الدراما الجزائريّة بشكل عام لا تزال ضعيفة وتحتاج إلى الاهتمام بإعادة صياغتها وصناعتها

- تقاعس المثقف عن تأدية دوره بسبب ممارسات تعسفية

خديجة زتيلي، الباحثة الأكاديمية والأستاذة المختصة في شؤون الفلسفة. في هذه الدردشة الخفيفة بعيدا عن دروس وأبحاث الفلسفة، هي دردشة حول يومياتها ويوميات الجزائري بشكل عام، وبخاصة خلال مواسم بعينها، مؤكدة أنّها يوميات لم يتغير في تفاصيلها الكثير منذ سنوات خلتْ. الدكتورة زتيلي تحدثت أيضا عن السبات الثقافي الذي يتزامن مع بعض فترات ومناسبات العام، والذي له أسبابه الكثيرة –حسب قولها- مؤكدة أنّه مسؤولية الجميع وليس مسؤولية طرف واحد. كما تتحدث عن الدراما الجزائرية وبعض إخفاقاتها، وعن يوميات المثقف الجزائري، وبعض محاولاته من هنا وهناك لتفعيل الحياة الثقافيّة وتحريك الراكد.

دردشة/ نوّارة لـحـرش

تقريبا تتشابه يوميات الجزائري على مدار العام، لكنّها تختلف في بعض المناسبات، مثل الأعياد والمناسبات الدينية ومواسم الأعراس. كيف هي نظرتك للناس في مثل هذه المناسبات؟

خديجة زتيلي: حسب تقديري، يوميات الناس في هذه المناسبات ويومياتي، لا يتغير في تفاصيلها الكثير وهذا منذ سنوات خلتْ، وما أشبه اليوم بالبارحة، إذ تتوزع حياة الناس وأنشطتهم بين الالتحاق بالدوام اليوميّ في الإدارات والمؤسّسات العامّة أو الخاصّة، وبين الاهتمام بشؤون الأسرة والالتفات إلى متطلبات اليوميّ، ومنها التسوّق مثلا أو التبضع، هذا الأخير تزداد وتيرته في شهر رمضان على وجه الخصوص، ويزداد معه التنويع في المطبخ الجزائري والتفنن في إعداد أطباق الطعام، التي غالبًا ما تزدهر في شهر الصيام أكثر من أي شهر آخر، ويُلاحظ المرء الّذي يرتاد الأسواق حلتها الجديدة البهيّة. وأنا أنسجم مع سياقات هذا الشهر الضيف، وأحتفي بمعانيه الروحيّة وأسعد بحضن العائلة الدافئ وبدفقة الحنان الزائدة، وكأيّ ربّة بيت أعتني بالطبخ طوال العام، لكن خلال الشهر الكريم يكون الاعتناء أكبر وأكثر، فلطالما كان هذا الأخير "الطبخ" من أعظم الفنون التي عرفتها حواضر الدنيا الكُبرى قديمها وحديثها.

وماذا عن يوميات المثقف الجزائري؟ هل هناك مقاهٍ أو نوادٍ تحتضن يومياته ونشاطاته وسهراته. أم أنّ ثقافة النوادي والمقاهي ستظل غائبة عن الفضاء الجزائري؟

خديجة زتيلي: لا يمكن النظر إلى نصف الكأس الفارغة وحسب. وعند الحديث عن يوميات المثقف الجزائري، فهناك محاولات من هنا وهناك لتفعيل الحياة الثقافيّة وتحريك الراكد، تجعلنا نتفاءل قليلا ونأمل في غذ أفضل لهذا الوطن، وتلك المحاولات يقوم بها كُتاب ومثقفون ومبدعون في مراكز ثقافية وفي بعض المقاهي الخاصة بمبادرات فرديّة، من خلال تنشيطهم لندوات فكرية أو أمسيات شعريّة أو عروض فنية، لكن تلك المساعي تبقى على نطاق ضيق ولا يمكنها أن ترقى إلى المأمول. وواقع الحال ذاك يفضي، لا محالة، إلى ترسيخ فكرة غياب ثقافة النوادي والمقاهي الثقافيّة عن الفضاء الجزائري.

في البلدان العربية، هناك نشاطات تتماشى مع مختلف المواسم الدينية والوطنية والاجتماعية، وتتكيف معها ومع الأجواء الخاصة بها، لكن العكس في الجزائر، فعادة تحدث عطلة ثقافية في هذه المواسم. لماذا برأيك هذا السُبات الثقافي؟

خديجة زتيلي: سؤالكِ وجيه، بشأن ازدهار النشاطات الثقافية في البلدان العربيّة في المناسبات الدينية مثل شهر رمضان وتكيفها مع الأجواء الخاصّة به، وعن سباتنا الثقافي الّذي يتزامن مع كلّ رمضان أو مع بعض المواسم الدينية، ولعل أسباب ذلك كثيرة في تصوري، ومن أهمّها غياب سياسة ثقافية رشيدة تُشجّع أيّ نشاط ثقافي وتباركه وتثمنه، وتضع مؤسسات وقاعات ومراكز الثقافة تحت تصرف المثقف، من دون مُماطلة وعراقيل بيروقراطية واستصغار لمهامه، هذا من جهة المؤسّسات الرسمية والخاصة الراعية للثقافة، ومن جهة أخرى يُلاحظ تقاعس المثقف عن تأدية دوره، إنْ بسبب الممارسات التعسفية التي تمت الإشارة إليها، وإمّا لضعف الإيمان بأي فعل للتغيير بعد أن استشرى الفساد وساد الاستبداد. ما يعني أنّ السبات الثقافي له أسبابه الكثيرة وأنّه مسؤولية الجميع وليس مسؤولية طرف واحد.

ما رأيك في شبكة البرامج في قنواتنا. ولماذا برأيك أكثرها برامج وحصص وحتى مسلسلات تخدم على الخواء ولا تحاول الارتقاء إلى فن أجمل وذا لمسات إبداعية؟

خديجة زتيلي: لا أخفيك سرّا بأنّني لا أتابع بانتظام شبكة البرامج لأنّ وقتي لا يسمح بذلك، وكلّ وقتي المُتاح ينصب فيه اهتمامي على متابعة القنوات الإخبارية، الوطنية والعربية والعالمية بغرض الاطلاع على التحليلات ووجهات النظر المختلفة بشأن أزمتنا السياسية في الجزائر، وثورتنا الشعبية التي تزداد زخمًا يومًا بعد يوم، والتي تتخذ من الشارع الجزائري سياقها المكاني منذ أكثر من ثلاثة أشهر تقريبًا، أمّا السبب الآخر لعزوفي عن متابعة شبكة البرامج في قنواتنا الوطنية، فلما تميّزت به من هزال وضعف في المستوى وتسطيحها للمواضيع المطروحة ولخلوها من الجوانب الإبداعية والفنية والجمالية إلاّ فيما ندر، ما أدى إلى إفساد الذوق وإلى أمراض أخرى لا يتسع المجال للتوسع فيها. وكلّ ذلك تسبب في التوجه إلى متابعة قنوات عربية وأجنبية.

هل لنا أن نعرف رأيك في مستوى الدراما الجزائرية التي تُقدم حاليا؟ وهل من مسلسلات لفتت انتباهك وشدتك لمتابعتها؟

خديجة زتيلي: الدراما الجزائريّة بشكل عام لا تزال ضعيفة وتحتاج إلى الاهتمام بإعادة صياغتها وصناعتها، إن على مستوى النصوص أو الإخراج أو على مستوى الأداء الفني، وذلك مقارنة بينها وبين نظيرتها العربية أو الأجنبية. هذا ما عاينتهُ في الأعوام الأخيرة، على الأقل، بعد مشاهدتي لبعض المسلسلات والأفلام. إنّه لم يعد خافيًا على الناس أنّ الكثير من الأعمال الدرامية القديمة أو ما يُسمى بكلاسيكيات الشاشة أو السينما هي أفضل بكثير مِمَا هو عليه حال الدراما الجزائرية اليوم، وأنّ القديم منها يتفوق على الجديد موضوعًا وتمثيلا وإخراجًا ويستحق الاحترام، فرغم تطور التقنية المُذهل لا يزال المعروض لا يقنع المشاهد. أمّا ما تعرضه القنوات الوطنية هذا العام من أفلام ومسلسلات فلا أتابعه للأسباب التي أشرتُ إليها سابقًا في هذا الحوار.

ن.ل

الرجوع إلى الأعلى