رمضان يخرج أغلب الناس من عزلتهم
الكاتبة والروائية ربيعة جلطي. تتحدث في هذه الدردشة الرمضانية، عن التغيير الّذي يُميز اليوميات خلال شهر رمضان، معتبرة إياه المناسبة التي يخرج فيها أغلب الناس من عزلتهم. كما ترى أنّنا نعيش سُباتا رمضانيًا ثقافيًا، مضيفة أنّ الخواء عمّ كلّ مجال بسبب غياب حرية  الإبداع، ووجوب شرط التبعية و السذاجة والغباء و «البريكولاج»، مؤكدة في هذا الشأن أنّ الفن الجميل يأتي من تراكم التجارب والأزمنة.
دردشة/ نوّارة لـحـرش
. النصر: ما الّذي يتغير في يومياتك الرمضانية و في يوميات الناس خلال شهر رمضان؟
ربيعة جلطي: أعتقد أنّ التغيير في اليوميات بالنسبة لشهر رمضان، يتجلى في كونه يُخرج أغلب الناس من عزلتهم، فيلتقون دون مواعيد مسبقة عند بائع الخضر، وعند بائع التوابل، يتحدثون عن الغلاء وعن الحَراك، وعن المستقبل وعن الماضي، وعن لعبة الزمن و سخريته من كلّ شيء. يلتقون كأنّهم لم يفترقوا أبدا، حتى وإن كانوا لم يلتقوا من قبل أبدا.
تسعدني تلك اللقاءات والأحاديث الشعبية، بسيطة وعفوية، إلاّ أنّها ذات أبعاد ثلاثية و فلسفية وسياسية عميقة. ومن جهة أخرى أعتقد أنّ شهر رمضان بيومياته المتغيرة قد ينقذ بعض المثقفين، بفَتْقِه فقاعة «الإيغو» الضخمة العازلة لهم، و يسلُهم من الروتين القاتل، ويذكّرهم أنّ على الأرض سبعة ملايير و نصف من السكان، وسبع ملايير من المؤمنين، وخمسمائة ألف من اللادينيين، وهم أيضا يشبهونهم تمامًا في بحثهم المتواصل عن الخلاص من قلق الوجود، ومطاردة السكينة الروحية.
. ماذا عن يوميات المثقف الجزائري، هل هناك مقاهٍ أو نوادٍ تحتضن يومياته ونشاطاته و سهراته، أم أنّ ثقافة النوادي والمقاهي ستظل غائبة عن الفضاء الجزائري؟
ربيعة جلطي: في الجزء الثاني من سؤالك وُجدتْ الإجابة الدقيقة والصحيحة للجزء الأوّل منه. معكِ حق. مع الأسف ثقافة النوادي والمقاهي الأدبية عندنا شبه غائبة عن المشهد الثقافي الجزائري، إلاّ من بعض المبادرات المُصرة على البقاء على الرغم من الصعوبات. قد يكون من السهل إنشاء مقهى ثقافي كمكان،  ولكن الصعوبة تكمن في خلق ذلك التجاذب (الغائب والمُغيب منذ زمن لأسباب سياسية)، بين المكان ورواده المحتملين، وخلق تلك اللهفة والرغبة المُلحة لالتحاقهم بالموعد الثقافي. وهذا يتطلب الحُرية، و العمل بحرية، كما يتطلب تراكم الوقت والتجارب. لكنّني أقول بتفاؤل: لم يعد الحال كالّذي مضى. في الأفق الثقافي ألوانٌ وأنوارٌ جميلة!
. في البلدان العربية، هناك نشاطات تتماشى مع شهر رمضان، و تتكيف معه ومع الأجواء الخاصة به، لكن العكس في الجزائر، فعادة تحدث عطلة ثقافية. لماذا برأيك هذا السبات الثقافي الّذي يتزامن مع كلّ رمضان؟
ربيعة جلطي: لأنّ مدلول فكرة القيمة ليس مُطلقا أبدا، أعتقد أنّنا نعيش فعلا سُباتا رمضانيًا ثقافيًا، ولكن ليس من بين الدول العربية من تميزت حقا بظاهرة النشاط الثقافي الخاص بشهر رمضان، واشتهرت بهذه الظاهرة. فإذا ما تحدثنا عن  القاهرة مثلا، فعلا بها العديد من الشوارع الشعبية و الأزقة و المرافق لا تنام طيلة السنة، مفتوحة للعائلات و للمثقفين ولبائعي الكُتب المتجولين، وإنّ بعض مقاهيها بما فيها مقهى الفيشاوي التي زرتها لمرات عديدة مفتوحة لزوارها الكُثر و للسياح. قد يزيد نشاطها الليلي في شهر رمضان، إلاّ أنّه لا يتوقف خلال بقية شهور السنة. ذلك ما أحلم أن تكون عليه بلادنا بعد انتصار ثورتنا المبتسمة المتفائلة والسلمية.
. ما رأيك في شبكة البرامج الرمضانية في قنواتنا التليفزيونية؟
ربيعة جلطي: ـ لا شيء يأتي هكذا دفعة واحدة. الابتكار والإبداع والاختراع لا يمكن أن يتحقق في مثل الظروف التي عاشتها بلادنا. أنتِ تتابعين منذ عشريتين ما حدث وتعلمين ذلك. كلّ من أظهر نجاحًا و تميزا في مجال ما إلاّ ويُبعد حتمًا عن الساحة، ويُعدم رمزيًا بالصورة والصوت. عم الخواء كلّ مجال بسبب غياب حرية  الإبداع، ووجوب شرط التبعية والسذاجة والغباء والبريكولاج، الفن الجميل يأتي من تراكم التجارب والأزمنة.
. ماذا عن مستوى الدراما الجزائرية التي تُعرض حاليًا على قنواتنا. هل من مسلسلات لفتت انتباهك وشدتك لمتابعتها؟
ربيعة جلطي: و نحن في الأيّام الأولى لرمضان هذه السنة، لم أكوّن بعد فكرة متكاملة عما تميز في الدراما الجزائرية، و لم أقع بعد تحت سحر عمل ما. لا أزال أراوح بين مختلف القنوات، وبين المواد الدرامية التلفزيونية التي تقدمها.. ولأنّنا لا يمكن أن نحكم على كِتاب من عنوانه، و لا على عمل درامي من الجنيريك، و ربّما سأخبرك بضمير مُرتاح بعد أن أكوّن فكرة حقيقية وعميقة و عادلة عند انتهاء رمضان..    
                ن. ل

الرجوع إلى الأعلى