يؤكد الفنان التشكيلي الجزائري، مراد عبد اللاوي، بأن جائحة كورونا، ستترك أثرا على عالم الفن في العالم ككل من ناحية المحتوى الإبداعي والفكري و أساليب و تقنيات التعبير، وذلك على غرار ما عرفته الإنسانية خلال اختبارات سابقة عاشتها على مر العصور، بما فيها مآسي الطاعون والكوليرا التي غذت الحركة الفنية و كانت خلفية لأمهات الأعمال و المنتجات، مشيرا إلى أن التأثير الاقتصادي للجائحة انعكس سلبا على سوق الفن التشكيلي التي تباطأت كثيرا لحد الشلل، قبل أن تجد لها متنفسا جديدا يتمثل في العالم الافتراضي، الذي وفر فضاءات عرض مختلفة سمحت للفنانين والمؤسسات بكسر الجمود و العودة للنشاط مؤقتا.

حاورته: هدى طابي
النصر : لنستهل حوارنا بالحديث عن ثنائية الفن و المآسي الإنسانية، كيف أثر و تأثر الفن التشكيلي بالكوارث التي عاشتها البشرية على مر التاريخ بما في ذلك الطاعون و الكوليرا، هل تغذى منها كما فعل الأدب ؟
ـ مراد عبد اللاوي: الفن عبر التاريخ كان من أحسن الحركات التي عبرت عن الزمان و قدمت رواية دقيقة للأحداث، بمعنى أن الفن هو اللغة الوحيدة التي تكتب التاريخ بطريقة صحيحة و صادقة، و أي فنان يعيش مرحلة ما بمختلف أحداثها يتأثر بها فيصبح مرآة قومه، بدليل أننا إذا نظرنا  للحضارات القديمة فلن نجد منها سوى الشيء المتعلق بالفن، وبالتالي فإن علاقة تأثير و تأثر المبدع بمحيطه و أحداثه موجودة و دائمة.
الفنانون الذين عايشوا مآسي الطاعون و الكوليرا حاكوا المعاناة الإنسانية و لونوا التحدي و قصص الحب و الصمود ورسموا الموت وفق منظورهم الخاص ووفق فهمهم لما يحصل لكن انطلاقا من خلفية واضحة هي الأحاسيس البشرية التي لا تخضع للحسابات، وكلها محطات تخلدها لوحات نجدها اليوم، على تلك النوافذ الزجاجية في الكنائس و المعابد، ناهيك عن ما يوجد أيضا في المتاحف.
بمعنى أن الفن بمختلف طبوعه سواء كان أدبا أو نحتا أو رسما، لا يمكن أن يعيش بمنأى عن واقع المجتمعات أو ينسلخ عن مآسيها و مشاعرها فهو في النهاية ترجمة للأحاسيس الإنسانية و لغة من لغات الطبيعة.
إلى أي حد أثرت جائحة كورونا على سوق الفن التشكيلي في العالم في ظل استمرار غلق المتاحف و أروقة العرض؟
ـ للأسف أثرت بشكل كبير، طبعا في الجزائر لا حاجة للحديث عن هذا الموضع لأننا بالأساس لا نملك سوقا للفن، لكن التأثير العالمي للجائحة هائل، فالمعروف هو أن هذه السوق تخضع لحركة و معطيات الاقتصاد العالمي، وإن كانت هنالك إشكالية في الاقتصاد فمعنى ذلك أن سوق الفن ستتراجع، و بالتالي فإن تأثرها سلبا بتبعات فيروس كورونا المستجد، لن يكون هينا، خصوصا في ظل استمرار الإغلاق العالمي و العزلة التي فرضتها الجائحة على كبريات عواصم الفن على غرار باريس.
ـ ما الدور الذي ستلعبه مواقع التواصل الاجتماعي لإنقاذ الفن التشكيلي، كما فعلت مع عديد الأسواق الأخرى بما في ذلك سوق الكتاب؟
ـ نلاحظ فعلا بأن هناك فقاعة أكسجين صغيرة تحاول تجارة الفن التنفس من خلالها ولو بشكل سري، ألا وهي السوق الافتراضية على الأنترنت.
 من جهة ثانية، فإن المؤسسات الثقافية في الجزائر على غرار عديد نظيرتها عبر دول عبر العالم، انتهجت سياسة اللجوء لمواقع التواصل في ظل إغلاق الفضاءات المادية وتطبيق الحجر الكلي أو الجزئي، و هذاالإطار قام مهنيو التشكيل باستغلال المنصات الافتراضية لمواصلة نشاطاتهم الثقافية من خلال عروض لوحات يتم إثراؤها دوريا.
رواق لوبان) الطاووس) مثلا، عرض عبر صفحته على الفيسبوك أعمال فنانين من مختلف التوجهات الفنية بالإضافة إلى النحت والأعمال المركبة ، ويقدم أيضا هذا الرواق رسائل تحسيسية تذكر بطرق الوقاية من انتشار الفيروس ، أما رواق «سين آرتغالري» فيقدم نسخة افتراضية لآخر معرض له وهو سلسلة لوحات للفنان التشكيلي التجريدي علي خوجة بعنوان «الحديقة الغامضة» وهناك عدد من المتاحف أيضا انتهجت نفس الأسلوب.


ـ كان يفترض أن تنشط معرضا فنيا بقسنطينة، أياما قليلة قبل أن يباغتنا الفيروس و يوقف الحياة فيها، فما هي الرسائل التي حملتها لوحاتك لأهل المدينة؟
ـ في الحقيقة تنقلت وفي جعبتي عدد كبير من أعمالي عرضنا حوالي 70 منها بين قاعتين في متحف سيرتا، كنت قد اخترت الأعمال التي أرى بأنها تعبر عن الجيل الجديد من الفن الجزائري، أردت أن أواكب تطورات الأحداث و التغيرات السوسيولوجية و السياسية التي يعرفها البلد، و لذلك فقد تعمدت اختيار لوحات تكرس التجديد و تجاهر بوجود جيل مختلف للفنانين التشكيليين الذين وجب علينا تقبلهم و تقبل أفكارهم كامتداد لسعينا من أجل الانسلاخ عن جلدنا القديم الضيق،  فكما سبق وذكرت في بداية حوارنا، من يكتب التاريخ بطريقة صحيحة،و يؤرخ للأحداث بشكل صريح هم الفنانون عصاميون كانوا أم محترفين، وأنا من الفنانين الذين يفضلون التجديد و الخروج عن المألوف.
ـ ما الذي يميز هذه الحركة التشكيلية الجديدة ما الذي استجد فنيا في بلادنا؟
ـ كما تعلمون، نحن نعيش حقبة تاريخية جديدة، بتأثيرات و تقاليد و أحاسيس وأفكار لم نعرفها سابقا وحب و كراهية مختلفان، وكلها تراكمات و تناقضات جديدة، و الفنان الحقيقي هو من يعرف كيف يحاكي كل هذا و كيف يحدث عملية انصهار  ينتج منها عملا جامعا، نعيش عصرا يصاحبنا فيه العالم الافتراضي في كل خطوة و كل نفس، و بالتالي فإن كل فرد بيننا هو بمثابة نافذة يطل منها العالم على وطنه فما بالك بالفنان، إن لم نرفع المستوى و نتجدد و نساير  التطور سننعزل و لذلك فالفنان التشكيلي يجب أن يكون ذكيا يفهم هذا الأمر و يتقبله و يتماشى معه.
الجديد فنيا، يتعلق بكل شيء مختلف، و الجرأة جزء من الأمر بما في ذلك شجاعة التعبير عن الواقع المعيش و القدرة على اكتساب المهارات التقنية الجديدة و توظيف الأشكال و الخامات و الألوان، و أن تكون للفنان شخصيته و يكون قادرا على طرح الأفكار لأنها تشكل روح العمل، و أي عمل خال من فكرة وروح هو عمل تقني لا يمكن التعامل معه حسيا،فبعض الألوان مثلا، لها أبعاد أعمق و قدرة أسرع على الوصول إلى المتلقي، الإضافات التي يدرجها الفنان في لوحته تمنح امتدادا بصريا أبلغ كذلك.
ـ ما هي العناوين التي ستحملها لوحات ما بعد حراك فيفري؟
ـ حراكنا كان عظيما في بدايته، قبل أن يساق إلى منعرجات أخرى، و ككل محطة هامة في تاريخ المجتمعات، فإن تأثيره على الحياة سيكون كبيرا، بما في ذلك التأثير على مجال الفن، أنا ككاتب باللون أرى إشراقات جديدة، و قد باشرت العمل على كتاب يحمل ذات العنوان.
ـ معروف أننا لا نملك سوقا للفن التشكيلي في بلادنا، فلماذا تزدهر موضة اللوحات التجارية الجاهزة التي تباع في محلات الديكور و كيف استطاعت أن تحظى بالقبول رغم الفرق في النوعية و التقنية و القيمة الفنية؟
ـ وأنتم تطرحون سؤالكم، كنت أتخيل كل المشاكل التي يتخبط فيها مجتمعنا بداية بكيس الحليب و وصولا إلى اللوحة، الأمر برمته تحصيل حاصل لمعطيات سياسية و اجتماعية و أخلاقية و غير ذلك، نحن فالحقيقة نعيش أكذوبة ليس لها تعريف و المنطق التجاري طغى فأصبح الذوق خاضعا للكلفة وليس للقيمة الحسية أو الفنية.
 الفنان بالنسبة لي لا يجب أن يكون حرفيا، بل يجب عليه أن يتحلى بالالتزام تجاه فنه و يعيش على فكرة أو قضية، خلال سنوات من النشاط في هذا المجال و أسفار مهنية قادتني إلى مدن جزائرية و أخرى في الخارج، قابلت أناسا يفهمون قيمة الفن و ينفقون لأجل الفكرة و التقنية و الإبداع، وهو ما بث في نفسي بصيص أمل لأن اللوحة كما ذكرت، لا يجب أن تكون قطعة ديكور فقط، بل نافذة تطل على روح الإنسان و تحرك فيه كل جميل و الهدف منها هو  دفع المتلقي للصدق.
ـ أدمجت مادة الكرتون في لوحاتك و مزجت بين تموجات الورق و بين تدرجات الألوان، حدثنا عن هذه التقنية، إلى أي المدارس التشكيلية تنتمي؟
ـ أنا ابن الحداثة مدرستي اليوم هي الفن المعاصر، الذي يعبر عن ما نعيشه و الذي يعد جزءا من ثورة الفكر الإنساني، التقنية هي جزء من سعيي نحو التجدد و تكريس فكر مختلف فإضافة مواد جديدة للوحة يمنحها بعدا أعمق و بالتالي قابلية أكثر على استقطاب اهتمام المتلقي و محاورة أحاسيسه لكن شريطة توفر التوزيع الجيد و التركيب الصحيح.
كفنان أمل سريعا من الشيء المعتاد و أميل إلى خلق ضجة فنية تثير التساؤلات، لذلك أدير مخبرا للألوان وليس ورشة بسيطة للرسم، و أعمل دائما على البحث عن كل جديد، حيث مارست كل التقنيات و اتقنت عديد المهارات لكنني أفضل كل شيء جديد، وقد وجدتني أكثر في الفن الحديث، لأنني أفضل التعبير عن نفسي و فني بطريقتي، خصوصا في ظل غياب الوسيط المتخصص بين الرسام و المتلقي في بلادنا، ففي الجزائر نفتقر لوجود النقاد الفنيين، كما أننا لا نملك صحافة متخصصة في مجال الفن التشكيلي.
هـ/ط

الرجوع إلى الأعلى