الرموز التراثية تلهمني و البيئة الأوراسية تحفزني على الإبداع
يُبدع الفنان التشكيلي خير الدين جبارة، ابن عاصمة الأوراس، في رسم لوحات تزاوج بين الألوان التراثية الأوراسية و الإفريقية، و تعكس أغلبها تراث و رموز الثقافة الشاوية، مثل وشم المرأة و أشكال الحلي التقليدية، كما يبدع خير الدين، أو «التائه»، كما يطلق على نفسه، في فن الكاريكاتور، و المجسمات الفنية، كالأقنعة، و رغم الصعوبات التي يواجهها في عرض أعماله، إلا أنه يواصل  الإبداع الذي يعتبره متنفسا للتعبير عما في وجدانه.
حاوره يـاسين عبوبو
. النصر: حدثنا عن موهبتك الفنية و كيف صقلتها؟
ـ خير الدين جبارة: عندما كنت تلميذا في الطور الابتدائي، كنت على غرار أترابي تستهويني الرسوم المتحركة، فكنت أسعى لتجسيدها. و قد أتيحت لي الفرصة للمشاركة في رسم جداريات بالشارع، و على جدران المدرسة خلال التسعينيات، بالإضافة إلى الرسم، كنت أتفنن و أستمتع بصنع أشكال و مجسمات تحمل لمسة خاصة بي.
في الطور المتوسط ، واصلت الرسم على نفس المنوال، و أدركت أنني متعلق بالفن التشكيلي و صناعة المجسمات، و تطورت مهاراتي الفنية، و انتقلت من الرسوم الكارتونية، إلى رسم المناظر الطبيعية.   
و قررت بعد ذلك صقل موهبتي في الفن التشكيلي، بالدراسة المتخصصة، فاجتزت اختبار الدخول إلى مدرسة الفنون الجميلة بباتنة، و نجحت.
هناك اتضحت لي أمور لم أكن أعرفها، حيث اكتشفت المدارس الفنية، و تقنيات جديدة مثل كيفية التحكم بالخطوط و الرسم، قبل الخوض في عالم الألوان و العمل بتقنية الأبيض والأسود، فتبلورت أفكار فنية في ذهني، و تغير أسلوبي بعد التعمق في ماهية الفن التشكيلي.
 لا أخفيك أنني مررت بظروف عصيبة خلال مرحلة تكويني بمدرسة الفنون الجميلة، فقد رفض بعض الأساتذة موضوع تخرجي و هو زيارة المقابر، بعد خمس سنوات من التكوين، في حين حظي بالموافقة من طرف أستاذ في اختصاص الألوان الزيتية. و في الأخير حصلت على تقدير جيد في ذات الاختصاص.
بالنسبة لفن الكاريكاتير، مرحلة التكوين بمدرسة الفنون الجميلة، حيث وجدت فيه متنفسا للتعبير عن مظاهر اجتماعية بطرق هزلية و ساخرة.
تأثرت بالمدرسة الانطباعية الوحشية
. ما الذي يتناوله خير الدين في فنه و ما هي المدارس و الفنانين الذين تأثرت بهم ؟
ـ أحاول كل مرة في الفن التشكيلي، البحث عن اللمسة الخاصة بي، سواء من حيث اللون أو التقنية في إبراز الانطباعات التعبيرية، بينها الوحشية، و أظن أنني أميل إليها، فهي موجودة في لمستي و في مجموعة ألواني، أحيانا قد لا تروق للبعض، لكنني أفضلها، لأنها ببساطة تضفي التميز و تجعل لمواضيعي الفنية لمسة فريدة.
أعمل في لوحاتي على المزج بين الألوان في الرسم، و إضافة أشكال عادة ما تحمل طابع السخرية، و أتناول بكثرة المواضيع الاجتماعية، كالتسول الذي جسدته في حذاء قديم أو في مرحاض عمومي، باستخدام أسلوبي الخاص، الذي كما وسبق أن قلت، أحبذ أن تطغى عليه الوحشية، و مما لاشك  فيه أنني أستمد أفكاري من الواقع، من خلال تأمل الشارع على سبيل المثال، فهو بمثابة متحف في الهواء الطلق أستلهم منه أعمالي.
الأكيد، أن الفنان يتأثر ببيئته وهويته، وهذا ما جعلني أحاول دوما الغوص في الرمزية في اللون والشكل، لإبراز التراث الشاوي الجزائري و الانتماء الإفريقي. بخصوص الفنانين الذين يعجبونني، أبرزهم الفنان التشكيلي الهولندي «فان غوغ»، فشخصيته كانت قوية متعلقة بالفن، رغم أنه عاش في فقر و تعاسة و تشرد، وهي الصورة التي كان يعكسها في أعماله، ما يثبت تمسك الفنان بفنه، مهما كانت ظروفه.
أجسد الهوية الشاوية و الانتماء الافريقي
. كيف تتناول مواضيع الهوية الشاوية والانتماء الإفريقي التي تبدو جلية في أعمالك؟
ـ من المؤكد أن الفنان يتأثر بمحيطه وبيئته، فكيف لي ألا أتأثر ببيئتي الأوراسية الغنية بالتراث، الذي ألهم الكثير من الفنانين ولا يزال مصدر إلهام، لهذا فإن كل رمز للهوية يشدني، ويثير انتباهي، قد يكون تراثا ماديا أو لاماديا مثل زربية تقليدية، أو وشم المرأة الشاوية، أو حليها التقليدية، فكل الأشياء التي لها رمزية أستخدمتها في لوحاتي الفنية.
بالنسبة للرموز الإفريقية، كانت أول تجربة لي عبارة عن لوحة اخترت لها عنوان «الخامسة»، على اسم جدتي، جسدت من خلالها شكل ولون وشمها  لباسها التقليدي الشاوي، وقد مزجت في اللوحة الرمز و اللون الإفريقي، معتمدا على التشابه الموجود بين الثقافتين والامتداد المتجلي بينهما من حيث اللون والرمز.
. ما الرمزية الفنية التي يحملها الحذاء الذي يطغى كثيرا على لوحاتك ؟
ـ صحيح أنني أستخدم رسم الحذاء كثيرا في أعمالي الفنية التشكيلية، بالاعتماد على تقنية الألوان الزيتية، المستمدة من المدرسة التعبيرية الوحشية، وكما سبق وأن أشرت ، فإن الوحشية أسلوب يستهويني، وعادة ما أرسم الحذاء القديم الذي يحمل دلالة عميقة، فهو  يواكب يوميات الفنان وما يعايشه من لحظات، و يعني خطواته، وأجده أيضا يحمل دلالة تعبيرية تعني المرافقة خلال الظروف الصعبة، وهو ما ألهمني فكرة رسم لوحة الحذاء القديم بطريقة جمالية، تعكس الخطوات اليومية، لآهات فنان يعيش البطالة، لدرجة أنه لا يستطيع شراء حذاء.
أمزج بين الرسم و المجسمات
. كيف استقيت فكرة المزج في أعمالك بين الرسوم والمجسمات و ما الدلالة التي تحملها؟
ـ أعمل على إبراز البعد والانتماء الأوراسي الشاوي و الإفريقي في لوحاتي، وهو ما جعلني أمزج بين الثقافتين، من خلال الرسوم، و كذا المجسمات التي تعكسهما كالأقنعة، و ذلك من خلال رسكلة أشياء قد تبدو غير مهمة، ولا نحتاجها، كالورق المقوى «الكارتون»، فأصنع منها مجسمات و أقنعة،.
. برزت في مسيرات الحراك الشعبي بأعمال فنية، فكيف سخرت فنك لذلك؟
ـ لأن الفن رسالة ، جسدت في أعمالي المطالب الشعبية أثناء مسيرات الحراك الشعبي، بلوحات ومجسمات وأقنعة، وكنت حريصا على إضفاء لمستي من خلال استخدام ألوان و رموز الثقافة الشاوية و الإفريقية، وقد حاولت مواكبة مطالب الحراك منذ انطلاقه في 22 فيفري من السنة الماضية، بلوحات أحاول من خلالها طرح مطالب الحرية و العدالة و الحلم بجزائر مزدهرة، و بمرور الوقت وجدت اهتماما بفني من قبل المواطنين.
. حدثنا عن نشاطك رفقة شباب بلدية إينوغيسن بمناسبة يناير؟
ـ تلقيت دعوة شباب بلدية إينوغيسن رفقة صديقي الفنان سعيد بركان، للمساهمة في إحياء احتفالات يناير، عن طريق رسم لوحات فنية و إعداد منحوتات تعكس التراث الشاوي، فرسمت جدارية لمنظر طبيعي بالمنطقة، و رسمت الملك الأمازيغي ماسينيسا و الكاهنة ديهيا.
ي.ع

الرجوع إلى الأعلى