لجأت إلى التاريخ هروباً من الرقابة ونبذي فرنسيا يشرّفني
قال الروائي رشيد بوجدرة أمس، أنه لجأ إلى التاريخ في الكتابة، هروبا من الرّقابة التي كانت ضاريّة، كما أن اهتمامه بالتاريخ كان تجاوباً مع رغبة أبٍ لا يتردّد في استخدام عصاه  ذهبيّة الرأس مع ابنٍ أراد أن يجعل منه عبقرياً.
الكاتب الذي قدّم مداخلةً بديوان مؤسسات الشباب بقسنطينة بدعوة من جمعية «فضاءات سيرتا الثقافية» حول علاقة الأدب بالتاريخ، عاد إلى بداياته كروائي، ليؤكد أنه فتح عينيه على تيار الرواية الجديدة، حين كان طالباً جامعيا، حيث جذبته مناخات الكاتب الفرنسي كلود سيمون التي تشبه المناخات الجزائرية، سواء في طبيعة جنوب فرنسا أو وضعية المرأة التي كانت مُزريّة أنذاك، فضلا عن اتكائه على فظاعات الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي ألهمه كتابة الجزائر روائيا.
بوجدرة الذي قال إنه تأثر أيضا بجيمس جويس ووليام فولكنر، أكد أنه انطلق من قصّته العائلية، حيث ذكّر الحضور الذين لا يعرفون سيرته التي كتبها صريحةً ومموّهة في رواياته، بأنه الابن الأصغر لأم تزوّج زوجها ثلاث نساءٍ أخريات، و وصف وضعيته بالصعبة والرهيبة والهشّة، فقد تربى في محيطٍ من العنف العائلي وكان أذكى إخوته، فأراد الأبُ أن يجعل منه «عبقريا»، حيث كان يضربه بالعصا ذهبيّة الرأس، ليحثّه على التحصيل، ما تسبّب له في صدمة.
 الوالد الإقطاعي الثريّ كان مدرسةً في الوطنية و النضال أيضا، من خلاله عرف كيف نسجت خيوط الثورة، حيث انتسب إلى حزب الشعب وحركة انتصار الحريات الديمقراطيّة وجمعية العلماء المسلمين، في هذا المناخ «الوطني المتشدّد»، يقول الكاتب تكوّنت، إلى جانب كتب التاريخ التي كان يوفرها الأب، مما جعله ينبهر بالتاريخ.
لذلك يضيف: «كانت رواياتي  مشكّلة من تراكم تفاهات الحياة العادية مضافة إلى التاريخ المقروء» ، حيث كان «الطفل المثالي» يرى كيف يكذب الكبار وكيف يعيشون النفاق الاجتماعي في البيوت، ويرى الجنس المخفي والمرضي، هذا التاريخ العائلي كان رافدا من روافد الروايات إلى جانب التاريخ العام، « كل رواية من رواياتي مشكلة من التقاء التاريخ العائلي والتاريخ العام».
ويعود بوجدرة إلى روايته «معركة الزقاق»  ليؤكد أنها نتيجة قراءته لابن خلدون، الذي قدّم رواية «جديدة» لفتح الأندلس، مخالفة للروايات الممجدة لهذا الحدث التاريخي التي لقّنها له فقهاء الصادقية، وكشف بالمناسبة أنه أخذ عنوان الرواية من منمنمة نادرة  للوسيطي كان يملكها والده، الذي كان مولعا بالفنون والتجارة، رغم قدومه من بيئة فقيرة حتى كوّن ثروة طائلة وعاش حياة «مجنونة» بين الزوجات والعشيقات، ورغم ذلك كان يفكر بطريقة علمية.
و«معركة الزقاق» هي خلاصة «دمج» هذا التاريخ العائلي بقصة فتح الأندلس برواية ابن خلدون.
من جهة أخرى، قال بوجدرة في رد على سؤال حول عدم اهتمام الدوائر الأدبية الفرنسية بأدبه، وحرمانه من الجوائز، إنه فخور بذلك، لأنه يرفض أن يكذب أو يقدّم مواقف ضد بلده، ولم يفوّت الفرصة للتأكيد على أن الفرنسيين لا يمتلكون شجاعة النظر إلى التاريخ، ولذلك لم يتم إنتاج أي فيلم فرنسي يروي جرائم الاستعمار في الجزائر، كما فعلت السينما الأمريكية مع حرب الفيتنام، وكشف بالمناسبة أن رواية الرعن تعرضت للرقابة في بداية الأمر حين طلب منه الناشر الفرنسي حذف بعض المشاهد التي تصوّر جرائم الاستعمار، مضيفاً أن الفرنسيين يعرفون جيدا أصدقاءهم في الجزائر، لذلك يحتفون بهم لكنهم لا يمنحونهم الجوائز المهمة.  وسجّل الكاتب عدم اهتمام الرواية بالتاريخ ، واستثنى كاتب ياسين الذي تناول التاريخ باحتشام.                               س-ب

الرجوع إلى الأعلى