مكتبة الإسكندرية بعيون الباحث الجزائري نذير بن معطي
قدم أمس الأستاذ المحاضر و الخبير الاقتصادي نذير بن معطي ، محاضرة بمتحف قسنطينة العمومي، حول مكتبة الإسكندرية التي زارها غداة إعادة افتتاحها سنة 2002، ليعود منها حاملا فكرة كتاب اختار له عنوان مكتبة «الإسكندرية من البردي إلى الكتاب الرقمي، قرون من النور و النار»، وهو عبارة عن رحلة عبر الزمن عاد من خلالها إلى تاريخ الكتابة وعلاقتها بتطور اللغة، معرجا على دور الحضارات التي تعاقبت على الإسكندرية لتحولها إلى منارة للعلم.
 الأستاذ نذير بن معطي، استهل محاضرته بالحديث عن تطور فكرة الكتابة و كيف تبلورت من خلال تطور اللغة، حيث قدم عرضا عن أقدم وسائل الكتابة بداية بالحجر و المسمار، وصولا إلى اكتشاف البردي ومن ثم الورق وهي مرحلة قال، بأنها كانت منعرجا فاصلا في تاريخ الإنسان و العلم عموما، و الكتابة على وجه الخصوص.
كما استعرض جانبا من تاريخ نشأة مكتبة الإسكندرية التي يرى بأنها واحدة من أعظم منجزات الإنسان عبر العصور، خصوصا وأن هذا الصرح الذي عمر لأزيد من عشرة قرون، مر بالكثير من التحديات، و واجه عوامل الزمن والإنسان، فالمكتبة كانت وقودا لألسنة اللهب التي التهمت جزءا كبيرا منها، كما أنها دمرت و أعيد بناؤها مرارا، مع ذلك، كما أكد، فقد كانت منارة للنور والإشعاع العلمي، على اعتبار أنها كانت تضم خلال القرون الثلاثة الأولى من نشأتها ما يزيد عن 700 ألف مخطوط، كما أنها قدمت للبشرية الكثير في مجالات الرياضيات و العلوم والطب و الفيزياء و الفلك و كانت الصندوق الأسود لمنجزات العلم لعديد الحضارات بداية بالصين، التي حول جزء هام من مضامين مكتبتها القديمة، حسبه، إلى مكتبة الإسكندرية، كما أن ما أهداه مارك أنطونيو لكليوباترا، من مخطوطات تعود لعلماء و فلاسفة اليونان، يعد كنزا ثمينا، خصوصا و أن المصادر التاريخة تشير إلى أن تلك الهبة ضمت 200 ألف مخطوط.
و عاد الباحث، خلال تقديمه لكتابه الذي شكل محور محاضرته، إلى تاريخ مكتبة الإسكندرية القديمة التي عرفت أيضا باسم مكتبة الإسكندرية الملَكية أو المكتبة العظمى وذلك لأنها ، كما قال، لم تكن موجهة في البداية لعامة الناس، بل كانت فسحة خاصة بالأباطرة و الملوك و النبلاء بمن فيهم الفلاسفة، قبل أن يتقرر لاحقا فتحها أمام القراء من العامة.
و ذكر الكاتب في إصداره بأن هذا الصرح يعد أكبر مكتبات عصره،  و يشاع بأن من شيد المكتبة هو بطليموس الأول،  و يقال أنه تم تأسيسها على يد الإسكندر الأكبر، قبل 23 قرنا، إذ تنسب إليه فكرة إنشائها،  ويقال أيضا أنه تم تأسيسها على يد بطليموس الثاني، في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد.
تعرضت المكتبة للعديد من الحرائق وانتهى وجودها في عام 48 قبل الميلاد، قبل أن يعاد افتتاحها سنة 2002 ، بعد إعادة بنائها مجددا و حملت تسمية مكتبة الإسكندرية.
ترجع شهرة مكتبة الإسكندرية القديمة (ببلتيكا دي لي اكسندرينا) إلى كونها أقدم مكتبة حكومية عامة في العالم القديم، وليس لأنها أول مكتبات العالم، فمكتبات المعابد الفرعونية كانت معروفة عند قدماء المصريين، لكنها كانت خاصة بالكهنة فقط والبطالمة أنفسهم الذين أسسوها كانوا يعرفون المكتبات جيدا.
كما ترجع عظمتها أيضا إلى كونها ضمت كتب وعلوم الحضارتين الفرعونية والإغريقية، و بها حدث المزج العلمي والالتقاء الثقافي الفكري بعلوم الشرق وعلوم الغرب، فهي نموذج للعولمة الثقافية القديمة التي أنتجت الحضارة الهلينستية ، حيث تزاوجت الفرعونية والإغريقية.
كما أن أهميتها تكمن كذلك، في عظمة القائمين عليها، حيث فرض على كل عالم يدرس بها أن يترك بها نسخة من مؤلفاته، ولأنها أيضا كانت أكبر مخزن للبردي وأدوات كتابة المصريين، حيث جمع بها ما كان في مكتبات المعابد المصرية.  أما أكثر ما اشتهرت به، فهو تحرر علمائها من طابوهات السياسة والدين والجنس والعرق والتفرقة، فالعلم فيها كان من أجل البشرية وكان الزائر لها أو الدارس بها لا يسأل إلا عن علمه لا عن دينه ولا قوميته.
 جدير بالذكر أن نذير بن معطي، هو خبير اقتصادي و أستاذ محاضر ، و وزير سابق للأشغال العمومية في حكومة قاصدي مرباح، كما أنه باحث يرتحل بين دول العالم، قصد الوقوف على عظمة المنجزات الإنسانية و تثمينها في محاولة لتأريخها ، خدمة للمنفعة العامة وللغرض الأكاديمي.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى