صدر عن منشورات بهاء الدين، قسنطينة، 2020 كتاب سعدتُ بالمشاركة فيه لصاحبه مصطفى بلهول الذي نتمنى له الشفاء من مرضه. إنها قصة مناضل من بين المئات من المناضلين الجزائريين في مدينة جيجل الذين وقفوا ببسالة ضد الاستعمار وقاوموا حتى طرد الاستعمار الغاشم، والكثير منهم لم يعش ليرى نور شمس الاستقلال تسطع في هذا البلد.

قراءة عبد السلام يخلف
يتحدث الكتاب عن (المفرزة العملياتية للحماية) وهي إحدى الوحدات العسكرية غير المعروفة في تاريخ الثورة الجزائرية والتي استعملتها فرنسا الاستعمارية من أجل التغلغل في قلب الثورة وقتلها من الداخل بواسطة التجسس المضاد والاستخبارات والحماية وهذا بداية من سنة 1956 بحيث بدأت مأسسة التعذيب كأداة للضغط على الجزائريين وإرغامهم على الكف عن دعم المجاهدين وتقديم العون بدل ذلك للإدارة الاستعمارية. لقد تم استعمال هذه الطرق في حرب الهند الصينية بعد الحرب العالمية الثانية بحيث أثبتت فعاليتها في ترويع السكان وهذا بعد أن تم تجريد الجيش من وظيفة التجسس المضاد وإسناده إلى هذه التنظيمات التي نشأت في 1 جوان 1956 وبلغ عددها 18 وأصبحت أداة للحرب المضادة ولم يكن ذلك يعني سوى شرعنة التعذيب وممارسته على الجزائريين. بفضل ذلك مثلا تم نقل الكثير من سلطات الشرطة في العاصمة إلى الجنرال السفاح جاك ماسو «لمحاربة الإرهاب».


نظرا للطرق غير الشرعية التي كانت تستعملها هذه المفرزات العملياتية فقد وضعت نصب أعينها تدمير التنظيم المدني لجبهة التحرير الوطني الذي يعتبر القاعدة الخلفية للدعم اللوجستيكي للثوار في الجبال. ولقد اعتبرت القيادة العسكرية آنذاك على لسان الجنرال «ديلاك» أن هذه الوحدات بمثابة «مكتب ثاني» تريد السلطات منحها كافة الصلاحيات للقضاء على الثورة باعتبار أنها بدأت في عمليات موازية للشرطة والدرك والجيش وتهتم بكل صغيرة وكبيرة من المعلومات الصادرة عن الهيئات المختلفة. تقوم مثلا باستنطاق المساجين العسكريين وكافة الذين يشكون في انتمائهم إلى التنظيمات المدنية التابعة لجبهة التحرير الوطني. في نص تم توزيعه في 18 جانفي 1958، قال روبير لاكوست الوزير المقيم بالجزائر هذه الوحدات تم تشكيلها بهدف ضمان تنسيق أحسن لنشاط القوات العسكرية أثناء أداء مهامها.
يتحدث المؤلف هنا عن البشاعات التي ارتكبتها هذه الوحدات في منطقة جيجل من خلال عملها الذي يرتكز على استقاء المعلومة من الشخص الذي يتم القبض عليه أو يتم احضاره إلى مقرات هذه الوحدات. كل الوسائل «مشروعة» للحصول على جملة أو اسم أو منطقة ثم أن هذه الوحدات في العاصمة تم تشكيلها بهدف إشراك المعمرين في الدفاع عن المراكز المدنية. بأحد المراكز البشعة بمدينة جيجل يحكي صاحب الكتاب التفاصيل الكثيرة للتعذيب الجسدي والمعنوي الذي تعرض له الجزائريون داخل ما يشبه المغارات الحجرية التي مات فيها البعض وفر منها البعض الآخر ونجا من حالفهم الحظ ولكن بكثير من الأعطاب الجسدية والنفسية (يذكر الكتاب الأسماء كلها).
حكاية السيد بلهول تبدأ تاريخيا من ميلاده في حي مصطفى بضواحي جيجل ثم مع والده الذي كان مناضلا في حزب الشعب وكان يطلب من ابنائه آنذاك القيام بتوزيع المناشير. تمر السنوات وتبدأ الحرب ومعها الحصار العسكري وتفتيش البيوت والاعتقالات التي لم تكن تستثني أحدا من كبار وصغار ونساء. يحكي المؤلف الخوف الذي كان يسكن أفراد الأسرة عند طرق الباب ليلا من طرف العسكر والحصار الذي تتعرض له المدينة الشيء الذي دفعه لمحاولة الهروب من المنزل لكن يتم الامساك به والزج به في السجن، طبعا بكثير من التفاصيل وبلغة جميلة تقترب بعض فقراتها من السرد الروائي القيم والمنعش في آن.
مرحلة السجن موقف للألم بحيث تبدأ عمليات التعذيب للحصول على المعلومات المتعلقة بأبناء عمه وأفراد عائلته الآخرين الذين التحقوا بالمجاهدين. بعد مرض وهزال يتم اطلاق سراحه بقرار من الطبيب ثم من باخرة بين جيجل وبجاية إلى فرنسا وهناك تبدأ مرحلة كفاح أخرى مع الجبهة في المهجر. بعد الخدمة في الدرك الوطني ثم التقاعد، يشارك السيد مصطفى بلهول في الوحدات الأولى لمكافحة الإرهاب ويشارك في المسيرات الأولى للحراك.
قصة مشوقة يرويها المؤلف بطريقة فيها الكثير من الألم ولكن بلغة تزرع الأمل وتقول الإرادة القوية لصناعة الحرية وتعلم الدفاع عنها.

Mustapha belhoul, Le DOP de Jijel et autres histoires : mémoires de la guerre d’Algérie et au-delà. Editions Bahaeddine, Constantine, 2020. 136 pages.

الرجوع إلى الأعلى