. وقد أوضح نفس المصدر في حديثه عن أسباب اختياره لشخصيتين الأولى بوسنية تسمى إيفانا والثاني جزائري يسمى سليم في روايته للحديث عن مرحلتي الحرب في بلديهما، بأن ما وقع متشابه، مضيفا أن سلوكهما الاضطهادي في حق الآخرين نابع من عقدة ستوكهولم التي يعاني منها ضحايا الاستعمار والغزو المتواصل عبر العصور، ما يجعلهم يقومون بتدوير الاضطهاد لممارسته على غيرهم.
وأضاف الكاتب بالقول “إن نفسيتنا معقدة لأن تاريخنا لم يكن مرتاحا، على عكس المنتمين إلى أمم أخرى عاشت راحة هوياتية، على غرار المجتمعات الجديدة كالولايات المتحدة الأمريكية أو الشعوب التي كانت مُسْتَعْمِرَة”. وأجاب نفس المصدر عن سبب اختيار عنوان “حطب سراييفو”، بالقول أن “الحطب هو ما يستعمل في إشعال النار، فهو النار الحقيقية، لذلك فهو يرمز إلى البشر البسطاء الذين تفرض عليهم الحرب التموقع مع طرف ما”، فيما أشار إلى أنه شرع في كتابة روايته منذ سنة 2012، بعد أن اكتشف في البوسنة مكانا يشبه الجزائر خلال زيارة سياحية إلى هناك، موضحا أن إتقانه للغة بعد ذلك ساعده في جمع المعلومات التي بنى عليها نصه وفي الوصول إلى الأرشيف.
واعتبر سعيد أن الهويات المغلقة من أكبر المشاكل التي يعاني منها عالمنا اليوم، موضحا أنها السبب الرئيس وراء قيام الحروب، التي تنتهي، بحسبه، لكن تبعاتها النفسية تتطلب انقضاء أجيال لتخف، فيما قال إن المجتمعات تشكيلة من مزيج من الهويات، لذلك “تنتصر الحضارة للمواطنة والقانون المحدد للعلاقات بين الناس على حساب أفكار من قبيل نقاوة العرق والهوية المغلقة”. وفي عودته إلى شخوصه قال سعيد أن تربية الأطفال في الجزائر تقوم على الممنوع والحرام وقمع الحرية الفردية في التنشئة الاجتماعية كما أن العلاقات قائمة على ميثاق عرفي، ما يولد لدى شخصية “سليم” عقدة نفسية، “وهي في الحقيقة حالة مئات آلاف الشباب”، بحسبه، لكنه أشار إلى أن إيفانا البوسنية تعاني من عقد مماثلة.
ووقّع سعيد خطيبي رواية “حطب سراييفو” بعد انتهاء الجلسة، في حين أكد في رد على سؤال أحد القراء أن الكاتب دائما ما يرتبط بشق منه مع الشخصيات رغم أنه لا ينبغي أن يظهر ذلك عليه بصورة أيديولوجية أو غيرها من الصور، مضيفا أنه يَتَمَثّل حالاتهم النفسية قبل الكتابة، كما أشار إلى أن أقرب شخصية منه في الرواية هي “آنا”، التي تصاب بانهيار عصبي، فقد حرص في نصه على ألا تصاب بأية أمور سيئة نتيجة تأثره بزياراته إلى مستشفى سراييفو لضحايا الحرب.                        سامي حبّاطي

الرجوع إلى الأعلى