أكد الدكتور لحسن زغيدي، الباحث في التاريخ، أن رفع الجزائريين العلم الوطني بقوة خلال مسيرات الحراك الشعبي، وحد صفوف الجزائريين و أثبت أن شباب اليوم، هم فعلا جيل شرعي لصناع العلم الوطني، بالنظر لما كان ينعت به هذا الجيل قبل الحراك، من أنه لا تربطه أي صلة بالوطنية ، بل يخشى على الجزائر منه، ليثبت للجميع خلال مسيرات الحراك، أنه أشد تمسكا بوطنه و بهويته وبوحدته، مما كان يعتقد سابقا والدلالة البارزة هي ارتداءه وحمله للعلم الوطني بقوة عبر كل ربوع الجزائر.  
أوضح الدكتور لحسن زغيدي الباحث المختص في التاريخ، أن العلم الجزائري يختلف عن أعلام العالم، كونه ولد من رحم النضال و ليس بقرار من مسؤول أو رئيس أو ملك أو غيرهم، مثلما صنعت أعلام الدول، فحتمية النضال ضد الاستعمار و تجسيد مشروع الاستقلال فرضا أن يكون للجزائريين علم أخذ ألوانه أيضا من رمزية نضالية ومرجعية تاريخية، حيث أنها ألوان الأعلام التي رفعتها المقاومة الشعبية و هي الأخضر و الأبيض و الأحمر.
و استرسل الدكتور لحسن زغيدي في المحاضرة التي ألقاها أول أمس الخميس في اللقاء الذي احتضنه كراسك وهران، بالتنسيق مع مؤسسة مفدي زكرياء و الذي جاء بعنوان «العلم الوطني.. تاريخ ومسار»، في شرح المراحل التي مر بها صنع العلم الوطني، إلى غاية يوم 5 أوت 1934 ، و هو اليوم الذي قدم فيه مصالي الحاج العلم الوطني لأول مرة أمام 800 جزائري حضروا اللقاء بقاعة سينما وسط باريس.
حسب ما أشار إليه الدكتور زغيدي، فإن العديد من الحاضرين أصيبوا بإغماءات من شدة التأثر و الفرحة لاكتسابهم علما يضاهي أعلام الدول وهو اليوم الذي اعتبروه  إعلانا عن استقلال الجزائر، وفق المصادر التاريخية التي اعتمد عليها المحاضر، الذي قال كذلك أن فكرة  صنع العلم راودت مصالي الحاج خلال مشاركته في مظاهرات قادتها الجالية المغاربية بباريس، وحمل كل واحد علم بلاده ، ما عدا الجزائريين، مبرزا أنه بعد تجسيد الفكرة خلال جلسة مطولة للتشاور وتقديم اقتراحات، أوعز مسألة خياطته لزوجته التي بدورها أسندت المهمة لخياطة من تلمسان اسمها عويشة قنانش.
و بعد عرضه أمام الجزائريين في باريس، تم تقديمه في الجزائر العاصمة، ثم أمام عمال ميناء وهران، أين قال مصالي «جئنا إلى وهران لندفن مشروع بلوم فييوليت (مشروع الجزائر فرنسية) و نغرس العلم لينبت الاستقلال»، وفي وهران سقط أول شهيد للعلم الوطني في 1 ماي 1945.
 و شرح المحاضر أن أولى ملامح العلم برزت في علم المقاومة الشعبية الذي حمله الأمير عبد القادر، وكان لونه أخضر وأبيض وفي الوسط رسم يدا للدلالة على الوحدة الوطنية وعلى أن الجزائر ليست فرنسية، ثم علم أحمد باي الذي كان أحمر اللون  برسم سيف ذي الفقار للإمام علي باللون الأبيض، و حمل عمال ميناء سكيكدة سنة 1910 بلون أخضر وهلال أبيض، كانت له دلالة قوية جدا، حيث رفعوه لأول مرة عندما خرجوا في مظاهرات و واجهتهم فرنسا الاستعمارية بالرصاص، ليعود ذات العلم سنة 1912 خلال احتجاجات العاصمة، رفضا لقانون التجنيد الإجباري، ولم يظهر بشكله الحالي إلا سنة 1934، وهذا بعد 4 سنوات عن احتفال فرنسا الاستعمارية بمرور قرن عن احتلالها للجزائر، وهي الاحتفالية التي اعتقد خلالها الأوروبيون أن الجزائر فرنسية.
وقال الأستاذ المحاضر أن أول كتاب حول تاريخ العلم الوطني، كان من تأليفه في سنة 2014، لكن الفكرة مثلما أضاف، راودته سنة 2003 عندما طلب منه إلقاء محاضرة حول الراية الوطنية، حينها وجد نفسه دون مراجع سوى بعض الكتابات المتفرقة، فلجأ إلى السيد راشد بلقاسم، أحد قدماء المجاهدين وأحد صانعي العلم الجزائري و مناضل سابق في الحركة الوطنية، و كان يحمل في ذاكرته خزانا من المعلومات استغرق تسجيلها 17 ساعة، وهي المعلومات التي اعتمد عليها الدكتور زغيدي في محاضرته حينها، و ألهمته مواصلة البحث إلى غاية إنجاز كتابه.
و أضفى الحضور المكثف لتلاميذ بعض المدارس الذين تزينوا بالعلم الوطني جوا مفعما بالوطنية داخل قاعة المحاضرات بكراسك وهران يوم الخميس المنصرم، و طرحوا عدة أسئلة على الدكتور زغيدي، كما تابعوا رفقة الأساتذة والباحثين شريطا وثائقيا حول تاريخ العلم عبر التاريخ و منه العلم الجزائري الذي يعود أول ظهور له في عهد يوغرطة، ثم خلال الفتوحات الإسلامية إلى غاية سنة 1934 ، حين صنعت الراية الوطنية الجزائرية التي لا تزال ترفرف في كل مكان و تسكن قلوب الجزائريين.
بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى