شهد عالمنا مع مطلع عام 2020 العديد من التّقلبات في مجالات متنوّعة،  ويعتبر الانتشار التدريجي لفيروس كورونا والمعروف باختصار (Covid-19) أكثر الأحداث أهمّية وأبرز القضايا الدّولية والوطنية الرّاهنة التي تتصدّر أجندة العديد من الدّول والحكومات، هذه الأخيرة  التي  وضعت في معظمها كلّا من السّياسة والاقتصاد في المرتبة الثانية من ناحية ترتيب الأولويات، ذلك نظرا لتصنيفه في خانة «الأوبئة» ولقدرته الفتاكة وانتشاره الرّهيب إضافة إلى إمكانات العدوى الصامتة النّاجمة عنه.
كورونا هذا الفيروس التّاجي الذي يجمع بين أعراض «الأنفلونزا» والالتهاب الرئوي»سارس» جعل العالم كلّه في حالة استنفار قصوى، حيث عرف هذا الوباء طريقه إلى العديد من الدّول دون التفريق بين مستوى تقدّمها العلمي والتّكنولوجي. وتجدر الإشارة  في ظلّ هذا السّياق إلى أنّ بعض الدّول المتقدّمة قد عرفت منظومتها الصّحية انهيارا رغم تطوّرها وعدم قدرتها على احتواء مستشفياتها ومراكزها الصّحية للوضع الوبائي، مقارنة  بكثرة الإصابات النّاجمة عن العدوى والنّاتجة بصفة خاصة من الاستهانة به واعتباره نوعا عابرا من الأنفلونزا الموسمية أو زكاما عاديا.
وفي ظلّ تسابق المخابر لإيجاد لقاح فعّال لهذا الوباء  ونتيجة للتزّايد والتّضاعف المتسارع  في وتيرة انتشار فيروس كورونا واتّساع مساحته الجغرافية، سارعت العديد من الدّول إلى تبني دواء «الكلوروكوين» (Chloroquine) الذي اقترح من طرف الطبيب الفرنسي (Didier Raoult)، والمخصّص أساسا لعلاج «الملاريا» نظرا إلى إمكاناته وآفاقه الحالية في الحد والإضعاف من قوّة هذا الفيروس في جسم الإنسان، كما اعتمدت تزامنا مع ذلك على تقنيات العزل وحظر التّجوال في مبادرة لتجفيف قنوات انتقاله.
منصّات «كراودسورسينغ» و»بيغ داتا» وصحافة المحمول ضرورة حتمية لتسيير الأزمة
وتعتبر الجزائر من بين الدّول التي عرف «كورونا» طريقه إليها من خلال العديد من القنوات التي يقتضي علينا حتما مراجعتها. ويجسّد اتّصال الأزمات أحد أبرز الرّكائز التي تستند اليها  الحكومة في مواجهة هذا الوباء، إلّا أنّه تجدر الإشارة إلى ضرورة اعتماد هذا الأخير على الكوادر المهنية المدّربة والمؤهّلة في هذا النّوع من الاتصال في العديد من الإدارات الحيوية المحلّية والوطنية، إضافة إلى قدرة  هؤلاء على التّحكم في تقنيات ومقومات صنع القرار إضافة إلى تكنولوجيات  وأنظمة تحليل البيانات والدّعم اللّوجستي، إلى جانب إمكانية وضع سيناريوهات أكثر تعقيدا من الحالي وتهيئة الظّروف المواتية لمواجهته.
وعلى مستوى صانعي القرار وتسيير الأزمات وفي في ظلّ الغموض الذي يعرفه العالم حول طبيعة هذا الوباء وطرق علاجه، يمكن للحكومة الجزائرية استحداث منصّات افتراضية رقمية لجمع مختلف أفكار ومقترحات المواطنين أو ما يعرف بـ «Crowdsourcing» كلّ حسب تخصّصه، ممّا قد يوسّع دائرة إيجاد الحلول أثناء تسيير الأزمة.
وفي السّياق ذاته يجسّد التّوجه المتزايد نحو استخدام تكنولوجيا الاتّصال الحديثة وتقنيات «Big Data»، إضافة إلى اللوجستيات الذّكية وكلّا من صحافة وتطبيقات المحمول في التعامل مع الأزمة والوباء، أحد أبرز الدّعائم التي يمكن أن تزيد من احتمال تطويق ومحاصرة انتشار الفيروس إضافة إلى إمكانية التّعتيم المعلوماتي المرتبط بطبيعة الأزمة الأخير بالنّسبة إلى المواطنين.
الأخبار الكاذبة و الفوضى في منصّات الإعلام الاجتماعي وتفشي الوباء: أي أبعاد؟
وفي سياق الحديث عن التّعتيم المعلوماتي والفجوة المعرفية، تجدر الإشارة إلى أنّه في الوقت الرّاهن يتميز المجال العام الافتراضي وبصفة خاصة عبر منصّات الإعلام الاجتماعي، بغزارة الأخبار الكاذبة «Fake News» حيث يقتضي على الحكومة في ظلّ هذه الظّروف اتّخاذ إجراءات رقابة محكمة إضافة إلى تدابير ردعية صارمة من شأنها أن تعمل على التّقليل من هذه الأخيرة.  حيث يمكن للأخبار الكاذبة أن تتمظهر من خلال العديد من التّجليات المؤّثرة على إدراك الأفراد لوقائع الأحداث سواء كان من خلال الأخبار المغلوطة، تغيير سياق الحدث، فبركة المحتويات و الاستناد إلى حقن وقائع خارجية في أحداث أخرى بصورة يصعب التفريق والفصل بينها.
ويجسّد المجال العام الافتراضي بيئة منفتحة على الشائعات المغرضة المضلّلة وفضاء خصبا تتكاثر فيه العديد من الممارسات المرتبطة بإظهار جزء من الحقيقة والامتناع القصدي عن سرد الوقائع كاملة، ناهيك عن التّحكم في الصورة والحدث عبر العديد من البرامج وأدوات القص والنسخ، إضافة إلى  الأخبار والتعليقات الساخرة من خلال الأسلوب الهزلي. حيث تجدر الإشارة إلى أنّ كلّ هذه الممارسات  من شأنها أن تعمل على إضفاء نوع من السذاجة على شخصية معيّنة أو خبر معين، ممّا قد ينقص من قيمته المحتوى الإخباري التوعوي  والانعكاس سلبا على كلّ من الأمن العام  للبيئة الجزائرية وصحة المواطن.
«الحجر الصّحي لا يساوي السجن الإنفرادي وإنّما هو رعاية صحّية وفترة نقاهة»
ومن النّاحية الإعلامية، يترتب على وسائل الإعلام مسؤولية اجتماعية وأخلاقية، حول كيفية معالجتها للأحداث المرتبطة بفيروس كورونا وكيفية إظهار الحالات المصابة إلى العامة، فمن النّاحية التّحسيسية يتوجّب على وسائل الإعلام، بما فيها الإعلام الاجتماعي، تفادي الصّور النّمطية السّلبية تجاه المرضى المصابين بعدوى فيروس كورونا، إضافة إلى سعيها الحثيث إلى تغيير ذهنيات الجمهور المستقبل رغم اختلاف مستوياتهم وتوجّهاتهم حول مسألة الحجر الصّحي، حيث إنّ هذا الأخير لا يساوي السجن الانفرادي وسوء المعاملة وإنّما هو رعاية صحّية وفترة نقاهة وراحة.
حتى من النّاحية المفاهيمية وفي حالة عدم توافق المواطن مع مصطلح «الحجر الصّحي»، فمن الضّروري تبني مصطلحات بديلة أقلّ قسوة وأكثر تقبّلا بالنّسبة إلى وعي وإدراك المتلقي وبالتّالي الوصول إلى استجابة أكبر من النّاحية السّلوكية تجاه هذا «الفعل الوقائي» الذي يميل إلى كونه مصطلحا طبّيا أكثر من كونه اجتماعيا، إضافة إلى استبداله بمصطلحات أخرى «الإقامة الصّحية الخاصة» على سبيل المثال. كما تجدر الإشارة إلى ضرورة تخصيص وسائل الإعلام لمحتويات إعلامية من شأنها أن تبيّن كلّا من ظروف المرافقة والإقامة الصّحية الخاصة.
واستنادا إلى «وسائل الإعلام ونظرية الوصمة»، تجدر الإشارة إلى ضرورة الابتعاد عن وصم الأفراد المصابين بالعديد من الصّفات السّلبية والذي قد يزيد من تفاقم انتشار الوباء في البيئة الجزائرية ذلك نظرا لتوجّه الأفراد المصابين إلى الصّمت والعزلة ورفض الإقامة الصّحية الخاصة، خوفا من وصم الأفراد لهم بصفة سلبية والابتعاد عن التّعامل معهم في المجتمع حتى بعد فترة شفائهم، فمن الضّروري مساندة وسائل الإعلام واحتواء هؤلاء خصوصا من النّاحية النّفسية و ذلك بالاستعانة بالمتخصّصين النفسانيين إضافة إلى النّشطاء والشّخصيات المؤثّرة في الفضاء الأزرق والتّعامل معهم كحالات مرضية عادية.
«كورونا» مادة دسمة للترويع مقابل الزّيادة في عدد المشاهدات والتّفاعلات
بعيدا عن التّعميم وعلى الصعيد الإخباري يتوجّب على وسائل الإعلام الالتزام بقيم الصّدق والشّفافية، حيث يحيلنا هذا إلى الحديث عن ضرورة تقيّد ممارسي مهنة الصّحافة بجميع المعايير المهنية وفقا للوائح القانونية والأخلاقية ومواثيق الشّرف المنصوص عليها، والابتعاد عن الاعتماد على منصات الإعلام الاجتماعي كمادة دسمة لاستقاء الأخبار اليومية  المرتبطة، مع الاعتماد عليها في غالب الأحيان «كمصادر مُجهّلة» يتكتّمون عن الإفصاح عنها.
ومن النّاحية التّحسيسية يتوجّب على وسائل الإعلام  الجزائرية بصفاتها المتنوّعة، صحافة مكتوبة، سمعية بصرية و الكترونية، أن تعمل على الابتعاد عن «ترويع الجمهور في مقابل الزّيادة في  نسبة المشاهدات أو التّفاعل مع المحتوى»، بل يجب أن تسعى إلى تركيز طاقتها الإخبارية إلى تفعيل دور الإعلام التوعوي من خلال تكثيف حملاتها التّحسيسية حول طبيعة الوقاية من هذا الوباء، وسبل التّعامل معه في حالة الإصابة والاستعانة قدر الإمكان بالمتخصّصين في هذا المجال.
التربية الإعلامية مسؤولية اجتماعية وأخلاقية لوسائل الإعلام
وفي ظلّ هذه الظّروف تكتسي التّربية الإعلامية الصّحية أهمّية بالغة في التّقليل من انتشار تفشي فيروس كورونا، حيث يقتضي على وسائل الإعلام وكلّ الجهات ذات الصّلة تكثيف حملاتها التّعليمية لشريحة الأطفال بصفة خاصة ومختلف الشّرائح العمرية عامة، حول كيفية الوقاية من هذا الوباء. وفي السّياق ذاته تجدر الإشارة إلى ضرورة توعية المواطنين وحثّهم على عدم الاستهانة بهذا الوباء والالتزام الصارم بمعايير الوقاية والسلامة، كما تجدر الإشارة إلى أنّه من الضّروري توعية الجماهير حول ضرورة الابتعاد عن كلّ ما يبث وينشر بصفة خاصة من خلال منصات الإعلام الاجتماعي والاعتماد على المصادر المؤكّدة والرّسمية كالمتخصّصين ومنظّمة الصّحية العالمية، وهيئات الإغاثة الإنسانية،اللّجنة الدّولية للصّليب الأحمر والهلال الأحمر  ومختلف الاتحادات ذات الصّلة بهذه الأخيرة.
فيروس كورونا وأفق المعاملات في الحياة اليومية
وعلى مستوى الحياة اليومية تجدر الإشارة إلى أنّه من الضروري اقتناء معدّات أكثر حداثة من شأنها أن تسهّل من عمليات الكشف عن فيروس كورونا بصفة أسرع، ممّا قد يسرّع من عملية محاصرته، إضافة إلى تكثيف الانتشار الواسع  لملحقات التحاليل والكشف عن هذا الوباء، كما يمكن الحث على ضرورة التّوجه إلى تفعيل دور الإدارة الالكترونية والعمل على توسيع نطاق المعاملات الالكترونية، إضافة إلى عصرنة أنظمة التعامل البنكية وظروف الدّفع الالكتروني كآليات من شأنها أن تعمل على تسهيل ظروف الحياة وبالتالي من الاتصال الواقعي( الجسدي) في البيئة الجزائرية ممّا قد يؤدي إلى التّمكن من التّقليل من نسبة العدوى.
وختاما نتقدم بعبارات التعزية لكل مفقود غيّبه هذا الوباء ونتضامن مع أهلنا و إخوتنا في البليدة  وكل المناطق التي هي تحت الحجر ونقول (كلّنا البليدة –Je suis Blida) وتحية خاصة إلى كل من هو في الجبهة الأمامية لمكافحة هذا الوباء كلًّ باسمه، كما نثمّن كل ممارسة إعلامية واتصالية نبيلة في المجتمع الجزائري خصوصا في ظلّ هذه الأزمة.

الرجوع إلى الأعلى